كُلهم فَرح..!!

 الطاهر ساتي يكتب :

 

:: قبل الثورة، وفي ذات عام دراسي، كان وزير التربية والتعليم بالخرطوم، فرح مصطفى، أصدر تَوجيهاً بإلغاء زيادة رسوم فرضتها إحدى المدارس الخَاصّة، وذلك بعد اجتماعٍ مع إدارة المدرسة وأولياء الأمور.. ويومها لم أجد تفسيراً لذاك التوجيه الوزاري الخَاص – بتلك المدرسة – غَير تَكهُّن من شاكلة (احتمال ولده بيقرا فيها)، ولم يكن هناك أيِّ تفسير آخر لرصد وزير التعليم شخصياً لمُخالفة (مدرسة واحدة) من آلاف المدارس.. ولكن لاحقاً علمت بأنّ الوزير فرح كان يتلقّى شَكاوى أولياء الأمور، ويُعالجها بجودية و(فردية)، أي كما يفعل نُظّار القبائل ومحاكم السلاطين..!!

:: واليوم، أي بعد الثورة، لا جديد، فلنقرأ الخبر الآتي نصّه: طالبت وزارة التربية والتعليم بالخرطوم، المحليات بوضع كل مدرسة للرسوم الدراسية المُناسبة للعام الدراسي – 2020/ 202 – مع مُراعاة أوضاع أولياء الأمور الاقتصادية، ووفقاً لبيانٍ ممهورٍ بتوقيع مدير الإدارة العامة للتعليم الخاص عبد الكريم حسن – فإنّه تمّ التأمين على تشكيل (لجنة رباعية توافقية) من مُمثلين للجنة تسيير اتحاد المدارس الخاصّة بالمحلية ومكتب التعليم الخاص بالمحلية لحسم أيِّ خلافٍ بين ولي الأمر والمدرسة حول الرسوم..!!

:: وهذا الطلب يعني أنّ وزارة التربية والتعليم بالخرطوم لا تزال تعمل بنهج فرح، أي بالجودية والحلول (الفردية).. بمعنى إذا رأي ولي أمر بأنّ الزيادة غير منطقية، فعليه التّوجُّه إلى تلك اللجنة الرباعية التوافُقية، ليجلس مع أعضائها ومدير المدرسة في مجلس (جودية)، بحيث يكون الحوار من شاكلة (الزيادة دي كتيرة، عليّ الطلاق ما كتيرة، حرّم كتيرة، والله دي حقّها، ياخ افتح الله، خلاص شلنا ألفين، باركوها يا جماعة، يلا الفاتحة)، ثُمّ يعود إلى داره راضياً بهذا الحل..!!

:: كَم من الوقت تَحتاج هذه اللجنة الرباعية التوافُقية لتحل خلافات عشرات الآلاف من أولياء الأمر فرداً فرداً؟.. فالعام الدراسي كله، ليلاً ونهاراً، لن يكفي هذه اللجنة الجودية لتحل خلافات كل أولياء الأمور مع المدارس.. ثُمّ تخفيض الرسوم لبعض التلاميذ، عبر اللجنة الرباعية التّوافُقية، يعني عدم تخفيض رسوم البعض الآخر من التلاميذ، أي من لم يذهب ولي أمره إلى اللجنة، وهذا يعني هدم أركان العدالة والمساواة في المدارس، بحيث يدرس تلميذٌ بكامل الرسوم، والآخر  برسوم مُخفّضة بواسطة عُمد ونُظّار وسلاطين اللجنة الرباعية التّوافُقية..!!

:: المُهم.. بما أنّ وزارة التربية بالخرطوم عَاجزة عن وضع قوانين ولوائح تحفظ لطرفي قضية الرسوم المدرسة وولي الأمر – حقوقهما بالعدل، وكذلك عَاجزة عن إيجاد حلول كُلية وشاملة لأزمة زيادة الرسوم، فعليها الخروج من هذه القضية وترفع يدها عنها، بحيث تكون قضية الرسوم خَاصّة ما بين المدارس وأولياء الأمور.. يجب أن يكون بكل مدرسة مجلس آباء، ولجنة عُضويتها، ممثلون من إدارة المدرسة ومجلس الآباء قادرة على حل أزمة الرسوم بالتراضي، ودُون تدخُّل السُّلطات الحكومية بنهج محكمة العُمد والنُظّار..!!

:: ثم السؤال المُهم، هل لوزارة التربية والتعليم سُلطة تحديد رسوم المدارس الخاصّة؟.. بالقانون والمنطق (لا)، لأن المدارس الخاصّة بعض من نشاط القطاع الخاص.. فالحكومة لا تُموِّلها، لتتحكّم فيها كما تفعل في المدارس العامّة، وكذلك لا تدعمها كالرغيف والوقود والكهرباء والأدوية – لتُحدِّد رسومها.. ولو أنّ الحكومة جَادّة في تخفيض رسوم المدارس الخاصّة، فعليها تجويد المدارس الحكومية بالتطوير والتأهيل.. تجويد المدارس الحكومية هو أفضل وأقوى آلية لتخفيض رُسُوم المدارس الخاصّة، ولكن يبدو أنّ (كُلهم فرح)..!!

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى