أسرار غلاء الأسعار وما يفعله الدولار (١)

 

– الدولار دحر الجنيه السوداني وتسلط على واقعنا المعيشي لأننا (….)

– الاغتراب لم يصلح حال الدولة ولكنه غيّر حال المجتمع إلى (…)!!!

ـ شهد الرعيل الأول من السودانيين في حقبة الاستقلال ميلاد الجنيه السوداني الذي ولد عزيزاً مكرماً وقويا وقالوا إنه من قوته كان يفوق العملات الأجنبية الاسترليني والدولار وغيرهما، وإنه كان يساوي ثلاثة دولارات أو يزيد.

ـ بل أن الجنيه السوداني وأركان حربه من (الفكه) بدءاً من التعريفه والقرش والفريني والشلن والريال والطرادة وحتى المليم الفئة الأصغر كانت لكل منهم قيمة شرائية عالية وكل هؤلاء أصبحوا في زماننا هذا في ذمة التاريخ.

ـ والأدهى والأمر أن الجنيه نفسه أصبح اليوم لا يقوى على السير وحده بهوانه فصمموا له فئات 5 جنيهات و10 و20 و50 ثم 100 و200 أن والـ 500 ليشدوا من عضده ويرفع من قدره، ولكن حتى هذه الفئات نفسها بدأت تعاني من الضعف في القوة الشرائية وها هي فئه 5 جنيهات في طريقها لمقبرة أخواتها السابقات.

ـ إن عامه الناس من حقبة الاستقلال وما بعدها لسنين قليلة ما كانوا مبالين كثيرًا بالعملات الأجنبية إلا من كانت لهم علاقات بالخارج لأي سبب من الأسباب وهم قليل.

ـ لذلك كان الجنيه السوداني في الداخل سيد نفسه من أسيادو؟

ـ ولكن متى يا ترى بدأت نقطة الصفر في الهبوط والتقهقر لعزيزنا الجنيه أبو جلابيه وثوب وسيف ومركوب؟

ـ إن المقياس الحقيقي لقوة العملة هو قدرتها على الوفاء بالاحتياجات الضرورية للمواطن والتي تشمل المأكل والمشرب والملبس والمأوى والصحة والتعليم.

ـ كانت كل تلك على ما يرام حينما كان الجنيه السوداني يبسط سلطته وهيبته وقوته وكانت البساطة سيدة الموقف، كانت السودانيوية في لكل شيء هي المهيمنة على واقع الناس.. مطامير العيش في القرى كانت المخزون الاستراتيجي لمعظم سكان الإقاليم.. زراعاتهم من الخضروات والفواكه والموالح تكفي حاجتهم.. بيوتهم البسيطة كانت تهتم بتربية الحيوان والموالح والألبان.. رجالهم ونساؤهم وأطفالهم كانوا قوة منتجة توفر احتياجات الأسرة.. مناسباتهم الاجتماعية كانت بالتكافل.. زواجهم كان ميسوراً.. مساكنهم كانت بسيطة ومن بيئتهم وإمكانياتهم المتاحه وتكلفتها على المجتمع وكما قال الشاعر:

(هنالك حيث تأتلف العذارى وتشتبه المساجد والخيام)

ـ وفي مدن لا يختلف الأمر كثيراً لعامة الناس والغالبية والغالبية العظمى من المواطنين. التعليم كان أغلبه حكومياً ومجانًا والذي ينجح ويتفوق تتكفل الدولة بتعليمه مجاناً، بل وتوفر له الداخليات وتعينه بالمصروفات حتى يكمل الجامعة والذي يتخرج من أي مرحلة من المراحل التعليمية كان يجد وظيفه في الحكومة أو الشركات، والذي يتم نقله من العاملين أو الموظفين للأقاليم كان كأنه مغترب، كان يدخر من مرتبه الكثير مما يغريه في أن يتزوج ويحجج أمه وأبيه ويبني مسكناً ويعلم أبناءه.

ـ كل هذا لأن الجنيه السوداني حينها لم يفقد شخصيته ولا سودانيته.

ـ كانت صادرات السودان من القطن والصمغ العربي والماشية والجلود والسمسم وبعض المنتجات الزراعية تجوب البحار وتسافر عبر الفضاء وتعود بالخير.

ـ ولكن وبالتدرج أطل وجه من فوق السور يستكشف واقع وحال السودان الداخلي، فسال لعابه وانفرجت أساريره وهو يمني نفسه بخيرات هذه البلاد البكر ويفكر في تغيير ملامحها وطمس هويتها، هذا الوجه هو الدولار.

ـ ثم تدريجياً بعد إطلالته من فوق السور تسلل للداخل حتى تمكن وأصبح يصول ويجول واليوم هو الحاكم الفعلي والآمر والناهي.

ـ إنه وبعد حقبة هجرة الكثير من السودانيين لدول الخليج والسعودية ودول أخرى نسبه لضيق الحال بالداخل وضنك الظروف المعيشية إبان حكم الأحزاب والنميري والإنقاذ وعودة الكثير من المغتربين بغية إصلاح حال ذويهم، حدث تحول اجتماعي متباين لم يصلح حال الدولة وإنما غير واقع الذين اغتربوا، وفرض الدولار نفسه بقوة على الداخل حتى أصبحت هنالك صرافات معترف بها.

ـ في الواقع الاجتماعي لبعض الأسر ثلاثة بيوت الجالوص في المدن وبعض القرى وحل محلها بيوت الطوب والاسمنت والسكن الفاخر، ودخلت البلاد آلاف من عربات الملاكي وضاقت بها شوارع المدن القديمة المتهالكة والضيقة خصوصاً العاصمة، وأضاف ذلك عبئاً على الدولة في الوقود وقطع الغيار، الشيء الذي أصبح الطلب مُلحاً للمزيد من الدولار، تم تغيير وتطور واقع داخل البيوت والمساكن في الأثاث الراقي المستورد منها والمحلي والديكورات والزينة والمطابخ الحديثة ومعداتها المستجلبة من الخارج بالعملات الصعبة، وتسارع الانفتاح بالخارج لاستجلاب المعدات الكهربائية والتلفزيونات والشاشات الكبيرة وأجهزه الكمبيوتر والموبايلات وبشتى وأحدث أجيالها وموديلاتها كل ذلك وكما هو معلوم يجعل اقتصاد البلاد مرهوناً للخارج، وتفقد الحكومات سيطرتها على أسواق العملة، وبالتالي لا قدرة لها على تحسين متطلبات المعيشة للمواطن أو تحديد الأسعار (وفاقد الشيء لا يعطيه).

ـ ولكن ماذا إذا تحدثنا عن الكافتيريات والمأكولات والصالات والتعليم والعلاج والدواء، اييييييييك؟؟؟

ـ قال إيه؟ رفع المعاناة عن كاهل الجماهير.. ومحاربة الفقر.. ومكافحته، جشع التجار والتهريب.. توفير السلع الاستهلاكيه من ألاسعار الأساسية للمواطن ومحاربة السمسرة.. ذلك ما قد نتعرض له في العدد القادم إن شاء الله لكشف أسرار هيمنة الدولار وغلاء الأسعار وما هو العلاج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى