Site icon صحيفة الصيحة

آلية الأُذنين..!!

 الطاهر ساتي يكتب :

 

:: ومن أساطير اليونان، يُحكى أنّ أحد ملوكهم كان يهوى الصيد ويُشجِّع شعبه عليه.. ونهض ذات صباح مُنتشياً، وسأل وزير الطقس إن كان المناخ مُناسباً لرحلة صيد في فيافي المملكة، ليُؤكِّد له الوزير هُدُوء المناخ واستقرار الطقس طوال هذا اليوم، فخرج الملك الى الفيافي بصحبة الحاشية والبطانة، ومرُّوا بجوار كوخ مواطن، ودخلوا عليه، فأحسن استقبالهم وأكرمهم، ثُمّ نصحهم بعدم مُواصلة الرحلة، لتوقعه برياح وهطول الأمطار..!!

:: لم يستبينوا النصح، بل سخروا منه وواصلوا رحلتهم إلى أن باغتتهم الأمطار والرياح، فعادوا إلى الكوخ مُرهقين و(مبلولين).. وبعد أن ارتاح، سأل الملك صاحب الكوخ: (كيف توقّعت سُوء الطقس؟)، فأجابه وهو يُشير إلى حماره: (إذا وجدته يقف رافعاً أذنيه مع أول الفجر فهذا مُؤشِّر لتوقُّع الأمطار والرياح خلال اليوم)، فشكره الملك، وعاد إلى قصره.. وأصدر قراراً بإعفاء وزير الطقس، وتحويل راتبه وحوافزه إلى صندوق دعم (علف الحمير)..!!

:: ليت بلادي تُحظى بسُلطات كهذا الملك، ليُؤسِّس آليات – كأذني الحمار – ترصد طقس الخريف وتُجنِّبنا مخاطره.. فالشاهد أن فالسادة الذين نُلقِّبهم بالمسؤولين لا يختلفون كثيراً عن (وزير الملك)، بحيث يجهلون طقس الخريف، ولا يتحسّبون لمخاطره، ولا يُوفِّرون أدنى مُستويات الوقاية لشعبهم المغلوب على أمره.. وكما الحال الراهن، فالأمطار والسيول والرياح تُفاجئ الناس سنوياً، وُتُكبِّدهم خسائر في الأرواح والممتلكات..!!

:: والشكر لله.. لا تزال هيئة الأرصاد تُبشِّر كل ولايات بلادنا بمزيدٍ من الأمطار، ونحن – حكومة وصحافة وشعباً – لا نُقابل هذه النعمة إلا بالتوجُّس، بحيث لا نفقد ضحايا أو نفقد ممتلكات المنكوبين، كمال الحال سنوياً.. قلناه كثيراً، فالسيول والأمطار لن تكون محض حَدَثٍ عابرٍ في بلادنا، ولكن بفضل الله يشهد مناخ بلادنا تغيُّراً إيجابياً.. (تغيُّر في المناخ يعزى بصورة مُباشرة أو غير مُباشرة إلى النشاط البشري والذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض)، هكذا التعريف..!!

:: ومعرفة النشاط البشري الذي يؤدي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض من مهام الخُبراء والعلماء عبر مراكز بحوثهم.. ولكن ما يلينا – كمُجتمع وسُلطات – هو فقط تكييف حياتنا بحيث تُواكب المُتغيِّرات المناخية، ولا تتضرّر منها، كما الحال اليوم.. فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يمكن ترويضها، وهذا الترويض يعني التحسُّب لكوارث الطبيعة ثُمّ تخفيف آثارها ومخاطرها.. فالذين تجرفهم السيول، وتهدم منازلهم الأمطار، هم الذين يدفعون الثمن دماً ودموعاً..!!

:: والمُؤلم، تحت سمع وبصر آليات الرصد والوقاية، قُرى بأكملها في مجاري السيول، ولا نرى آلية ترصد وتتحسّب لمخاطر السيول – التي لا تنسى مجراها – بإعادة تخطيط وتوزيع القُرى.. ورغم  وجود آليات الرصد والوقاية، وهي وزارات وهيئات تستهلك المال العام، تتفاجأ القُرى والمدائن بالسيول الجارفة.. وعليه، بما أنّ هذه الآليات عاجزة عن الرصد والوقاية، كما ذاك الوزير، فلماذا لا نُفكِّر في التخلُّص منها، ثُمّ تحويل ميزانيتها لصندوق (دعم الأعلاف)..؟؟

Exit mobile version