Site icon صحيفة الصيحة

اعتذار المسؤولين.. هل يُضمّد الجراح؟

 

 

تقرير: صلاح مختار

فتحت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي د. هبة محمود علي، التي قدمت اعتذاراً شخصيا للقوات المسلحة عن تأخير صرف مرتبات أغسطس، فتحت بابًا واسعاً لثقافة سياسية لم تكن معهودة خلال العهود السابقة، ربما جاءت ثورة التغيير على المفاهيم القديمة التي تنكر تلك الثقافة تقديمها للناس، ولذلك لم تقتصر تقديم كلمات الاعتذار على وزيرة المالية، فقد دمغ رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك خلال خطابه بمناسبة مرور عام على ثورة سبتمبر بالاعتذار من عدم تحقيق كل الأماني التي كان يحلم بها الشعب الذي ألهمت ثورته العالم, وسرت تلك الثقافة بين وزراء أول حكومة للثورة حيث سبق أن تواضع بالاعتذار كل من وزير الصحة السابق د. أكرم عندما تراجع عن تصريحاته الأولى بشأن أحد المصابين بكورونا، وتبع ذلك اعتذار وزير الصناعة مدني عباس مدني عن فشله في تحقيق وعده بتوفير الدقيق خلال (6) أيام.

وإذا قلنا إن الإقرار أمام الشعب بالفشل جزء من الاعتذار العنيف للنفس عندما لم تستطع تحقيق ما يرجوه الآخرون، فإن إقرار نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق محمد حمدان دقلو بفشلهم في تحقيق تطلعات الجماهير وذلك أمام وسائل الإعلام هو جزء من الاعتذار أقل ما يمكن تقديمه للشعب.

كلمات الاعتذار

ولأن الاعتذار من شيم الكبار يعتبر ثقافة راقية يعتقد البعض أنها إهانة للنفس، لكن الكاتب الانجليزي شكسبير قال من قبل (إن الثقة بالنفس من خلال كونك دوماً على حق بل من خلال كونك لا تخاف ربما تكون على خطأ). ومثلما أن كلمة الاعتذار ثقيلة على النفس، فالإساءت ثقيلة على نفوس الآخرين, ولا يعني اعتذار المرء أنه على خطأ ولكن يعني أنك تقدر علاقتك بالآخر أكثر من انتصارك لذاتك. بالتالي لا تتأخر في تقديم الاعتذار لمن أخطأت بحقهم، فربما لا يكونون موجودين عندما تريد ذلك. ويقال الاعتذار عن الخطأ لا يجرح كرامتك بل يجعلك كبيرًا بعين من أخطأت بحقه. والاعتذار ثقافة متقدمة في المجتمعات المتقدمة.

في كوريا الجنوبية قدم وزير الداخلية اعتذاره بسبب فقدان أرواح من الطلاب بعد غرق مركبهم في البحر، وحمل نفسه مسؤوليته الشخصية والأخلاقية في فقدان تلك الأرواح، وقام بتقديم اعتذاره واستقالته من موقعه. وكثير من الزعماء والمشاهير من يلجأ الى الاعتذار من أجل إصلاح العلاقة بينه والشعب مما يكسبه بعدًا جماهيريًا آخر.

دليل قوة

لأن الأمر غير معهود وغير موجود، فإن المحلل السياسي والكاتب الصحفي د. أبوبكر آدم يقول إن ثقافة الاعتذار توجه مقبول من السياسيين تعكس مدى الوعي الذي يتمتع به المسؤول، وأضاف لـ(الصيحة): ما كان المسؤول لديه تلك الثقافة وإن كان على خطأ ولذلك وجود ثقافة الاعتذار في هذه المرحلة فرضته ظروف كثيرة جداً، واحدة منها هي إقرار المسؤول بفشله في تقديم ما هو مطلوب منه، مثلما تقدم وزير الصناعة باعتذار للشعب بسبب الدقيق، وبالتالي ليس لديه أي خيار سوى تقديم الاعتذار، أما الاعتذار الآخر والحقيقي والمقبول هو المشاهد في الدول الغربية عندما يكون الاعتذار من موقف قوة في هذه الحالةن نعتقد أن الاعتذار خطوة يمكن أن تحسب للجميع، ولذلك الاعتذارات في الحكومة الانتقالية تحسب لجميع الوزراء في انتهاج نفس المنهج الحضاري في تجاوز العقبات ويتماشى مع التوجه العام للحياة.

ويرى آدم أن الاعتذار في عمومه هو دليل قوة وليس دليل ضعف، وكذلك هو دليل لقوة شخصية المسؤول الذي يقدم الاعتذار على الملأ وحتى إن كان على خطأ، ويضيف أن الاعتذار  يعني إعادة تصحيح الخطأ ودائماً يقدم عندما يكون الفشل في مشروع معين أو اتخاذ قرار خاطئ يتطلب تقديم الاعتذار وهنالك من يرفض الاعتذار، إما هروبًا وإما مكابرة أو من منطلق ضعف أو خوف.

فكرة الاستعلاء

كتب القيادي بقوى الحرية التغيير بابكر فيصل مقالاً منشوراً في وقت سابق عن امتناع قيادات (الإنقاذ) بمُختلف مواقعهم الحزبية الحالية من الاعتذار عن الأخطاء الكثيرة التي ارتكبوها في حق الوطن, وفي مقدمتها خطأ القيام بالانقلاب العسكري على الحكومة الديموقراطية التي كانوا جزءاً منها في يونيو 1989 . وقال إنَّ صعوبة تقبُّل فكرة الاعتذار تتمثل في تعارضها مع فكرة (الحق الشخصي), وهي تزداد صعوبة مع الأفراد أصحاب الشخصيات المتضخمة, والشخص الذي يرفض الاعتذار هو في الواقع ضحيَّة ثقافة معلولة, ثقافة قائمة على اليقينيات والجزم والرأي الواحد والاتجاه الواحد. وأضاف: تتضاعفُ صعوبة تقديم الاعتذار لدى أصحاب تيار (الإسلام السياسي) كون أنَّ المنهج الذي ينشأون عليه يقوم على فكرة (الاستعلاء) على الآخر, أياً كان هذا الآخر, فرداً أو جماعة أو ملة أخرى أو شعباً. غير أنَّ خبراً ورد في صحيفة (الجريدة) لفت نظره تصريحٍ فريد في نوعه منسوب لرئيس المجلس الأعلى للبيئة والتنمية الحضرية السابق اللواء (م) عمر نمر قال فيه إنَّ (المواطن فقد الثقة في الحكومة ليس في مجال النظافة فقط وإنما في مجالات كثيرة, وإنَّ إعادة الثقة لن تتم الا بالنزول للمواطنين وتحقيق الشراكة الحقيقية بينهم والحكومة), وأضاف قائلاً (نعتذر للمواطنين المتضررين من وجود النفايات).

 

Exit mobile version