Site icon صحيفة الصيحة

ملايين الدولارات تحت ألسنة اللهب .. احتراق المشاريع الزراعية.. ظاهرة تُهدّد الاستثمار

مواطنون: غياب المسئولية الاجتماعية والاشتراطات الصحية أهم الأسباب

معاوية البرير:  من قاموا بالحريق معروفون

 30  شخصاً تجري محاكمتهم  عبر قاضي أمن المجتمع بجبل أولياء

خبراء:  عدد كبير من المستثمرين عادوا لبلادهم بسبب الحرائق

أهالي سندس: تقييم التلف يتم عبر لجان غير مختصة

ظهرت في الآونة الأخيرة عمليات حرق للمشاريع الزراعية من قبل بعض الأهالي نتيجة للغبن الاجتماعي،  وعدم تنفيذ الجهات المنفذة للمشاريع بوعودها لهم الى جانب غياب المسئولية الاجتماعية،  والاشتراطات الصحية وغيرها من الأسباب التي انعكست بصورة سالبة على الاستثمار الزراعي بالبلاد وجعلته تجربة محفوفة بالمخاطر خاصة  من قبل المستثمرين الأجانب ..

“الصيحة” أجرت تحقيقًا في تلك الحرائق من يقف وراءها ولماذا وكم حجم الخسائر ..

 

حرائق الرودس

في حديث سابق لبعض المستثمرين بمشروع سندس الزراعي بالشريط الحدودي لولايات النيل الأبيض والخرطوم والجزيرة أدلوا به لـ (الصيحة) كشفوا  أنهم خسروا مبالغ طائلة  نتيجة للحرائق التي تتم بفعل فاعل، وذكروا أنهم تقدموا بشكاوى عديدة وظلت البلاغات تقيد ضد مجهول وذكروا  أن الحريق الأول كان  في ١٦ فبراير ٢٠١٨ وبلغت الخسائر ١٢٠ طناً من علف الرودس  الجاهز للتصدير وحرق ٤ معسكرات بكامل تجهيزات العمال وتقدر بحوالي ٥٠٠ ألف جنيه سوداني، وإتلاف جرارات وأسمدة وبذور بحوالي ٢ مليون جنيه.

وأوضحوا  أن الحريق الثاني كان في ٢٨ فبراير ٢٠١٨ بحرق حوالي ٨٠ طناً بقيمة تبلغ حوالي ١٠ آلاف دولار إضافة إلى حريق ١٢٠ فداناً من أرض علف الرودس.

وأشاروا  إلى أن  الحريق الثالث كان بتاريخ ١ مارس ٢٠١٨ حيث تم حرق ٧٠ طناً جاهزة للشحن قيمتها لا تقل عن ١٠ آلاف دولار، إضافة إلى أسمدة ومعدات تقدر قيمتها بحوالي ٥٠٠ ألف جنيه سوداني.

وبيّن المستثمرون  أن الحريق الرابع كان بتاريخ ٢٠ مارس ٢٠١٨ حيث تم حرق ١٠٠ طن و٢٠٠ فدان مزروعة تقدر قيمتها بحوالي ٤٠ ألف دولار وتم فتح بلاغ ضد مجهول ولم تتوصل الشرطة الى الجناة حتى تاريخه وتوجد كافة أرقام البلاغات.

وقالوا إن الحريق الخامس كان في تاريخ ٣٠ أبريل ٢٠١٨ لحوالي ٤٠ طناً لعلف جاهز للتصدير وتم  تدوين بلاغ ضد مجهول.

وأن الحريق السادس كان بتاريخ ١٥ يونيو ٢٠١٨ لـ  ٥٠٠ فدان لاثنين من المستثمرين وتقدر قيمة التلف بحوالي ١٠٠ ألف دولار إضافة إلى خروج الأرض عن الزراعة لفترة ٦ أشهر،  وتم فتح بلاغين أيضًا ضد مجهول وتمت الاستعانة بالمباحث الجنائية وتوصلوا  إلى مشتبه به في إحدى القرى المجاورة ولكن تم إطلاق سراحه بتدخلات.

وكشفوا مواصلين حديثهم عن الحرائق  أن الحريق السابع كان بتاريخ ١٦ يونيو ٢٠١٨ حيث تم حرق ١٥٠ فداناً مزروعة وآليات ثقيله وتم  تقييم الأضرار بحوالي ٣ مليون جنيه سوداني، وأيضا تم فتح بلاغ ضد مجهول ولم تستمر الإجراءات لتدخلات عليا.

 وإن الحريق الثامن والأكبر كان بتاريخ ١٣ أبريل ٢٠١٩، حيث تقدر الخسائر بأكثر من ٢٥٠ ألف دولار في حريق ٥٠٠ فدان مزروعة وعلف جاهز للتصدير يقدر بحوالي ٣٠٠ طن وأسمدة وآليات وتم القبض على عدد من المتهمين، وتم فتح بلاغات وتم القبض على متهمين وإيداعهم السجن وبدأت المحاكمة ومازالت الإجراءات مستمرة .

وأضافوا: الحريق التاسع  كان يوم ٥ يونيو الماضي٢٠٢٠ م حيث تم حرق ٢٧٠ فداناً تقدر الإنتاجية الحالية بحوالي ٥٠٠ طن وقيمتها حوالي ٥٥ ألف دولار ولن تدخل المساحة المحروقة مجدداً إلا في شهر نوفمبر من العام الحالي مما يعد خسارة فادحة وسيكون الإيجار مستمراً في ظل عدم الإنتاج وتم فتح بلاغ ضد شخص قام بالتهديد والبلاغ قيد التحري.

وإن الحريق العاشر كان يوم ١٥ يونيو ٢٠٢٠م لحوالي ٩٠ فداناً يقدر إنتاجها بـ١٠٠ طن بتكلفة ١٢ ألف دولار، مبينين  أن  مساحتها لن تدخل  دورة الإنتاج مجددًا إلا في نوفمبر القادم، مما يعد خسارة فادحة للمستثمر  وأشاروا  إلى  فتح بلاغ ضد مجهول والبلاغ قيد التحري.

 

النار في مشروع البرير

هذا وأشعل مواطنون بقرية “قنوفة” بولاية سنار النار في آليات ومعدات ومقر مشروع يتبع لشركة أبو نعامة للإنتاج الغذائي المحدودة  التابع لمعاوية البرير على خلفية قدوم وفد من سلطات الولاية برفقة قوة نظامية لفتح مقر المشروع المغلق بسبب احتجاجات المواطنين على زراعة القطن المحور، وقدرت خسائر الحريق بعشرات الملايين من الدولارات.

وقال رئيس مجلس إدارة الشركة معاوية البرير في تصريح صحفي إن الجناة الذين قاموا بالحريق معروفون وهم ما بين (9) إلى(11) شخصاً، مشيراً إلى حرق الآليات والمعدات والورش ومكاتب الإدارة.

فيما  قال المدير الزراعي عبد الرحمن محمد أحمد في تصريح صحفي، إنه  تم الاعتداء على المشروع من قبل مواطنين وتم إغلاق المشروع وحضرت لجان من الولاية وقامت بأخذ عينات من القطن المحور وأكدت النتائج عدم إضراره بالمواطنين، مشيراً إلى حضور وفد من سلطات الولاية وبرفقته قوة نظامية لفتح المشروع مما حدا بمواطنين لإشعال الحريق في المشروع، وكشف عن تدوين بلاغ بالحادثة بقسم أبو حجار.

 

حريق الجنيد

فيما كشف المزارع بمشروع الجنيد صديق هجانة عن تعرض مساحة (6) آلاف فدان للحريق بسبب العطش.

وأشار هجانة في تصريح صحفي  إلى تهالك البيارة لانتهاء عمرها الافتراضي منذ العام 2012 مما أدى لتعرض (6) آلاف فدان من قصب السكر ومحاصيل أخرى للحريق، مؤكداً حاجة المشروع لأكثر من مليون متر مكعب من المياه، مناشداً الحكومة بتغيير الطلمبات حفاظاً على المحاصيل المذكورة.

خسائر النخيل

وعلمت الصيحة ان خسائر بالملايين تكبدها المزارعون بالشمالية نتيجة  احتراق  حوالي 250 ألف نخلة خلال العشرة أعوام الماضية حسب إحصائيات أعلنت عنها الهيئة النوبية ولجان مقاومة سدي دال وكجبار من أبناء المنطقة، فيما أقرت الحكومة بوقوع 186 حريقاً حتى نهاية العام 2016، فيما بلغت الخسائر المالية حوالي 42 مليون جنيه حسب الهيئة النوبية.

تحقيق

وفي ورقة أصدرها جهاز الأمن بالولاية الشمالية تحت عنوان (ظاهرة حرائق النخيل) ، أقر الجهاز بارتفاع نسبة الحرائق خلال السنوات الأخیرة بـ 375%، مشيرًا إلى أنها بدأت في العام 2007 وبلغت (53) حریقاً لتصل بنهاية 2016 الى 186 حريقاً.

ورغم إقرار الورقة بأن الحوادث أخذت طابع الظاهرة، واعترافها بضعف وبطء استجابة أجهزة الدفاع المدني (المطافئ)، إلا أن الحكومة لم تفتح تحقيقاً واضحًا حول الظاهرة بشكل عام حتى الآن، فيما يطالب العديد من المواطنين بالتعويضات المجزية لتفادي تجربة بناء السد العالي في مصر الذي قاد إلى تهجير معظم سكان منطقة وادي حلفا إلى منطقة حلفا الجديدة بشرق السودان دون تعويضات مجزية أو شروط معيشية معقولة.

 

إرجاع الحقوق

 

كشفت محلية القولد بالولاية الشمالية عن المساحة التي تعرضت للحريق في مشروع حائل بمنطقة القولد بأنها في حدود 20 ألف فدان  و7 محاور ري وعلف، إضافة للتعدي على المسؤول بالمشروع والتعدي على الخفير  وحرق سكنه..

وقالت إن الحريق تم من قبل المواطنين بالمنطقة بسبب عدم استجابة الجهات المسؤولة لمطالبهم.

وكشفت مصادر لـ(الصيحة) عن جملة الخسائر التي تعرض لها مشروع حائل بأنها  60 مليون جنيه، وأشاروا إلى  أن مساحة المشروع تقدر بحوالي 20 ألف فدان في منطقة شبتوت بمحلية القولد وأنه تم حريق كافة المعدات الزراعية ومحاور الري والوابورات والآليات المتحركة .

وقالوا إن الحريق تم من قبل المواطنين احتجاجاً على عدم التزام المستثمر بتعمير المنطقة التي أقيم فيها المشروع حسب قانون الاستثمار بالرقم (2006) الذي صدر في العام 2005م،  وأن  هذا القرار نزع كافة الأراضي الزراعية لصالح سد مروي من ضمنها مشروع حائل.

فيما قال مواطنون بقرية شبتوت لـ (الصيحة) بأنهم يطالبون بإرجاع حقوقهم في مشروع حائل ولا علاقة لهم بالحريق الذي تم وأن ملثمين من قام بالحريق لإحداث فتنة وفوضى بالمنطقة 

 

خارج الإطار

في حديثه للصيحة، قال المتحدث باسم متضرري زراعة الأعلاف بمشروع سندس الزراعي عبد الله التوم، إن ظاهرة إحراق مشروع سندس الزراعي هي تفلتات فردية تأتي نتيجة لعدم توفر الاشتراطات الصحية وانتشار البعوض الناتج عن زراعة الرودس، وقال إن  القبض على المتهمين يتم بصورة عشوائية، والآن هناك 3 متهمين موقوفون لم يتمكن الأهالي من إطلاق سراحهم نسبة للضمان المالي الخرافي بحسب حديثه،  الى جانب أكثر من 30 شخصاً تجري محاكمتهم الآن عبر قاضي أمن المجتمع بجبل أولياء،  ويرى عبد الله التوم أن تقييم التلف يتم عبر لجان غير مختصة من وزارة الزراعة وهي لجان  غير حكومية ومن المفترض أن يتم التقييم من قبل المستثمرين وإدارة مشروع سندس الزراعي،  مضيفاً أن هناك قراراً رئاسياً صادراً من قبل بعدم زيادة المساحات المزروعة بالرودس، إلا أن إدارة المشروع خالفت ذلك القرار وقامت بتجديد عقود الإيجارات الى خمس سنوات قادمة بالرغم من انتهاء فترة إنشاء المشروع بتاريخ 22 فبراير من العام 2022م مما يعد اتفاقاً خارج إطار القانون .

جهل مجتمعي

الخبير في مجال الاستثمار الزراعي المهندس خضر محمد أحمد، أوضح “للصيحة “  أن مشكلة حرائق المشاريع الزراعية ليست بالجديدة تكررت كثيرًا خلال السنوات الماضية،  وأضاف أنها تستهدف مشاريع استراتيجية مثل القطن ومحاصيل صادر مثل الأعلاف والتمر  إلى جانب المحاصيل التي تتعلق بالأمن الاغذائي، مستشهداً بمحصول القمح .

وأضاف: لم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى الممتلكات والآليات الحديثة التي جلبت من الخارج خاصة آليات الري الحديثة والتي يصعب تأهيلها وإدخالها من الخارج، وكشف خضر عن خسائر فادحة تكبدها أصحاب المشاريع الزراعية قدرت بـ 75 ألف دولار للمحور الواحد للأراضي الزراعية بتلك المشاريع والتي بلغت حوالي 100 ألف فدان،  وقال خضر إن مشاريع معاوية البرير لوحدها بلغت خسائرها 25 مليون دولار في الآليات فقط .

تصفية حسابات

ويرى الخبير في المجال الزراعي خضر محمد أحمد، أن لتلك الحرائق أهدافاً أخرى لم يسمها،  وأضاف أن هذه الظاهرة أثرت بشكل سلبي على عملية الاستثمار الزراعي، وكشف عن تصفية لحسابات عدد كبير من المستثمرين والعودة لبلادهم،  وأضاف أن هناك عدم رغبة من الأجانب للولوج في أي نوع من الاستثمار في البلاد لعدم وجود قوانين تحمي تلك الاستثمارات أو التعويض في حالة حدوث أي نوع من الخسائر .

سياسات الدولة

وعدد خضر جملة من الإشكالات والأسباب التي تؤدي إلى تلك الظاهرة أهمها الملكية وقوانينها وتشريعاتها، إلى جانب قوانين الاستثمار والحماية والتي تسببت بنوع من الاستياء وسط المستثمرين لأنها لم تؤخذ بعين الاعتبار ثم  عدم الإلمام بقيمة المشروع والآليات المستخدمة فيه إلى جانب الجهل المجتمعي المحيط بالمشروع الزراعي نتيجة لعدم توعيته من قبل الجهات المسئولة،  إلى جانب عدم اكتمال الاشتراطات الصحية والتي يفترض أن تكون داخل  عقود الاستثمار،  ويرى أن هناك غياباً للمسئولية الاجتماعية والتي أصبحت نظاماً عالمياً ويتم تحديد نسبة معينة داخل العقد لذلك الهدف’ وأضاف أن هناك مشكلة في سياسات الدولة في الاستفادة من المشاريع الزراعية .

حلول جذرية

وأوضع خضر أحمد عدداً من الحلول التي تجنب المشاريع الزراعية أي نوع من الإخفاقات أهمها ان تسجل الأراضي الزراعية بمفوضية الأراضي وقيام المشاريع على أسس علمية صحيحة إلى جانب مراعاة المسئولية الاجتماعية على الأسس السليمة والمتعارف عليها عالمياً بالإضافة إلى المشاركة والشفافية مع المجتمع المحلي وعلى المستثمر الاستفادة من ذلك المجتمع لأنه الوحيد الذي يحمي استثمارة .

 

Exit mobile version