Site icon صحيفة الصيحة

الطاهر ساتي يكتب: مُستشار شُؤون الأفران..!!

 

:: كما ذكرت بزاوية الأمس، فإنّ بعض الأدوية التي تُقدِّمها حكومة الثورة لشعبنا وبلادنا، هي ذات الأدوية التي كان يُقدِّمها النظام المخلوع، فقط تختلف الشركات والعُبوات وعدد الجُرعات ومواقيت تجرُّعها.. وعلى سبيل مثال آخر، أكّد وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني، أنّ المخابز المصرية التي وصلت البلاد أتت في وقتٍ مُناسبٍ لمُواجهة أزمة الخُبز، ولمُواجهة التحديات التي تُواجه المرحلة الانتقالية في السُّودان..!!

:: وكما تعلمون، استقبل مطار الخرطوم يوم الثلاثاء الفائت، طائرات مصرية مُحَمّلة بمخابز آلية، طاقتها الإنتاجية مليون ونصف المليون رغيفة في اليوم.. ومع طاقم السفارة المصرية بالخرطوم، كان الوزير مدني عباس في استقبال هذه الأفران، ورافقه – في استقبال الأفران – الشيخ خضر كبير مستشاري رئيس الوزراء، وأمجد فريد ممثلاً لمكتب رئيس الوزراء.. كُلّهم كانوا في استقبال الأفران..!!

:: وبالمُناسبة، قبل الثورة بعامٍ، زَارَ مُعتمد الخرطوم السابق الفريق ركن أحمد أبو شنب تركيا، وبعد اجتماعات مع الأتراك، عَادَ إلى الخرطوم، ليقول: (الزيارة أثمرت في تفعيل بروتوكولات وتنفيذ مشاريع كبيرة، منها توريد أكبر مخبز، إنتاجيته تفوق المليون رغيفة في اليوم، وهو هدية من إسطنبول لدعم مشاريع الأمن الغذائي بالخرطوم).. هكذا كان طُمُوح مُعتمد عاصمة بلدٍ بالأمس، أي لا يختلف عن طُمُوح وزير تجارة وصناعة البلد اليوم..!!

:: ونحكي لهما حكاية الضابط الذي أخلص في تنفيذ عمليات نقل الفلاشا إلى إسرائيل.. بعد اكتمال العملية، اجتمع كبار الموساد وناقشوا كيفية رَدّ الجميل لهذا الضابط، وناقشوا مَشاريع كبيرة بحيث تكون (الهدية المُناسبة)، ولكن اقترح أحدهم سُؤال الضابط عمّا يُريد ثم تنفيذ طلبه مهما كان غالياً.. وافقوا على الاقتراح، ثم أرسلوا مندوبهم إلى السودان ليشكر الضابط ويسأله عَمّا يُريد، وكان رَدّ الضابط على المندوب: (عايز عجلة رالي، عشان أهديهو لي ولدي النجح في امتحانات الشهادة).. هكذا كان الطموح..!!

:: وعليه، كُلّهم – مدني وأبو شنب والضابط – لم يتجاوز سقف طُمُوحهم في تلك المواقف ما في خاطر أيِّ مُتسوِّلٍ يمد لك يده أمام جامع أو عند تقاطع شوارع.. فالمُتسوِّل دائماً ما يكون محدود الطُموح وضيِّق الخيال وعديم هِمّة، بحيث لا يتجاوز طُموحه بضعة جُنيهات قد لا تشتري (طلب فول).. والمُتسوِّل يختلف عن أُولي العزم والفكر والطموح الذين يأتوك لتكون شريكهم في مشروع، أو ليتعلّموا منك تجربة نجاح – أو قصة كفاح – يُؤسِّسوا بها حياتهم..!!

:: تخيّلوا.. مسؤولاً يزور دولة بحجم تركيا ويطلب منها (فرناً)، وآخر يتواصل مع دولة بحجم مصر ويكون حصاد تواصله (فُرناً أيضاً).. هل هؤلاء لا يُرجى منهم برنامجٌ بحجم الوطن أو مشروعٌ بقامة الثورة وأحلام الثوار..؟ هُم يجهلون بأنّ بلادنا لا تنقصها المخابز، ولكنها بحاجة إلى إنتاج القمح، وبحاجة إلى عقول مسؤولة ومُبدعة في كل مواقع القرار.. فالطاقة الإنتاجية لمخابز الخرطوم تكفي البلاد ودول الجوار، وإن كانت ثمة أزمة في الخبز فمردُّها عدم توفر القمح والدقيق، وليس عدم توفر المخابز..!!

:: ومن المُعيب أن تكون القواسم المُشتركة ما بين حكومة الثورة السودانية ودول العالم هي الأفران والأكشاك والبصات وغيرها من الصغائر، التي يُمكن أن تكون مُعاملات تجارية ما بين التُجار – والسماسرة – هنا وهُناك.. فالحكومات الواعية تنقل وتتبادل التجارب الثرّة ونُظم الحكم والإدارة الحديثة.. وما لم يكن من توصيات المؤتمر الاقتصادي توحيد كل صُفُوف الرغيف بالسودان أمام (أفران مدني)، فمن الغرائب أن يكون كبير مُستشاري رئيس الوزراء في استقبال هذه الأفران..!!

 

Exit mobile version