إغلاق الميناء والطريق البرِّي.. تداعيات اقتصادية

 

الخرطوم- جمعة عبد الله

أثَار إغلاق مُواطنين مُحتجين بولاية البحر الأحمر للطريق القومي “الخرطوم – بورتسودان” بمدينة سنكات عند منطقة “العَقَبة”، وتطورات الأحداث بإغلاق عدد كبير من المواطنين ميناءي سواكن وبورتسودان، احتجاجاً على توقيع (مسار الشرق) في اتفاق السلام بجوبا، قبل أن يتوقّف العمل بالميناء الجنوبي، وتقع حادثة قتل الملازم شرطة إبراهيم بدوي طعناً بالسيوف والسكاكين من قِبل مجموعة مُتفلِّتة حاولت اقتحام ونهب مبنى شركة بترونايز بمدينة هيا، كل ذلك أثار موجة من المخاوف من تأثيرات سلبية على تدفق الواردات من الميناء الرئيسي للبلاد، حيث شمل الإغلاق البوابتين (16) و(17) بميناء بورتسودان، مما أدى لتوقف العمل بالميناء.

ورغم قصر فترة الإغلاق التي لم تتعدَ يوماً واحداً، إلا أن آثارها السلبية لا تزالت حاضرة، حيث أبدى تجار ومُستوردون خشيتهم من حدوث خسائر على سلع وبضائع الوارد سواء بتأخير شحنها من الميناء أو بسبب الاضطرابات والاحتجاجات على الطريق القومي.

وعلمت (الصيحة)، أنّ العمل بميناء بورتسودان عاد تدريجياً لسابق عهده قبل الإغلاق، إلا أنّ مصادر داخل الميناء أشارت لتراجُع حجم السلع والبضائع الواردة لأسباب لا علاقة لها بالإغلاق الأخير، ونوهت إلى أن الواردات تراجعت بنسب تتراوح بين (30 – 50%) بسبب تذبذب أسعار الصرف وشح النقد الأجنبي، علاوة على تناقص الصادرات المستمر مما أدى لفقد الخزينة العامة حصائل صادر مُعتبرة كان يتم تخصيصها للاستيراد.

ويشير المستورد قاسم صديق، الى أن مشاكل الاستيراد “مُعقّدة ومُتشابكة” ولا تنحصر فقط في الاحتجاجات الشعبية، وأوضح أن كثيراً من المستوردين باتوا في وضعٍ لا يحسدون عليه بسبب تغيُّر أسعار الصرف كل يومٍ، بما يجعل تكلفة البضائع والسلع تتغيّر تبعاً لتغيُّر أسعار الصرف، علاوةً على البطء الذي يلازم عمليات التخليص الجمركي والإجراءات بالموانئ، التي قال إنها تتأخر أكثر من اللازم مما يؤدي لإدخال المستوردين في تبعات مالية غير محسوبة ممثلاً في تكلفة الأرضيات ورسوم الموانئ وتضاعف أجرة الترحيل لمستويات فلكية بسبب شح الوقود وعدم توفره أحياناً حتى في السوق الأسود.

وبشكلٍ عامٍ، تتسبّب الاحتجاجات الشعبية في تبعات سلبية على قطاعي التجارة والأعمال، وهو ما حدث في العام الماضي حين اشتداد التظاهرات قبيل تشكيل حكومة الفترة الانتقالية، وفي ذلك الوقت أدت الاحتجاجات إلى تواصُل اضطراب الأسواق في الخرطوم، وشَهدت حركة التجارة ومبيعات السلع تراجعاً ملحوظاً، كما تراجعت القوة الشرائية لأدنى مُستوياتها، فيما أغلق عدد من المحال التجارية، أبوابها خوفاً من تعرُّضها لخسائر، مع تزايُد المخاوف من حدوث نُدرة وشُح في بعض السلع حال استمرار الاحتجاجات أو زيادة حدتها.

وحذّرت الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم من خطورة تجاهل تراجع حجم الواردات وتجاهل الوضع الاقتصادي العام، وقالت لـ(الصيحة)، إن الحكومة مطالبة أكثر من أيِّ وقتٍ مَضَى، بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية تُعالج هذه المشكلة وتشكِّل أرضية لإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتجنب انفلات الأوضاع في حال استمرار الأزمة هكذا دون حلول جذرية. وأضافت بأن البيئة الاقتصادية الحالية لا تُساعد على تحقيق أدنى طُمُوحات المُواطنين، ودعت لأن تشمل الإصلاحات المُقترحة، التركيز على المشروعات الإنتاجية خاصة الزراعة وما يتصل بها من الصناعات التحويلية لضمان سد حاجة البلاد من السلع الرئيسية والاستراتيجية، ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين والتي قالت إنها تتمثل في تعدُّد الرسوم والجبايات، لحد أخرج الكَثيرين من دائرة الإنتاج لصُعوبة العمل في ظل أوضاع غير مُحفِّزة للإنتاج وكثيراً ما يتكبّدون الخسائر.

وبعيداً عن الاحتجاجات وأثرها على السُّوق والحركة التجارية، تشهد البلاد منذ عدة أشهر، أزمة اقتصادية غير منكورة، تمثلت أبرز انعكاساتها في تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار الذي شمل كل السلع دون استنثناء بنسب تتباين بين (50 – 100%)، مع أزمة سيولة سبّبت ركوداً بائناً في النشاط التجاري، مما أدى لإرغام المواطنين على حصر احتياجاتهم في خيارات أقل تشمل السلع الأساسية أولاً.

ويرى مُختصون أن تبعات إغلاق الموانئ والطرق الحيوية سلبية وقد تسهم في تراجع الواردات قياساً بالظروف التي يمر بها الاقتصاد السوداني، والذي يشهد موجة نقصٍ حادٍ في أغلب السلع الاستراتيجية المُستوردة، ولا تبدو معطيات الواقع الاقتصادي مُبشِّرة، حيث فاق العجز في الميزان التجاري (4) مليارات دولار، مع تراجُع الإنتاج المحلي لمُستويات غير مسبوقة، ويتوفر للسودان (55) بالمائة من احتياجاته من المُشتقات النفطية المُختلفة، يقل فيها حجم الجازولين بشكلٍ كبيرٍ، و(30) بالمائة من حاجة الدواء، و(25) بالمائة من القمح المُخصّص لدقيق الخبز، فيما يكلف سد فجوة الدواء المُقدّرة بـ(70%) من الحاجة (600) مليون دولار سنوياً، مقابل ملياري دولار للدقيق، كما تتغيّر أسعار الصرف باستمرار بسبب سياسات حكومية فاشلة تسبّبت في فقد العُملة المحلية (280%) من قيمتها خلال العام الأخير فقط، منها (100%) فقدها الجنيه من قيمته خلال أشهر معدودة هذا العام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى