مشروع (سلعتي).. دعم ملموس أم “تمادي” في إدمان الفشل

 

وزارة المالية: وفرنا التمويل اللازم  

د. لؤي عبد المنعم: من أين يتم التمويل والدولة عاجزة عن سداد المرتبات

الشركة المنفذة للمشروع: قمنا بكل الخطوات الصحيحة للشراء والتعاقد

اقتصادي: الشعب يريد معرفة التفاصيل عن الشركة المنفذة للمشروع  

 د. محمد الناير: هناك عوامل إذا لم تتوفر لن يكتب له النجاح

تحقيق: عديلة إبراهيم  

أطلقت وزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي مشروع (سلعتي) في شهر مارس الماضي ثم أعلنت انطلاقته في الثامن من سبتمبر (اليوم) لتخفيف أعباء المعيشة التي  أثقلت كاهل المواطنين و”بصورة شرسة عقب الإطاحة بنظام المخلوع البشير”، وتناولت العديد من وسائط التواصل هذا المشروع بنوع من التفاؤل وأنه المنقذ في ظل تمادي التجار في جشعهم.. ولكن هل سيحل هذا المشروع معضلة (قفة الملاح) على الأقل وما هي الآلية التي سيتم عبرها توصيل السلع المستهدفة لجميع ربوع الوطن وهل هنالك فرق بينه وبين أسواق البيع المخفض التي بدت ناجحة وسرعان ما أصيبت بعدوى الطمع، وكيف يمكن مراقبة المشروع ليصل للمواطن المغلوب على أمره ولا يذهب إلى أيدي التجار.

(الصيحة) تناولت (مشروع سلعتي) في تحقيق كشف كثيراً من التحذيرات التي يجب أن توضع في الحسبان لضمان ديمومة ونجاح المشروع..

 

الجمعيات التعاونية:

قالت وزارة المالية إن مشروع (سلعتي) سينفذ بإشراف وزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وأن  الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية هي المعنية بتنفيذه على أرض الواقع وذكرت في بيان لها أن سلعتي توفر السلع عن طريق التعاقد المباشر مع المنتجين ويستهدف تخفيض أسعار السلع بنسبة تتراوح بين (20 -40%) من قيمة السوق لكبح جماح غلو الأسعار.

وقال بيانها: ينطلق المشروع في خطوته الأولى بتوفير السلع الاستهلاكية للجمعيات التعاونية في جميع أنحاء السودان وتشمل السلع الآتية: (سكر، زيت طعام، دقيق قمح، دقيق ذرة، صلصة، عدس، أرز، صابون والشاي).. على أن يتم زيادة هذه السلع إلى أن تصل الثمانية عشرة سلعة المقترحة والمعتمدة في دراسة المشروع. ويستهدف البرنامج على المدى الطويل حوالى 65% من المواطنين أي حوالى) 27 مليون مواطن.)

 

أزمة مستمرة:

واستبعد عمار سيد أحمد شليعة (خبير اقتصادي) نجاح المشروع، وقال إنه لن يختلف عن أسواق البيع المخفض التي أقامها النظام المخلوع في سنواته الأخيرة؛ لأنه يقوم على ذات الفكرة وذكر أن التعامل مباشرة مع المنتجين لن يقلّل الأسعار بالنسبة التي ذكرها المعنيون، إلا إذا دعمت الحكومة رسوم النقل والشحن، مبيناً أن أسعار “سلعتي” ستكون قريبة من أسعار الجملة وطالب شليعة في حديثه لـ(الصيحة) بضرورة وضع مراقبين في الأسواق لمراقبة عمليات البيع منعاً للانفلات، فيما ذكر مسؤول رفض ذكر اسمه أن المشروع لا يمكن أن يقدم للمواطن أية خدمة ملموسة؛ لأنه من المفروض أن يصب هذا البرنامج في إطار جهود الحكومة لخفض الغلاء على المواطن، وذلك بتقديم أقل سعر، وتطبيق معايير الجودة ولكن من أين سيتم جلب هذه السلع من المصانع السودانية أم من الخارج، مضيفاً: في حالة توفيرها من داخل السودان فإنه لن يختلف عن أسواق البيع المخفض وستظل المشكلة قائمة؛ لأن الفرق سيكون قليلاً أو ينعدم، مستنكراً ذلك بقوله: سلعتي حبر على ورق ومجرد إعلام سياسي فقط، مضيفاً: “هذا المشروع من وجهة نظري غير ناجح لأن الأسعار مرتفعة ارتفاعاً جنونياً” ولا يكمن أن يصل بسعر المصنع للمواطن دون أرباح، وهذا المشروع حسب علمي استثماري ربحي وفي حالة وضع الأرباح على سعر المصنع يكون مماثلاً للسوق من حيث الغلاء ومن ثم ستستمر الأزمة، مشيراً إلى أن كل المواطنين ليس لديهم معرفة بنظام الحوكمة الإلكترونية ولن يستفيدوا منه.

 

أين الحوكمة الإلكترونية:

وزارة التجارة والصناعة بدورها ذكرت أنها عملت على إدخال نظام الحوكمة الإلكترونية بالتعاون مع المركز القومي للمعلومات والسجل المدني لتنفيذ مشروع سلعتي قبل أن تعود وتعلن عن تنفيذه عبر الجمعيات التعاونية.

غول الأسعار:

من جانبه قال عثمان “صاحب إحدى التعاونيات بأم درمان” لـ (الصيحة ): إن التعاونيات أصبحت غير قادرة على توفير السلع بأسعار أقل من سعر السوق الجاري لعدم ثبات واستقرار الأسعار،  مضيفاً: الآن يومياً تزيد أسعار السلع أضعاف مضاعفة، وقال: غالباً  المواطن هو مَن يدفع ثمن هذا الارتفاع؛ لأن التاجر عندما يشتري البضاعة لا بد أن يضع أرباحاً وإلا سيعلن إفلاسه، وبالنسبة للتعاونيات في السابق كان يتم دعمها من قِبل المحليات بالسكر، وأما الآن فانعدم الدعم، وختم حديثه قائلاً: نحن أصبحنا نبيع كتجار فقط ولكن بأسعار مخفضة نوعاً ما.

 

عوامل مهمة:

يرى الدكتور والخبير الاقتصادي محمد الناير أن مشروع سلعتي من حيت الفكرة لا غبار عليه، ولكن هناك عوامل أساسية ومهمة إذا لم تتوفر لن يكتب له النجاح وهي كما فصلها:-

أولاً: الانتشار الجغرافي لتوزيع السلع، حيث يجد المواطن السلع بالقرب منه ويتم توفيرها لكل الولايات؛ لأن المشروع يجب أن يعمم على كل ربوع البلاد لكي تعم الفائدة على الوجه الأمثل.

ثانياً: أن يكون أقل من سعر السوق بـ 30% حتى يكون مشروعاً جاذباً، ومن ثم يكون خفف من الأعباء المعيشية التي تقع على عاتق المواطن.

ثالثاً: يجب أن تكون السلع الموفرة تلبي احتياجات المواطن في الحياة اليومية بصورة عامة.

رابعاً: الاستمرارية في هذه العوامل تحتاج لرأس مال ضخم وشبكة توزيع والنقل ومراكز ثابتة.

وقال: إذا لم يتم ترتيب المشروع بهذا الشكل وبشفافية تامة يكون من الصعب أن يحقق نجاحاً.

 

 إنهاء الاحتكار:

 

بدورها قالت وزارة المالية إنها في إطار مهامها والشراكة بينها وبين وزارة الصناعة والتجارة قامت بتوفير التمويل اللازم لتدشين البرنامج في كافة ولايات السودان في مرحلته الأولى، حيث تم التنسيق عبر ديوان الحكم الاتحادي مع جميع الولايات لتفعيل إدارة التعاون لضبط عملية التسجيل وفق القانون والقواعد عبر المسجل التعاوني الولائي ومفوض الولاية لبرنامج سلعتي في الولايات وكذلك العمل على المساهمة في تحمل تكلفة ترحيل السلع من ميزانية الولاية كمساهمة منها في مشروع رفع أعباء المعيشة.

 

خطوات التعاقد:

فيما أبانت الشركة السودانية التزامها بخطوات التعاقد والشراء وفق ضوابط وزارة المالية بكافة خطواتها بدءاً من طرح العطاء في الصحف المحلية وبمشاركة كافة المصانع والشركات الوطنية ثم   فض المظاريف وتحديد الجهات التي تم اختيارها، كما تم أيضاً تحويل كامل العقود لإدارة توثيق العقود في وزارة العدل لإكمال كافة الإجراءات القانونية وذلك لبدء أول الخطوات الفعلية في تنفيذ أول مشروع للشركة (سلعتي الجمعيات التعاونية) ثم تأتي تباعاً بقية المشروعات حسب الخطة الموضوعة وتشمل مشاريع (سلعتي مراكز البيع، سلعتي هايبر ماركت وسلعتي المخابز).

 

 تصريحات متناقضة:

صدرت تصريحات متناقضة من قِبل المسؤولين فيما يتعلق ببرنامج سلعتي ففي تصريح لوكالة الأنباء (سونا) ذكر الأستاذ مجاهد علي الحسن مدير برنامج سلعتي بوزارة الصناعة والتجارة أن البرنامج هو تضافر جهود وطنية من القطاعين الحكومي والخاص، مشيراً إلى أن البرنامج قائم على الحوكمة الإلكترونية، وعدد السلع التي يتم توفيرها 11 سلعة.

وفي بيان صحفي لوزارة المالية ورد أن المشروع سوف تكون خطوته الأولى بتوفير السلع الاستهلاكية للجمعيات التعاونية في جمع أنحاء السودان، ولمعرفة أسباب هذا التناقض تواصلت مع مكتب الإعلام بوزارة الاقتصاد والتجارة الأستاذة وهج حيث أوصلتني  بالأستاذ مجاهد علي الحسن لكنه رفض الإدلاء بأية معلومة، وعلّل بالقول: لا يمكن أن نطل على الصحف أو أية جهة إلا بواسطة توجيه من اللجنة الإعلامية ووعد بالتوضيح لاحقاً.

أموال النظام البائد:   

من جانبه كان وزير المالية المقال إبراهيم بدوي قد قال في تصريح صحفي أن الأموال المستردة من رموز النظام البائد سيتم تخصيصها لتمويل سلعتي على المدى الزمني القصير، وأشار الوزير إلى زعمهم توظيف الأموال المستردة في مشاريع إنتاجية في المدى الزمني الطويل.

استمرار:

من جانب آخر ذكر الخبير الاقتصادي الناير أن المشروع ضخم ويحتاج من الدولة استمرارية بجانب تدريب وتأهيل؛ لأن توكيل مثل هذه المهام لجهات غير ذات الاختصاص ودون تدريب يؤدي لفشل المشروع، وطالب بتوفير الآلاف من مراكز التوزيع بالعاصمة وعشرات الآلاف بالولايات وذلك لكي لا نقع في نفس مشكلات العهد البائد حيث كانت مراكز البيع تبعد عن المواطن بمسافات بعيدة ويستهلك المواطن أضعاف المبالغ في المواصلات وبعد المراكز يجعلها غير جاذبة؛ لأن السعر المخفض يذهب “للمواصلات” لذا يجب مراعاة الانتشار الجغرافي في كل بقاع الوطن.

 

نقد شديد:

انتقدت المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (شبكة صيحة) اعتماد السلطات السودانية على السجل المدني المعد إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير لتنفيذ برنامج سلعتي وأشارت الشبكة إلى أن توفير الدعم عبر سجلات البيانات الموجودة في السجل المدني هذا يمنع استفادة كل المواطنين نسبة لوجود شريحة من المواطنين غير مسجلة في السجل، وقالت في بيان لها إن نحو 75% من السودانين يقيمون في المدن الصغيرة وأطراف المدن والقرى ولم يكن من أولويات موظفي السجل المدني الوصول إلى هذه المناطق   ومن ثم كثير من المواطنين لن يكون بمقدورهم الحصول على السلع المخفضة نظراً لعمل أغلبهم في مهن هامشية.

واعتبرت الشبكة البرنامج بمثابة محاولة متواضعة لإعادة إنتاج الأزمات الجديدة، مشيرة إلى أنه عمل مشين تجاهل الحكومة   لتضحيات الفقراء والنساء.

فقاعات إعلامية:

أكد الدكتور والخبير الاقتصادي لؤي عبد المنعم دعمه لأي برنامج أو مشروع حكومي يدعم تخفيض الأسعار وتوفيرها للمواطنين بأسعار معقولة، وأشار إلى ملاحظات متعلقة بطبيعة الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية وشكلها القانوني وتساءل قائلاً: هل هي شركة مساهمة عامة أم شركة مساهمة محدودة أم شركة ذات مسؤولية محدودة وأعرب في حديثه لـ(الصيحة) عن عدم معرفته بالشكل القانوني لهذه الشركة، مضيفاً: إذا كانت شركة مساهمة عامة لماذا لم تطرح للاكتتاب لنشارك فيها وإذا كانت شركة ذات مساهمة محدودة يجب أن نعرف من هم المساهمين فيها من القطاع الخاص أو العام وإذا كانت هي شركة ذات مسؤولية محدودة نعرف من هم أصحابها، وطالب بالحديث بشفافية فيما يخص ويتعلق بالشكل القانوني للشركة، وعلق قائلاً: (من حقهم أن يعرفوا من هم الملاك من هم أصحابها ليكن لديهم علم كيف ومن أين أتوا وخاصة أنهم سوف يبيعون سلع بكميات ضخمة ومستهدفين 27 مليون مواطن وهذا عدد كبير فلا بد من معرفة مَن هو المالك هل هو الحكومة أم مواطنين أم قطاع مشترك بين العام والخاص ولماذا لم تطرح للمواطنين ليشاركوا فيها).

وأوضح لؤي فيما يتعلق بالتمويل للشركة نجد الحكومة تكفلت بتمويل شراء السلع وتوصيلها على حساب المحليات إلى الولايات فلا بد من توضيح من أين يأتي التمويل لشراء السلع وتوزيعها للولايات، مبيناً أن الحكومة لم تفصح عن مصدر التمويل، وهل هو تمويل عن طريق البنوك والحكومة تدخل كضامن أم يكون التمويل من ميزانية الدولة وتساءل كيف يمكن للشركة السداد وهل هو قرض حسن أم به هامش ربح.

مشيراً إلى أن مراحل التنفيذ للمشروع تحتاج لمبالغ ضخمة أسطول لنقل السلع، وقال إن الذين يقومون بالبيع لا يعملون مجاناً، مضيفاً:  نخشى أن يكون هذا البرنامج إعلامياً أكبر من الشيء الموجود في الواقع، خاصة أن الدولة لديها عجز مادي وغير قادرة على سداد المرتبات وتحاول تقترض من البنك المركزي والبنك رافض يعطي ودائع.

وبيَّن لـ(الصيحة) أن هنالك غموضاً واضحاً في ماهية الشركة وكيفية سداد هذا التمويل وكيف وفرت الدولة اعتمادات مالية لهذه الشركة وهل تم ذلك عن طريق البنوك أو من مالية الدولة وما هي آلية السداد واسترجاع الأموال.

وختم حديثه بقوله: أتمنى أن يتم التنفيذ على الوجه الأكمل حتى يحقق المشروع هدفه ويستفيد المواطن منه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى