هل أخطات حكومة الثورة في الموافقة على دفع التعويضات لضمان إزالة إسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب ؟!

 

عبد الفتاح عرمان يكتب :

[email protected]

في 1979 قامت الإدارة الأميركية بتصنيف الدول التي تدعم الإرهاب الدولي بصورة متكررة في قائمة تسمي (الدول الراعية للإرهاب) و يضطلع بهذا الدور وزارة الخارجية الأميركية منذ ذلك الحين. ينتج عن هذا التصنيف مجموعة متنوعة من العقوبات أحادية الجانب، بما في ذلك حظر الصادرات والمبيعات المتعلقة بالأسلحة، وحظر المساعدة الإقتصادية، وغيرها من الإجراءات العقابية، ووضع أي دولة في تلك القائمة يحد من قدرها على التعامل مع النظام المالي العالمي ولا تستطيع الإستدانة من المؤسسات النقدية الدولية أو حتي إعفاء ديونها بغض النظر عن إستحقاق تلك الدول لإعفاء دوينها كدول فقيرة ونامية نظرا لتربع أميركا على المسرح السياسي الدولي. وتم وضع السودان في تلك القائمة منذ 1993 بعد إستضافة النظام البائد لإسامة بن لادن، قائد تنظيم (القاعدة) الإرهابي. بالإضافة إلى إستضافة جماعة أبو نضال والإرهابي الفرنسي كارلوس وجماعات الجهاد المصرية ومنظمة حماس وحزب الله اللبناني الذين تعدهم الولايات المتحدة كتنظيمات وشخصيات إرهابية تهدد الأمن القومي الأميركي ومصالحها في المنطقة. وتبني وقتذاك تنظيم القاعدة الهجومين على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا في الثامن من أغسطس 1998، إذ خلفت التفجيرات الإرهابية أكثر من 200 قتيل و4 آلاف جريح. وفي 12 أكتوبر 2000، أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم على المدمرة (يو إس إس كول) في المياه الإقليمية اليمنية الذي راح ضحيته 17 بحارا أميركيا و39 جريحاَ. تشير التحقيقات الأميركية أن تلك الأعمال الإرهابية تمت بمساعدة من النظام الإرهابي البائد مما عرض السودان لعقوبات دولية وهجوم أميركي مباشر- لاول مرة في تاريخه- عبر قصف مصنع الشفاء في 1998. حاليا لا توجد في تلك القائمة سوى كوريا الشمالية منذ 2017، وإيران منذ 1984، وسوريا منذ 1979.

تصنيف الدول الداعمة للإرهاب وإزالتها منها من اختصاص الرئيس بينما يتمتع الكونغرس ببعض السلطة التشريعية للموازنة مع إستمرار المراجعات. جرت العادة أن يُعلن الرئيس الأميركي بداية مراجعة إزالة تصنيف إحدي الدول الداعمة للإرهاب وبعد ستة أشهر يبعث الرئيس برسالة للكونغرس يشهد أن حكومة الدولة المعنية إما غيرت موقفها بشكل جذري بشأن تقديم الدعم للإرهاب، أو أنها لم تقدم الدعم للإرهاب الدولي لمدة ستة أشهر وقدمت تأكيدات للولايات المتحدة بأنها لن تدعم الإرهاب الدولي في المستقبل. وفقا لذلك، يٌمنح الكونغرس 45 يوما حتي يصبح شطب إسم الدولة المعنية من لائحة الإرهاب سارياً. على سبيل المثال، في 2015، أعلن الرئيس السابق باراك أوباما عن بدء وزارة الخارجية في مراجعة إزالة إسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي الرابع عشر من أبريل  من  العام نفسه، أرسل للكونغرس شهادته لإزالة كوبا من قائمة الإرهاب، وتم شطب إسم كوبا من تلك القائمة في آخر يوم من نهاية المدة الممنوحة للكونغرس لابداء رايه- المدة  هي 45 يوما.

حتي الآن لم يُعلن الرئيس الأميركي بصورة رسمية عن عزم إدارته مراجعة تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب على الرغم من خلو تقرير وزارة الخارجية الأميركية من أي إدانة للسودان- للمرة الأولى خلال العقدين الماضيين- بل تضمن إشادة بتعاون السودان في مكافحة الإرهاب مما يمهد الطريق لإزالة إسم بلادنا من تلك القائمة.

خبراء إقتصاديون كثر أشاروا إلى أن العقوبات الأميركية تسببت في خسائر تراكمية تقدر بأكثر من 800 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت فيه الخسائر المباشرة خلال السنوات الـ27 الماضية نحو 350 مليار دولار- سكاي نيوز.

في الثامن من نوفمبر 2018، أعلن جون سوليفان، نائب وزير الخارجية الذي عقد عدة لقاءات مع الجانب السوداني، أن الشروط الأميركية الستة لرفع إسم السودان من قائمة الراعية للإرهاب تتمثل في كفالة الحكومة لحقوق الإنسان بما فيها حرية الصحافة والأديان، والالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بشأن كوريا الشمالية، السماح بإيصال المساعدات للمناطق المتأثرة بالنزاعات، وتحقيق السلام مع الجماعات المسلحة، والتعاون مع الجانب الأميركية في مكافحة الإرهاب، وتسوية بعض القضايا المتعلقة بالإرهاب (تعويض ضحايا الإرهاب).

تلك الشروط كانت مقبولة وعادلة في ظل النظام الإرهابي البائد، وبعد ذهابه معظم تلك القضايا تم حلها بما فيها إيصال المساعدات للمناطق التي تسيطر عليها حركات الكفاح المسلح، كفالة حرية التعبير والأديان عبر إزالة مادة الردة من القانون الجنائي السوداني وقانون النظام العام سىء الصيت، والمفاوضات تجري على قدم وساق مع الجبهة الثورية والحركة الشعبية بقيادة الحلو مع وجود محاولات جادة من جانب الحكومة في التوصل إلى تفاهمات مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد.

حكومة الثورة ورثت هذه الأزمة ولم تكن طرفا أو سببا فيها، بل الشعب السوداني تضرر من أفعال النظام البائد أكثر من غيره، والضحايا الذين سقطوا جراء عنف النظام الفاشي السابق من ابناء وبنات شعبنا أعدادهم تفوق حصيلة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ 1948 إلى يومنا هذا. عقب ثورة ديسمبر المجيدة طالب الأمين العام للأمم المتحدة والإتحاد الإروبي برفع إسم بلادنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب لإنتفاء الأسباب بعد سقوط النظام الإرهابي. مجلسا السيادة والوزراء تفاوضا- بدعم مصري، وإماراتي، وسعودي، وإسرائيلي- مع  وزارة الخارجية لرفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتم التوصل لتسوية  تدفع عبرها الحكومة السودانية حوالي 335 مليون دولار كتعويض لضحايا هجمات السفارتين الأميركيتين في كل من تنزانيا وكينيا مقابل إزالة تصنيف السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وافق ذوي الضحايا على الصفقة المعنية ولكن الكونغرس بحاجة للموافقة على الإتفاق المعني ولكن هناك عضوان في الكونغرس يقفان ضد التسوية الحالية؛ السيناتور تشاك شومر- ديمقراطي- يمثل ولاية نيويورك وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ مع رفيقه السيناتور بوب مينينديز- ديمقراطي- يمثل ولاية نيو جيرسي لأن التسوية الحالية تعطي ذوي الضحايا الأميركيين تعويضا ماديا أكثر من الأجانب الذين كانوا يعملون معهم في سفارتي كينيا وتنزانيا. ويقف في الضفة الأخري السيناتور كريس كونز- ديمقراطي- يمثل ولاية ديلاوير منافحاً عن التسوية ومشددا على استحقاق بلادنا في شطبها من تصنيف الدول الراعية للإرهاب. المزاج العام في واشنطن يقف مع رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو أقل شىء بإمكان واشنطن الرسمية تقديمها لبلادنا تقديرا لثورة ديسمبر المجيدة فمن غير المقبول أن تصم الولايات المتحدة آذانها عن التغيير الهائل الذي أحدثته ثورة شعبنا العظيم في كافة مناحي الحياة سياسيا ودبلوماسيا وثقافياً وفي اتجاه تحقيق السلام في ربوع بلادنا. على الإدارة الأميركية المساعدة في دعم بلادنا للخروج من وهدتها عبر شطب اسمها من قائمة الإرهاب وتقديم العون السياسي والدبلوماسي والمادي كما فعل أصدقاء السودان افريقيا وعربيا واروبياً لأن أنهيار السودان- لا قدر الله- سيمزق القارة الافريقية في ظل الذي الصراعات التي تدور في جوارنا السوداني.

 

كان رأيي المتواضع في وسائل التواصل الإجتماعي منذ بداية المفاوضات، أن على حكومة الثورة بشقيها في مجلسي السيادة والوزراء التفاوض مع الجانب الأميركي على إمكانية تسليم كل المتهمين بتلك الأعمال الإرهابية للمحاكم الأميركية وليس تحميل خزينة الدولة التي هي خاوية على عروشها- مثلما صرح الدكتور عبد الله حمدوك من قبل-  عبء دفع فاتورة قادة النظام البائد لاسيما أنهم أحياء يرزقون- بفضل سلمية ثورتنا المجيدة- ليمثلوا أمام القضاء الأميركي، إن ثبتت التهم عليهم فينالوا جزاءهم بما كسبت أيديهم وإن اثبتوا برائتهم من التهم المنسوبة إليهم فيذهبوا إلى (محطة لاهاي) دون أن نكلف أنفسها وبلادنا ما لا طاقة لنا به، إذ رب العباد سبحانه وتعالى لم يكلفنا بذلك. خصوصا إذا علمنا أن الأطراف المتفاوضة في جوبا اتفقت على تسليم كل المتهمين في جرائم الإبادة الجماعية  للمحكمة الدولية في لاهاي التي لم تطالبنا بدفع أي تعويضات، فكيف لا نسلمهم للذي يطالبنا بتعويض مالي عن جرائم متهم بإرتكابها قادة النظام السابق؟! لماذا يشرب قادة النظام البائد من دماء الأبرياء ونحاسب نحن على “المشاريب”؟!

وفوق ذلك، مع قرب موسم الإنتخابات الرئاسية الأميركية، من المستبعد أن تتخذ الإدارة الأميركية أي خطوة جدية في رفع إسم بلادنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلا بعد الفراغ من تلك الإنتخابات ومراسم تنصيب الرئيس الحالي أو خلفه- حسب نتيجة إنتخابات نوفمبر القادم. أعتقد أن ترتيب زيارة للفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والدكتور عبد الله حمدوك، رئيس مجلس الوزراء الإنتقالي للعاصمة الأميركية واشنطن في مطلع العام القادم بعد إنتهاء الموسم الإنتخابي وتنصيب الرئيس الجديد للقاء مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والأعضاء المؤثرين في مجلسي النواب والشيوخ للتاكيد على أن الشركة الحالية بين العسكريين والمدنيين لا زالت الأطراف المعنية ملتزمة بها  وعازمة على عبور الفترة الإنتقالية وإجراء إنتخابات حرة ونزيهة بنهاية فترة الإنتقال لاسيما أن واشنطن تعتريها بعض المخاوف تجاه المكون العسكري في مجلس السيادة، وإزالة تلك المخاوف بالحوار الإيجابي مع دوائر صنع القرار في واشنطن سيسهم إيجاباً في خلق علاقة إيجابة وراسخة مع الولايات المتحدة ويزيل المخاوف تجاه المكون العسكري سوى كانت تلك المخاوف حقيقية أو متخيلة.

غني عن القول، أنه حتي في حالة شطب إسم السودان من تلك القائمة فمن غير المأمول أن تسهم تلك الخطوة- على الأقل في المدي القريب- في تحسين الوضع الإقتصادي في بلادنا ولكنها قطعا ستسهم على المدي البعيد في تحسين الوضع الإقتصادي والسياسي والدبلوماسي لبلادنا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى