Site icon صحيفة الصيحة

الخرطوم ــ تل أبيب.. هل تتوافق المصالح الاقتصادية؟!

 

الخرطوم ــ رشا التوم

تباينت ردود الفعل واختلفت وجهات النظر ما بين الرفض والقبول  في أوساط الخبراء الاقتصاديين حول الخطوة المرتقبة للتطبيع مع إسرائيل، تلك الدولة المختلف حولها لدوافع بعضها ديني وسياسي واقتصادي، والجانب الأخير يمثل المحور الرئيسي للاستطلاع الذي أجرته (الصيحة) للاقتراب من الأهداف الاقتصادية التي يمكن للسودان تحقيقها حال تم التطبيع بالكامل مع إسرائيل، وما هي انعكاسات التطبيع على الوضع الاقتصادي في البلاد بما أن السودان يواجه مشكلات وتعقيدات في الحصول على التمويل الدولي جراء المقاطعة الأمريكية ووجود اسمه ضمن قوائم الإرهاب، وبحسب تقارير عالمية حديثة فإن إسرائيل يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لها (272.7) مليار دولار والناتج الفردي السنوي (36.200) دولار ونسبة النمو (3.3%) ونسبة البطالة (5.8%) ونسبة التضخم (1.7%) والدين الخارجي (96.3) مليار دولار..

دولة صغيرة ولكن!

ويرى الخبير الاقتصادي البروفيسور عصام الزين الماحي، أن التطبيع مع إسرائيل من الناحية الاقتصادية له فوائد عدة يجنيها السودان، فالأولى تعد من الدول المتقدمة في مجالات التكنولوجيا رغم أنها دولة صغيرة لكنها حققت نجاحاً كبيراً في تأمين الغذاء لشعبها بالكامل، وفيما يختص بالمياه النقية واستخداماتها واستغلالها، بالإضافة إلى الصناعات والاتصالات والبرامج الخاصة بالكمبيوتر، فإسرائيل تملك أحدث التقنيات في العالم وبما أن السودان له موارد مائية وزراعية يمكن توظيف العلاقات بين الدولتين من الناحية الاقتصادية لتحقيق مكاسب مشتركة، خاصة وأن السودان يواجه مشكلة في توفير الغذاء وتحريك الصادرات وإسرائيل لديها المقدرة الكبيرة لتكون جزءاً من الحلول لمشكلات الاقتصاد السوداني.

وأضاف “تمثل إسرائيل مفتاحاً رئيسياً للانفتاح على العالم والمساهمة في رفع العقوات الأمريكية المفروضة على السودان، وتابع: “في اعتقادي أننا نريد مصلحة السودان أولًا وهم أيضًا يبحثون عن مصالحهم ولديهم رؤوس أموال ضخمة يمكن أن تسهم في مشروعات استثمارية ضخمة للسودان”.

وأردف بأنه حال تم التطبيع فقط لعامل سياسي لإزالة السودان من قائمة الإرهاب فهو مكسب حقيقي، ولكن في المقابل إسرائيل ترى أن التطبيع مع السودان مهم أكثر من أي دولة في الخليج رغم أن السودان بلد فقير لأن إسرائيل تواجه مشكلة تهريب السلاح والتطبيع يعطيها عيناً رسمية لمكافحته والطيران الإسرائيلي يمكن أن يوفر ما بين (10) إلى (16) مليون دولار ذهاباً وإياباً عبر مجال الطيران السوداني.

وأوضح أن الاقتصاد الإسرائيلي اقتصاد مؤسسات وليس أفراداً ويمنع رؤوس الأموال التي تذهب إلى الطفيلية الاقتصادية، وحال كان التطبيع لمصلحة البلاد يجب وضع خطة استراتيجية للاستفادة من التقانات والتكنولوجيا الإسرائيلية.

ليس كافياً

من جانبه، قال المدير العام للوكالة الوطنية لتمويل وتأمين الصادرات د. أحمد بابكر، إن النظام السابق برئاسة البشير قاوم فدفع الشعب السوداني الثمن واستبشر الناس خيراً  بذهاب الكيزان فلم ينالوا خيراً فلما ضاقت أكثر توجه البرهان نحو تل أبيب فقد أدرك أن ذهاب حكم الكيزان وحده ليس كافياً.

لعبة سياسية

وفي رأي مغاير، ذكر وزير الدولة بوزارة النفط السابق المهندس سعد الدين البشرى لـ(الصيحة) في تصريح سابق، إن خطوة التطبيع مع إسرائيل تعد خطوة خاطئة التقديرات، فقد أثبتت التجارب مع الغرب والأمريكان عدم وفائهم بالعهود والوعود التي يقطعونها للدول العربية والأفريقية معاً، وفي حالة إذا كان الوعد بأن التطبيع يفتح الباب للسودان والسودانيين لتجاوز العقوبات الاقتصادية فهي مسألة صعبة ومستحيلة، فالتطبيع في حد ذاته ممكن، ولكن المصالح التي تجنيها الدول المطبعة مع إسرائيل ليست ذات قيمة ومثال لذلك سابقاً المؤتمر الوطني في اتفاقية (نيفاشا) استمع إلى الأمريكان والغرب، ولكن كان العائد أنهم فصلوا الجنوب وحتى أموال التعويضات من النفط “مازلنا نلاوي فيها الجنوبيين إلى وقت قريب”، واعتبر أن التطبيع لعبة سياسية فقط، وما حدث في أوغندا ليس خاصاً بالسودان فقط ونتنياهو جاء من أجل عدد من القادة الأفارقة، والسودان يمثل جزءاً من الاستهداف.

تبادل تجاري

وقال الخبير الاقتصادي البروفيسور عثمان سوار الدهب، إنه من المعلوم أن الجانب السياسي يطغى على الجانب الاقتصادي، وأضاف بأن اسرائيل لديها تأثير اقتصادي كبير على أمريكا والدول المساندة لها، وإذا اتجه السودان للتطبيع سيفتح باباً لدخول سلع إسرائيلية لدول إفريقيا عبر السودان والذي يعتبر معبراً لها، وهذا ستكون له مكاسب كبيرة وعائد على البلاد ويلعب دوراً كبيراً.

واعتبر أن التعنت الأمريكي الأخير من ناحية اقتصادية مربوط بالوضع السياسي، ولفت إلى أن النظرة الأمريكية للسودان ليست عاطفية بل مرتبطة بناحية مصالح تتمثل في الأمن القومي الأمريكي بجانب المصالح الاقتصادية من ناحية دعم واستثمارات واللذين تعتبرهما الموضوعين الأهم بالنسبة لها.

وقال عثمان لـ(الصيحة)، إن تلك المسائل تمثل مفتاح الدخول لأمريكا خاصة وأن اسرائيل لديها نفوذ في أمريكا حيث تعتبر أمريكا إسرائيل مفتاح العلاقات لدول عديدة، فهذا يفتح المجال كبيراً للتعاون بين السودان وأمريكا وعلاقات ممتدة على المستوى العالمي، وأضاف بأن السودان ظل لفترة طويلة متمترساً في قضية التمنع العربي للتطبيع مع إسرائيل في حين أن هنالك دولاً عربية عدة لها علاقات مع إسرائيل كمصر والأردن، بجانب ذلك، فإن كل الدول المحيطة بالسودان لديها علاقة مع إسرائيل كتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وبالتالي القضية تعتبر مكسباً بالنسبة للسودان، حيث يفتح آفاق التعاون الاقتصادي المتمثل في التبادل الاقتصادي، كما ينعكس إيجابًا على الوضع السياسي، ونوه إلى أنه سيسهم في معالجة العديد من العقبات الاقتصادية التي ظلت لفترة طويلة قائمة دون وجود حلول جذرية لها.

حل الإشكاليات الاقتصادية

ووافقه الرأي الخبير الاقتصادي د. عز الدين إبراهيم الذي قال لـ(الصيحة)، إن التطبيع سيكون لها أثر إيجابي برفع الحظر الأمريكي على البلاد، وبالتالي سيلعب دوراً في حل عدد من الإشكالات الاقتصادية أهمها التحويلات المصرفية وإعفاء الديون الخارجية وتدفق التمويل من الخارج، بالإضافة إلى أن السودان سيستطيع الحصول على الدعم الدولي من الصناديق والجهات المانحة، بجانب إعادة الثقة مع البنوك الخارجية مما ينعكس في تحسن الاقتصاد حيث نستطيع الحصول على التقانات التي كانت محظورة على البلاد منذ  فترة طويلة في مجال الطيران.

ونوه لخطورة عدم وجود توافق بالداخل ما يكلف البلاد حيث يؤدي لحدوث مشاكل سياسية والإطاحة بالنظام القائم، وبالتالي فإن كل الجهود التي بذلت ستذهب أدراج الرياح.

ثمن سياسي

لكن خبيراً ـــ فضل حجب اسمه ــ قال لـ(الصيحة)، إن التطبيع مع إسرائيل لا دواعي كافية للسعي من أجله، وإذا كانت حاجة الأسواق السودانية سواء إلكترونيات أو برامج حاسوب أو تكنولوجيا زراعية فهي متوفرة وبشكل واسع في الأسواق الألمانية واليابانية والصين وكثير من دول شرق آسيا وبإمكان السودان الحصول عليها دون دفع أي ثمن سياسي يذكر.

وأضاف أن الانشقاقات الحالية في الساحة السودانية وأزمة الهوية السياسية مع أزمة الدولة والنظام السياسي في السودان كلها عوامل أدت إلى أن تستغل لإيجاد منافذ للتطبيع، حيث تعتبر إسرائيل مرتكزًا رئيسيًا في إعادة صياغة شكل الشرق الأوسط، إذ أن هذا المشروع لا بدّ أن يبدأ بـ”تطبيع” يشمل أغلب الدول العربية وللسودان بينها خصوصية، وتابع “نظرًا للعوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي يتمتع بها وتحديدًا بعد الموجة المتسارعة للترويج للتطبيع محتمل مع دول عديدة- صفقة القرن.

واعتبر أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يمتلك أية ميزة نسبية مغرية، تجعله محط أنظار الاقتصادات الأخرى لبناء علاقات مبنية على تبادل المنفعة بينهما، وقال إنه من الممكن أن تكون هناك أهداف أخرى غير معلنة تستطيع من خلالها إسرائيل التأثير على السودان لأن البنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الآن ضعيفة ومهيأة لبناء مثل تلك العلاقات.

Exit mobile version