سرقة أمتعة المسافرين.. ظاهرة  تُهدّد الطيران الآمن 

 

 

 

البعض يتجه للتمثيل أنه فقد أمتعة لكن الكاميرات حاضرة

جمركي: العمّال الأجانب يعلمون أن السودانيين يشحنون أمتعة غالية

مدير شركة: الشركات تُخلي مسئوليتها لأن الراكب لم يبلّغها بحمل أمتعة قيمة

مصدر: لم يُدوَّن أي بلاغ من مسافر أجنبي بسرقته 

بدوي: اللجنة الأمنية بالمطار تتابع إجراءات الفصل النهائي للعامل المتورّط في سرقة

إجراءات: الأمتعة تُسلَّم للمهملات وإذا لم يحضر

الراكب تُودَع في الخزينة

تحقيق: منال عبد الله

 

من الجرائم المعقدة التي حرمت الكثير من المسافرين من فرحة الوصول إلى الوطن عبر مطار الخرطوم، هي سرقة الأمتعة، ويأتي التعقيد لأن المسئولية فيها تقع على عاتق العديد من الجهات، وكأنما (تتفرق فيها الدماء) ما بين شركات الطيران التي تتولى عمليات نقل المسافرين من دولة إلى أخرى نظير رسوم معينة وما بين إدارة الجمارك وأمن الصالات بمطار الخرطوم ودائرة الأمن وغيرهم بمن فيهم الراكب نفسه، في الوقت الذي تظل فيه جريمة سرقة الأمتعة عالمية لا تخلو منها حتى المطارات الأمريكية التي يعمد مرتادوها إلى تأبط مفتنياتهم الثمينة في أيديهم، واتجهت (الصيحة) لإجراء تحقيق استقصائي حول المسألة للمرة الثانيةـ لأن الظاهرة أطلت برأسها من جديد بعدما تم استئناف الرحلات الجوية عبر المطار إبان توقفها بسبب جائحة (كورونا)، ورصدت الصحيفة بلاغات دونت في هذا الصدد، وتمكنت الصحيفة من الوصول للجهات المسؤولة عن الملف الذي كشف التحقيق عن تخصيص ملف اسمه (سرقات الأمتعة) من قبل السلطات بمطار الخرطوم مؤخراً، واستقصت عن ملابسات وقوع هذه الجريمة عبر هذا المنفذ الحساس بالبلاد (مطارالخرطوم)، ولتحديد مواضع الخلل والإخفاق والجهات الأساسية التي يجب تصويب أصابع الاتهام إليها.

استهداف السودانيين

أكد العميد عبد الرحمن بدوي عبيد مدير الصالات والتارمك بإدارة جمارك مطار الخرطوم، في إفادات تفصيلية لـ(الصيحة) حول تساؤلات عن ملابسات سرقات أمتعة المسافرين على وجود حالات مثبتة لسرقات تتم بالمطارات خارج السودان، بواسطة عمالة أجنبية بتلك المطارات بتقارير موثقة بذلك، مبيناً أنه في موقعين في منطقة الشحن الداخلي في المطارات الخارجية توجد تحت المطار تتم بها جرائم السرقات، وأيضاً سرقات تتم في الطائرة عند عملية الشحن بواسطة العمال، مشيراً إلى أن هنالك طائرات لا توجد بها كاميرات مراقبة بمكان الشحن وتمت مطالبتها بوضع الكاميرات.

ولفت مدير الصالات والتارمك في هذا الصدد إلى أن العمال الأجانب في المطارات الخارجية لديهم معلومات مؤكدة أن السودانيين يشحنون أمتعة باهظة الثمن في الحقائب الكبيرة كالهواتف الذكية والذهب، لذلك حقائب السودانيين مستهدفة بالسرقة لأنه لا يمكن للعامل فتح حقيبة سوداني ولا يجد فيها ما غلا ثمنه، ونبه إلى أن هنالك أخطاء تحدث من شركات الطيران في الدولة القادم منها الراكب متعلقة بالديباجات، في هذه الحالة يأخذ الأخير حقيبة ليست ملكه، ونبه المدير إلى أن المسافر السوداني يحمل أمتعة في اليد أكثر من الوزن الذي قررته منظمة (إياتا) للطيران للحقائب والذي يتراوح بين(22-23) كيلوجرام و(7) كيلو لحقيبة اليد، لذلك شركات الطيران تستعيد الوزن الزائد في اليد ويتم إلحاقه بالشحن ودائماً الحقائب التي يتم إلحاقها بالشحن مؤخرًا هي المستهدفة بالسرقة من قبل العمالة في المطارات الخارجية، لأن العامل في هذه الحالة يكون متأكداً أن الحقيبة فيها أغراض قيمة.

فصل نهائي

نبه بدوي إلى أن بعض الركاب أثبتت التحريات أن لديهم لديهم أمانات أشخاص، ولكن بسوء نية تصرفوا فيها، والبعض منهم يتجه للتمثيل والدراما بالمطار أنه فقد أمتعة بعينها، ولكن الكاميرات تؤكد أن حقيبته لم يتم فتحها من قبل أي جهة، مؤكداً على أن حالات السرقات التي كانت تحدثت بمطار الخرطوم وعلى ندرتها توقفت تماماً بعدما تبين لجميع الجهات الضالعة في هذه السرقات أن ما يحدث مراقب بالكاميرات، وأصبح العامل إذا وجد أي مفقودات يسلمها للسلطات، بعدما رصدت السلطات بالمطار حافزاً له حتى لا يجنح للسرقة.

واستشهد بدوي بإجراءات صارمة تم اتخاذها حيال عامل استولى على (سويتر) نسيه راكب في صالة الجمارك وتركه في المقعد، وعاد الراكب بعد يومين وسأل منه لأن فيه مستندات مهمة وتم استرداده من العامل التابع لشركة نقل، وتنازل الراكب عن البلاغ ولكن تم فصله من العمل بالمطار لأن أي شخص يدخل في جريمة لها علاقة بالشرف والأمانة أو مخالفة في المطار يفصل ويبعد من المطار بعد أن تفيد الجهة التي ينتسب إليها بالإجراءات الإدارية التي اتخذتها حياله.

وزاد العميد بدوي بأن اللجنة الأمنية بالمطار تتابع إجراءات فصله نهائياً حتى لا يعاود العمل بواسطة شركة طيران أخرى، ويوضع في لائحة الأشخاص الممنوعين من الدخول إلى المطار بعد أن تستلم منه البطاقة، ولم يستبعد أن هنالك شركات طيران توظف عمالاً من معتادي السرقات، مشدداً على ضرورة الفحص الأمني للعمالة بالمطار وفقاً لموجهات اللجنة الأمنية والتي أوصت بأن لا يستمر العامل في العمل بالمطار فترة طويلة، ويتم استبداله في مواقع أخرى، وأرجع ذلك إلى أن النشاط والالتزام دائماً يكون في السنوات الأولى للعمل بموقع معين، ولكن بعد ذلك يحدث تراخٍ، وأضاف: محتاجون للتحديث والدماء الجديدة، لأن المكوث في مكان واحد يؤدي إلى إحداث خلل، وقال: خلال العامين (2017-2018) منذ بداية عملي في هذا الموقع بدأت في سد مثل هذه الثغرات، مشيراً إلى وجود ملف اسمه سرقات المطار تتعامل معه إدارته، وتم تحليل ظاهرة السرقات ومن ثم جرت المعالجات، وأضاف أن اللجنة الأمنية بالمطار في اتجاه لتوحيد الجهود ليكون الإجراء الخاص بالأمتعة التي توجد في داخل أو خارج الصالات في مكان واحد.

وناشد الراكب السوداني بحمل أوزان مناسبة على أن يكون لديه ميزان في المنزل لأنه في حالة الوزن الثقيل وتفريغه أمام العمال (الراكب بيتباع)  بمعنى أنه يكون مستهدفاً بالسرقة، واختتم حديثه بـ(ما ضاع حق وراءه مطالب) في إشارة إلى الاهتمام بحقوق المسافرين وحمايتها وتمسك الراكب بحقه.

الشركات تتبرأ

تُخلي شركات الطيران ساحتها من تحمل مسئوليتها عندما يتعرض مسافر لسرقة أمتعة غالية الثمن وتتنصل من المسئولية، وأكد مدير شركة طيران ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ على أن إخلاء الشركات للمسئولية بسبب أن الراكب لم يبلغها بأنه يحمل أمتعة قيمة، وكذلك المستندات الهامة، ولأن ذلك يكون دائماً مدوناً في التذكرة التي تحصل عليها المسافر قبل انطلاقة  الرحلة  إلى الدولة المعينة، وقال  لـ(الصيحة)، إن التذاكر الورقة والرقمية لمعظم الشركات العاملة بالعالم  في مجال الطيران توضح حدود مسئولياتها، والخطوات التي يجب أن يتخذها الراكب في تأمين الأمتعة الخاصة به.

وشكت جهات مسئولة بالطيران المدني تحصلت منها الصحيفة على معلومات ــ فضلت عدم الإشارة إليها ــ من ثقافة المسافرين السودانيين المحدودة حول الحقوق التي وفرها لهم قانون الطيران وكذلك ما تحتويه تذاكر السفر التي يتحصلون عليها من الشركة الناقلة، إذ أن معظم المسافرين لا يطالعون الشروط الممهورة داخل التذكرة التي استخرجت لهم قاصدين بها دولة معينة، وذلك بخلاف المسافرين في بقية دول العالم، وذلك بحسب إفادات الجهات المسئولة.

وقطع المصدر بعدم تدوين بلاغ من قبل أي مسافر أجنبي قادم إلى البلاد بسرقة أمتعته، مؤكداً على أن جميع البلاغات من السودانيين، وعزا ذلك إلى عدم إلمام السودانيين بإجراءات السلامة وضحالة ثقافة معظمهم بحقوق وواجبات المسافرين عبر المطارات.

كشف أخير

كشف التحقيق الذي أجرته (الصيحة) عن أهم الأسباب التي تؤدي إلى فقدان وسرقة أمتعة المسافرين السودانيين والثغرات التي يفتحها عدم توخي موظفي شركات الطيران الدقة اللازمة حيال الحقائب، وكذلك الراكب الذي يتوجب عليه إبلاغ الشركة الناقلة في حال أن لديه متاعاً ناقصاً قبل أن يفتح بلاغاً بأقسام الشرطة أو في صفحته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن من الإجراءات المطلوبة من الشركات تشكيل لجنة حال أن الراكب استلم وزن الحقيبة ناقصاً، وتتحمل الشركة في هذه الحالة الضرر إذا لم يغادر الأخير المطار.

وأكد التحقيق على أن الثغرة الأساسية للسرقات التي تتم لأمتعة السودانيين بالمطارات الخارجية لعدم تغليف حقائبهم بالبلاستك، لأن الإغلاق بالطبلة لا يمنع السرقات لأن التغليف يعوق السرقة، لكون أن العامل بإي مطار إذا أزال التغليف يتسبب في مشكلة للشركة التي يعمل بها وتصبح الجريمة واضحة، ولفت إلى أن الأجانب القادمين إلى السودان يغلفون أمتعتهم بتغليف ثابت، ويعتبر تغليف الأمتعة من أهم توصيات اللجنة الأمنية بمطار الخرطوم.

ونوه التحقيق الاستقصائي إلى أنه في بعض المطارات أصبح ممنوعًا وضع الأقفال على الحقائب لأن ذلك يثير قلق موظفي التفتيش، وحذر من اقتناء حقيبة ثمينة، ولكن اجعلها مميزة، والابتعاد عن الحقائب السوداء والزرقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى