محمد محمد خير يكتب : سلام جوبا (الرزق تلاقيط)

 

لا تتطابق هذه العبارة معنى ومبنى مع أي حالة سودانية إلا في حالة السلام، فهو من الحالات العصية التحقق بإجماع كامل ومن هنا نفتح شبابيك التفاؤل ومن هنا نجدد إحياء هذه العبارة (الرزق تلاقيط) .

ما يجعلني جزلاً ومراهناً  على هذه  الخطوة أنها ولأول مرة تمت بتوافق أطراف متعددة من قوى الكفاح المسلح، فقد كانت هذه القوى تبدو متفقة على إسقاط الإنقاذ، لكنها لم تكن على وفاق فيما بينها، وأكاد أجزم أن العداء بين أطرافها كان أشد ضراوة من معاداتها للإنقاذ، فعلى سبيل التذكير اتخد اتفاق أبوجا نموذجاً  لعداء حركتي العدل والمساواة وحركة التحرير ودور حركة العدل والمساواة الحركي في إفشال الاتفاق بخوضها معارك عسكرية مباشرة ضد قوات مني في لبدو وبير مزه وحسكنيتة وعلى أطراف جبل مرة وإجبارها لكبار القادة الميدانيين من حركة التحرير لمغادرة الحركة والانضمام للعدل والمساواة مثل المرحوم القائد أركو ضحية الذي انضم للعدل والمساواة وبرز عسكرياً في صفوفها ثم وقع اتفاق الدوحة واغتيل بعد التحاقه باتفاق الدوحة على يد من انضم إليهم!!!

هذه نماذج طفيفة لعمق الخلافات رغم أن الفصيلين ينتميان لقبيلة واحدة لكن الدم لا يكبح الخلاف.

سلام جوبا ذوب الخلاف بين هذين الفصيلين الهامين في دارفور وتحول الدعم السريع من مقاتل ضدهما إلى طرف أصيل في الاتفاق هذا وحده يؤشر إلى حيوية جديدة تحدث لأول مرة منذ العام 2003 فلماذا يتجاهل المحللون هذه العتبة التي في استطاعتها التحكم في اتجاهات المسار الأمني في دارفور بضمها لأهم الفصائل المسلحة? إذا كان باستطاعتنا إنزال الشمس من الأعلى للأرض فتبعاً لهذه الاستحالة سيكون بمقدورنا تحقيق سلام شامل.

السلام الشامل يتطلب موقفًا إقليمياً شاملاً ويتطلب مواقف تتصل بالرؤية الدولية للمنطقة بما ينسجم مع نظرتها الاستراتيجية البعيدة وما يؤمن مصالحها الحيوية وهذا ما لا يتوافر الآن.

الحركات المسلحة في كل العالم لا تعتمد على اشتراكات الأعضاء والهبات والتبرعات مهما كانت سخية هي ناتج سياسات وصراعات بين الدول وما لم تستوف الدول شروط التآخي بينها لن تختفي الحركات المسلحة في كل الكون، لذا فأنا أجدد الاحتفاء بهذه الخطوة وأسميها بخطوة جوبا وليس سلامها فلجوبا دورها الأهم القادم لأن ورقتها الحقيقية الممسكة بها هي ورقة الحلو التي لن تطلقها للرياح إلا إذا هدأت العواصف.

الإقبال نحو السلام يتطلب شجاعة مثل شجاعة الإقدام على الحرب فرغم أن الحرب والسلام يتعارضان جذرياً في المعنى إلا أنهما يتجوهران في الإرادة والإرادة حالة فردية لا تستمد عبر المجموع إلا في لحظات نادرة وتلك هي اللحظة التاريخية التي لا تأتي شروطها دفعة واحدة.

تلك هي الأبجدية في تناول الحرب والسلام.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى