البعثات الدبلوماسية.. مخاطر الابتزاز والعمالة!

تقرير :نجدة بشارة

بعد انتخابات البيت الأبيض 2016، وفوز الرئيس الحالي دونالد ترامب.. اتهمت جهات روسيا بالتلاعب في السباق الديمقراطي للولايات المتحدة وكان قد برز السفير الروسي لدى واشنطن سيرغي كيزلياك  كلاعب أساسي في التحقيقات التي جرت  حول ارتباطات  ترامب مع روسيا، واتهم السفير كيزلياك بالتجسس.. يومها تهكمت روسيا وردّت بلسان ستيفن هول رئيس قسم العمليات الروسية في وكالة الاستخبارات المركزية من الادعاء وأجاب صراحة عن وجهة نظر روسيا في ما يختص بالفرق في ما بين الدبلوماسي والجاسوس «بالنسبة إليهم، فإن الفرق غير واضح، وأستطيع القول إن كيزلياك في الغالب يشمل الاثنين بكل تأكيد. ففي النظام الروسي يفترض بكل بساطة أن يقوم الدبلوماسي بجمع المعلومات والقيام بكل ما يمكنه فعله إما سراً أو علناً».

هذه الحادثة أثارت سخط العديد من الدبلوماسيين حول العالم  واعتبروا حادثة السفير الروسي  طعناً في خاصرة الدبلوماسية،  ومحاولة رخيصة الصاقهم تهمة العمالة، إضافة للتقليل من هيبتهم، وهم من يشار لهم برسل التبشير، ومرآة  لإبراز وجه بلدانهم المشرق. لكن بالمقابل طمأن متابعون في الدول العربية من أن البعثات الدبلوماسية في البلدان العربية تلتزم بمهامها حسب المواثيق والأعراف الدولية، ولم يحدث أن سجلت حالات تستدعي القلق.. لكن لم تركوا الباب مفتوحاً فيما يتعلق بوقوع بعض الدبلوماسيين بصفة شخصية  في براثن العمالة.. حادثة السفير الروسي لم تنته فقط  من حيث بدأت .. ولكن امتدت  لتسليط الضوء أكثر على  البعثات الدبلوماسية والسفارات.

ما وراء الحدث!

إما إذا ألقينا نظرة للداخل نجد أن السفارات السودانية بالخارج قد التزمت طيلة عقود من الزمان بمهامها المنوطة بها من تأطير العلاقات بين سفارتنا والدولة المضيفة.. كما مثلت السودان خير تمثيل رغم ضيق ذات اليد.. وصمت الحكومة الانتقالية والمعزولة من قبل عن مستحقات موظفي السفارات بعدد من البلدان.

 ولعل  مراقبين رأوا أن استمرار عطاء البعثات الدبلوماسية سيظل رهيناً على الأقل بالتزام الحكومة مادياً تجاه سفاراتها حتى  لا يتركوا  لقمة سائغة في فم الصيادين والمبتزين من الدول المضيفة، لكن كيف إذا علمنا أن عدداً من البعثات الدبلوماسية السودانية في الخارج لم تصرف مستحقاتها ورواتبها منذ عام، وأنّ آخر مرتبات تمّ تحويلها لبعثات السودان الخارجية في أكتوبر 2019. وأوضحت  أنّ الأوضاع في إحدى البعثات مأساوية حيث يعيش بعض أعضاء البعثات على الديون بينما شرعت بعض الدول في تقديم طلب لرفع الحصانة عن بعض الدبلوماسيين تمهيدًا لمحاكتمهم، وذلك لعدم سداد مستحقات الإيجار.

 وأشارت “السوداني” إلى أنّ حوالي”5″ بعثات تعتمد على إيرادات سفاراتها ومواردها الذاتية مثل سفارات القاهرة، الرياض، جدة، دبي، أبو ظبي، حيث تعتبر من السفارات الإيرادية،  وإزاء هذه الأوضاع يتساءل مراقبون عن هل سيصبح بعض موظفي  سفاراتنا  بالخارج عرضة للابتزاز والعمالة والجاسوسية مقابل ما توفره لهم البلدان المضيفة ما فقدوه من بلدانهم.

فخاخ

لم يستبعد المحلل والخبير  الاستراتيجي  د. عبد الرحمن أبوخريس في حديثه لـ(الصيحة) وقوع بعض موظفي السفارات السودانية بالخارج في فخ الابتزاز من قبل الدول المضيفة ويتحول بسهولة إلى عميل لها.. وانتقد الدولة في سياسة إطلاق اليد في فتح السفارات والتمثيل بالخارج والذي يحتاج لقدرات مالية وإدارية مقتدرة .. (لا يمكن افتح سفارة أو أنا كدولة لا أملك الموارد المالية لإيجار السفارة وتوفير الموارد التي تسير عمل السفارة).. وقال: إن عدم توفير المستحقات اللازمة للسفارات ستعرض المصالح الاستراتيجية للدولة المبتعثة للبعثات للاختراقات من قبل مخابرات الدولة المضيفة.

تبعات وتأثيرات

ويرى أبوخريس أن توفير الدولة لسفاراتها مواردها المالية الكافية وتأمين أوضاعهم السكنية والمعيشية يحصنها من التأثير والتأثر وتحميها من الاختراقات ومخاطر الانزلاق في العمالة.. وأشار إلى اضطرار بعض الدبلوماسيين للجوء إلى ممارسة مهنة بجانب تمثيله ليوفر لقمة العيش النظيفة وحتى لا يكون عرضة للابتزاز. وانتقد في ذات الوقت استسهال الدولة لافتتاح السفارات بالخارج لمجرد أن دولة فتحت سفارة في السودان، وأردف وذاك نسبة إلى أن هنالك كثيراً من الدول لا يحتاج السودان إلى فتح سفارة له فيها.. والأفضل أن تجعل الأفضلية للدول التي لديها مصالح معها، أضف لذلك يمكن أن يطلب السودان من حكومات الدول الصديقة أن تلتزم بدفع مرتبات موظفي سفاراتها إلى حين انجلاء الأزمة.

إغلاق متوقع

وتوجد 20 سفارة سودانية معتمدة في الدول العربية، و16 في إفريقيا، و9 في آسيا، و16 في أوروبا، و5 في الأمريكتين الشمالية والجنوبية، إضافة إلى 8 قنصليات، بحسب موقع الخارجية السودانية على الإنترنت.

 ويرى  المحلل الاستراتيجي السفير الطريفي كرمنو في حديثه لـ(الصيحة) أن الحكومة أمام تحدٍّ كبير لجهة أن  هنالك 60 سفارة سودانية بالخارج، وهذا العدد بلا شك سيضاعف من أعباء الدولة المادية في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة.. لكنه يرى أن وجود بعض السفارات ببعض الدول غير مُجدٍ.. لكن في عهد الإنقاذ أنشأتها الحكومة فقط لمتابعة قضية الجنائية الدولية، مثل تايلاند وإيرلندا الشمالية، جزر القمر، أزربيجان   لا يوجد سبب لوجود سفارات للسودان هنالك، وتوقع أن تشهد الفترة القادمة إغلاقاً لعدد من السفارات مثلما حدث في العهد السابق، في حال استمرت الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه الآن، وطالب بإعادة النظر في بعض السفارات، وأردف هنالك نظام يسمى السفير غير المقيم وبرنامج يسمى دبلوماسية الدولة الفقيرة.. كيف تدير الدول الفقيرة علاقاتها الخارجية دون مزيد من الأعباء.. إضافة لبرنامج السفير غير المقيم.

ما هي الحلول؟

ويجيب الطريفي بأن  المعالجات والحلول المتاحة لهذه المشكلة في البعثات الإيرادية الموجودة في سفارات جدة أبوظبي، سلطنة عمان؛ وهنالك برنامج  لعلاج هذه المشكلة  يسمى الأمر (المستديم) حيث تجتمع  لجنة ثلاثية من بنك السودان والسفارة والخارجية .. حيث ترى تجمع الإيرادات من السفارات ذات الإيراد وتوزع على البند الأول والثاني على السفارات من البعثات غير الإيرادية (الدول التي لا توجد فيها. جاليات سودانية) مثل يوغندا وتشاد. هذه المعالجة كانت تساهم في حفظ ماء البعثات بدفع الإيجارات والمستحقات بينما يرى أبوخريس أنه في حال عجزت الدولة عن إيفاء التزاماتها تجاه بعثاتها الدبلوماسية.. يجب أن ترجع هذه البعثات بدلًا من تركها نهباً للابتزاز والعمالة خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية بالداخل.. ويمكن أن تدمج السفارات لتقلل التكلفة والصرف عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى