Site icon صحيفة الصيحة

 مفاوضات جوبا مخرجاتها سلام بارد قابل للانفجار!!

بقلم

 

فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد يكتب :

 

حققت هذه المفاوضات عند انطلاقتها الأولى بين العسكريين اختراقاً كبيراً في وقت وجيز حتى أصبح السلام قاب قوسين أو أدنى. لم يعجب هذا النجاح قوى الحرية والتغيير لانعدام ثقتها في العسكريين . تدخل قوى الحرية والتغيير في المفاوضات قاد لعرقلتها وتعثرها لأنه  ليس لديها مصلحة في تحقيق السلام الذي سيفقدها سلطاتها الواسعة والمطلقة التي تحققت لها في غفلة من الزمن حيث أنه لا توجد سيادة لسلطة مدنية غير منتخبة. قوى الحرية والتغيير تدرك جيداً أن الانتخابات سوف لا تقودها لكراسي السلطة لأنها لا تملك قواعد جماهيرية، ولهذا تجاهلتها طيلة هذه الفترة بالرغم من أنها من مهامها الرئيسة. قوى الحرية والتغيير أصبحت تسير المواكب مع كل صباح جديد للضغط على الحكومة لتنفيذ ما تضمنته الوثيقة الدستورية التي تم خرقها قبل أن يجف مدادها. السلطة التشريعية الحالية انتهى دورها في 17/11/2019م حسب ما جاء بنصوص  الوثيقة الدستورية، فكيف يجوز لها أن تجيزها وهذا عيب واضح يبطل هذه الوثيقة وما بني على باطل فهو باطل!! الفترة الانتقالية أصبحت اليوم لا يحكمها قانون أو دستور وتسير بقرارات فوقية لا مرجعية دستورية أو قانونية لها وما يجري حالياً عبارة عن (خرمجة) وربكة كبيرة نتج عنها حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية أفقدت السلطة هيبتها.

الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية تحكم بحكومتها وليس بقيادتها التنسيقية المركزية العليا ويذكرنا هذا بالأسلوب الذي كان يمارسه المؤتمر الوطني المحلول الذي كان يحكم بأمانته وليس حكومته خلال العشرية الأولى مما قاد للمفاصلة المشهورة، والآن يتكرر نفس السيناريو الذي تعكسه خلافات قوى الحرية والتغيير التي أضعفتها وأضعفت حكومتها.

قوى الحرية والتغيير أصبحت اليوم تقوم بدور الحكومة والمعارضة في وقت واحد كما كان يحدث خلال الفترة الانتقالية التي جاءت بها اتفاقية نيفاشا الكارثة التي لم تحقق السلام ولم تحافظ على الوحدة. الوضع الحالي الشاذ لحكومة الفترة الانتقالية لا يمكن أن تقبل به أي حكومة وطنية تثق في قدراتها وإمكانياتها اللهم إلا إذا كانت هذه الحكومة لا تملك إرادة سياسية قوية!! الوضع الحالي كاذب من يصفه بأنه عبارة عن شراكة بين المدنيين والعسكريين وهو في حقيقته عبارة عن تسوية سياسية فرضتها ظروف قاهرة عكسها الفراغ الدستوري والتنفيذي الذي ظلت تعيشه البلاد لأكثر من ثلاثة شهور. البلاد اليوم تعيش نفس تلك الظروف لأن الوثيقة الدستورية تجاوزها الزمن لعيوبها الواضحة وخروقاتها المتكررة التي أفقدتها الثقة كمرجعية دستورية يمكن أن تكون محل ثقة لكل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتنظيم علاقات الدولة . بالرجوع لموضوع السلام فإن اتفاقاته توقعها الحكومات وليس الأحزاب السياسية الحاكمة لأن الحكومة تملك سلطة التنفيذ بينما الاتفاقات التي تعقدها الأحزاب فإنها لا تخرج عن دائرة الاتفاق السياسي غير القابل للتنفيذ وخير شاهد على ذلك كل الاتفاقيات السابقة التي وقعتها المعارضة مع حركات التمرد، حيث أنها لم تجد حظها في التنفيذ . الضغوط التي تمارسها قوى الحرية والتغيير على حكومة حمدوك مكانها الغرف المغلقة وليس وسائل الإعلام والقنوات الفضائية . الغزل السياسي الذي تمارسه قوى الحرية والتغيير مع حركات التمرد بوصفها بقوى (الكفاح المسلح) غير مُجدٍ، فإذا كان هذا الوصف حقيقياً وصادقاً فلماذا لم تنضم حركات التمرد لها بعد القضاء على عدوها المشترك ؟!! متى تدرك قوى الحرية والتغيير أن حركات التمرد تخدم أجندة خارجية فالجيش الشعبي قطاع الشمال الذي يقوده الحلو يحارب بالوكالة لصالح حكومة الجنوب وبقية الحركات الأخرى تمارس الارتزاق بدول الجوار !! متى تدرك قوى الحرية والتغيير أن الفرقتين التاسعة والعاشرة من صلب تنظيم الجيش الشعبي لجنوب السودان لم يتم فك ارتباطهما به حتى اليوم ؟!! تنفذ الفرقتان تعليمات وأوامر الجيش الشعبي لجنوب السودان الذي احتفظ بهما للعمل كقاعدة وطيدة متقدمة بالشمال للقيام بدور المنطقة العدائية (aggressive delaying zone  ) لتأخير تقدم الجيش السوداني جنوباً في حالة أي حرب قادمة.  إذا ما تمكن الجيش السوداني من تخطي منطقة التأخير العدائية فإنه سيصبح لقمة سائغة للجيش الشعبي لأنه سيكون منهكاً وغير قادر على مواصلة تقدمه نحو الجنوب . هذا ما صرح به كل قادة الجيش الشعبي وعلى رأسهم سلفا كير . من أهم مبادئ القيادة، أعرف نفسك وأعرف رجالك وأعرف عدوك ومن هم قادته وما هي أمزجتهم السياسية وكيف يفكرون وما هي خططهم المستقبلية وهل هم رجال دولة أم مغامرون متهورون ؟!! كل هذه المبادئ يدركها القادة العسكريون جيداً ويجهلها الناشطون سياسياً . كيف يتحقق السلام المستدام ؟!! ومفاوضات جوبا المتعثرة تجري مع من لا وزن سياسي لهم ولا وجود لهم على الأرض ؟!! بعدما كسرت عملية قوز دنقو النوعية شوكة التمرد بدارفور وأصبحت قوات الجبهة الثورية تحارب خارج الحدود والموجود منها داخل الحدود يحارب بالوكالة لصالح دولة الجنوب وبعض دول الجوار !! كيف يتحقق السلام الشامل والمستدام والوسيط غير محايد وغير جاد وصادق في تحقيق السلام؟!! لأنه لو كان جاداً وصادقاً كان بإمكانه أن يلزم ويجبر الحلو بالمشاركة في العملية السلمية التي تجري بجوبا ويفرض عليه التنازل عن شروطه التعجيزية التي هي في حقيقتها نفس شروط قرنق السابقة التي قادت للانفصال . الصرف على السلام أكبر من الصرف على الحرب وجوبا لا تملك ما تدعم به تحقيق السلام . يعتبر نقل مفاوضات السلام من منبر الدوحة إلى جوبا خطأ استراتيجياً. عقار وعرمان جنرالات بدون جيش !! مفاوضات جوبا المتعثرة إذا نجحت فإنها ستحقق سلاماً بارداً قابلاً للانفجار تحت أي ظرف طارئ هذا بالإضافة للأعمال العدائية التي ستقوم بها قوات قطاع الشمال وقوات عبد الواحد لتبرهن للجميع بأن السلام لا يمكن أن يتحقق في غيابها . مفاوضات جوبا إذا كُتب لها النجاح فإنها ستحقق سلاماً منقوصاً وتكتب عمراً جديداً لحركات التمرد كما حدث في اتفاقية أديس أبابا 1972م واتفاقية أبوجا واتفاقية نيفاشا التي قادت للانفصال . لا أدري ما هي الفوائد التي ستعود للبلاد من توقيع اتفاقية سلام مع حركات تمرد لا حول ولا قوة لها اللهم إلا إذا كان المقصود تدمير الاقتصاد القومي بزيادة حجم الإنفاق الحكومي بتوسيع أجهزة الحكم المترهلة . الدعوة لهيكلة الجيش لبناء جيش وطني قومي فإنها دعوة حق أريد بها باطل . إعادة هيكلة الجيش تتم عادةً بقرار عسكري بحت وتنفذ بأسس عسكرية بحتة على حسب ما تفرزه التجربة العملية للتدريبات المشتركة والمناورات العسكرية السنوية وتجارب الحروب السابقة . أما تنفيذ الهيكلة بقرار سياسي فإنه سوف يفسدها ويفقد الجيش قوميته ووطنيته التي هي من أهم ممسكات الأمن القومي السوداني والمساس بالأمن القومي يضر بالبلاد والتاريخ لا يرحم !! الجيش السوداني جيش قومي وطني انصهرت في بوتقته كل القبائل السودانية وأصبح صورة مصغرة للسودان. قوات حركات التمرد ولاوها غير قومي وغير وطني بعد أن أصبحت تحارب بالوكالة وتمارس الارتزاق هذا بالإضافة لأن إنشاءها قد تم على أسس قبلية وعنصرية وجهوية وسياسية. فرية إبعاد الجيش عن السياسة ابتدعها الساسة حتى يتسنى لهم الانفراد بالحكم ليعيثوا في الأرض فساداً. مشاركة العسكريين في السلطة بالنسبة لكل دول العالم الثالث تعتبر أكثر من ضرورة من أجل الحفاظ على الأمن القومي والاستقرار السياسي بالبلاد . طبيعة العمل العسكري سياسية في المقام الأول، لأن القوة العسكرية آلية تعتمد عليها الدولة لتنفيذ قرارها السياسي حيث إن الصراعات بين الدول إذا لم يتم حسمها سياسياً ودبلوماسياً فإنها ستحسم عسكرياً. المفكر الاستراتيجي كلاوفتز قال في هذا الشأن: (القوى السياسية والقوة العسكرية وجهان لعملة واحدة حيث إن كلاهما يتطلع إلى ما وراء الحدود وكلهما يبحث ويهتم بقدرات الآخرين وكلاهما يؤثر في الأخر ويتأثر به)، فالنحاجات التي يحققها العسكريون يستغلها السياسيون والعكس صحيح .

خلاصة القول: السلام هدف سياسي استراتيجي ينادي به المواطنون والسلام المستدام يعتبر الحل العسكري مفتاحاً له كما أن حماية السلام تحتاج لقوة عسكرية رادعة . الحسنة الوحيدة لمفاوضات جوبا أنها قد شملت التفاوض مع القوى السياسية التي لا تحمل السلاح وهذا تحول نوعي في المفاوضات، لأن كل الحكومات السابقة كانت لا تفاوض إلا من يحمل السلاح، وقد ساعد ذلك على تناسل حركات التمرد . ختاماً: القوات المسلحة صمام الأمان للسودان والحفاظ على قوميتها  ووطنيتها خط أحمر وضرورة قصوى من أجل الحفاظ على الأمن القومي السوداني . حركات التمرد الراغبة في الانضمام يُطبَّق عليها برنامج منظمة الـ D.D.R  . وبالله التوفيق

 

 

 

 

 

Exit mobile version