Site icon صحيفة الصيحة

مستشار لجنة سد النهضة مهندس عمر البكري أبو حراز لـ(الصيحة):  

 

السودان المستفيد الأكبر من سد النهضة

مصر تستفيد من حصة فائض السودان وسيظل الأمر كذلك حتى بعد بناء السد

أمريكا اختارت موقع السد الحالي (1956 – 1964) وتوقف الإنشاء بانقلاب منقستو

الامبرطور الإثيوبي (منليك) التزم لبريطانيا عام 1902 بعدم بناء سد على النيل الأزرق

حاوره/  عوض عدلان

الصراع ما زال مستمراً حول سد النهضة رغم أن أثيوبيا بدأت ملء السد فعلياً خلال الفترة الماضية، ومع وجود بعض النقاط العالقة يظل الجدل مستمراً حول من المستفيد ومن الخاسر من قيام هذا السد.. هناك خبراء يدركون بواطن الأمور لمشاركتهم في تلك المداولات الدائرة، والمهندس عمر البكري أبوحراز الباحث والمحلل الاستراتيجي ومستشار لجنة سد النهضة وخبير السدود ظل يقدم آرءه من خلال العديد من المنابر برأي ثابت أن لا أحد يمكن أن يتضرر من قيام هذا السد إذا ما كانت الاتفاقات متكاملة وواضحة، وذلك في الحوار الذي أجرته معه (الصيحة ) والذي تحدث فيه عن الأضرار التي يمكن أن يحدثها السد على دولتي المصب.

*لماذا هذا الصراع على بناء السد؟

مياه نهر النيل تعتبر غاية في الحساسية، إذ أنه أطول أنهار العالم، حيث يبلغ طوله من بحيرة المنبع في بحيرة تانا بإثيوبيا وبحيرة فكتوريا إلى المصب بالبحر الأبيض المتوسط نحو 6700 كيلو متر ويمر بعشر دول رواندا، بروندي، الكنغو الديمقراطية، تنزاينا، كينيا، يوغندا، إثيويبا، جنوب السودان، السودان، ومصر، الدول الست الأولى نصيبها من مياه  بحيرة فكتوريا منبع النيل الأبيض وأثيوبيا المنبع الرئيسي للنيل الأزرق من بحيرة تانا، وأيضاً يرفد نهر السوباط وبحر الغزال والنيل الأبيض بكميات قليلة من المياه سنوياً.

يمثل السوباط حوالي 14 مليار متر مكعب وبحر الغزال أقل من مليار متر مكعب، الرافد الرئيسي لنهر النيل هو النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا الأثيوبية ويصب شرقاً داخل السودان حتى يلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم ومنها يتجهان شمالاً تحت مسمى نهر النيل، ويعبر مصر شمالا حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط، 84% من مياه نهر النيل تأتي من مرتفعات أثيوبيا عبر النيل الأزرق ونهر عطبرة، طول النيل الأزرق من بحيرة تانا حتى الخرطوم 1400 ألف كيلومتر النيل الأزرق بقوة اندفاع عالية حاملاً معه أكثر من 90% من الطمي في نهر النيل، ذلك لأنه يأتي من ارتفاع حوالي 1500 ألف متر في بحيرة تانا والخرطوم 500 متر فوق سطح البحر.. مرتفعات أثيوبيا تصل في بعض الاحيان إلى 4500 متر فوق سطح البحرن لذلك تسمى أثيوبيا برج المياه، وتقدر الطاقة الكهربائية المائية التي يمكن أن تنتجها أثيوبيا 45 ألف ميقاواط المنتج حالياً منها حوالي 12 ألف ميقاواط أضافة لستة آلاف ميقواط  سوف ينتج سد النهضة خلال السنوات العشر القادمة.

*  هل هناك اتفافات تاريخية حول المياه؟

تاريخياً مياه النيل خصصت حوالي 9 معاهدات دولية الأولي كانت في عام 1891م، وهو ما يعرف بالبروتوكول الإنجليزي الإيطالي، والأخير كانت اتفاقية مياه النيل في 1959 وهي السارية حتى الآن .. أهم ثلاث اتفاقيات من التسع كانت في أعوام 1902، 1929، 1959، ففي 15 مايو 1902م، وقعت بريطانيا  مع الإمبرطور الأثيوبي منليك الثاني  اتفاقية التزم فيها بعدم إنشاء أي أعمال هندسية في مجري نهر النيل تؤثر على كمية المياه إلا بموافقة حكومتي بريطانيا والسودان.  المشكلة في هذه الاتفاقية أن النسخة الإنجليزية المودعة في بريطانيا فيها الالتزام أعلاه، ولكن النص الأمهري كان مختلفاً ولا يلزم أثيوبيا بالحصول على موافقة بريطانيا والسودان.

اتفاقية 1929م  تمنح مصر 48 مليار متر مكعب سنويا بينما السودان أربع مليارات فقط، اتفاقية 1959م  إبان حكم الفريق إبراهيم عبود حددت كمية مياه نهر النيل عند أسوان (السد العالي) بـ 84 مليار متر مكعب سنويًا نصيب مصر منها 5 ‘55 مليار متر مكعب بينما السودان 5،18 مليار متر مكعب وتعتبر 10 أمتار مكعبة فاقد تبخر.

بعد انتصار الثورة والكفاح المسلح الأثيوبي بزعامة الراحل ملس زيناوي عام 1991م والقضاء على نظام منقستو هايلي مريام الذي أطاح بنظام الإمبراطور هيلاسلاسي كأول نظام ديمقراطي وضع زناوي برنامجاً اقتصادياً طويل الأمد كان من بينه الاستفادة من ثروات اثيوبيا المائية في توليد الكهرباء وبيعها للدول المجاورة، ومنذ ذلك الوقت بدأ التفكير في إنشاء سد النهضة بطاقة كهربائية تصل إلى سته آلاف كيلو واط بعد حجز 74 مليار متر مكعب من المياه في بحيرة السد.

* كيف تم اختيار موقع السد الحالي؟

تم اختيارموقع السد الحالي بعد دراسات تمت بواسطة أمريكا ما بين (1956 – 1964)، وتوقفت بانقلاب منقستو، ثم عادت بعد تولي ملس زيناوي الحكم وتم اعتماد الموقع بناء على الدراسات الأمريكية السابقة، وبعد مراجعات طويلة، وفي أكتوبر من العام 2010م قدم المكتب الاستشاري الأمريكي “جيمس كلستون” التصميم النهائي، وبدأ العمل في إنشاء السد في العام 2011م بواسطة الشركة الإيطالية العالمية الشهيرة “ساليفي” التي نفذت العديد من السدود المائية حول العالم، وقد قدرت تكلفة السد بحوالي 8’4 مليار دولار، وحتى أكتوبر 2019م تم تنفيذ 70% من السد، حيث قررت البدء في ملء بحيرة السد بداية من يوليو 2020م رغم اعتراض الاتحاد الأفريقي بناء على اعتراض السودان على أي عمل أحادي قبل الاتفاق بين الدول الثلاث.

* هناك بعض التخوفات من انهيار السد وإغراق كل دول المصب؟

دوائر عالمية كثيرة أكدت سلامة السد لأسباب عديدة، فمنطقة السد الحالية لم تعرف نشاطاً بركانياً أو زلازل في تاريخها القديم والحديث، وأن أقرب نشاط من هذا النوع يبعد اكثر من ألف كيلومتر من موقعه الحالي، كما أكد عالم الجيولوجيا المصري الأمريكي د. فاروق الباز سلامة الموقع والمواد المستعملة في إنشائه، ثم أن أكبر شركة عالمية في تشييد السدود شركة (ساليفي)، كما أن مرشد الأعمال المنشأة العالمي (فيدك) مطالبة بمراجعة التصميم وعدم بداية العمل إلا بعد التأكد من سلامته، ثم إن سد النهضة يبعد عن خزان الرصيرص أقل من 100 كيلو متر والرصيرص تم انشاؤه قبل أكثر من 60 عاماً، وهو صامد ولم يحدث فيه أي تصدع، وأثيوبيا لا تقدم على بناء سند يكفلها أكثر 8،4 مليار دولار تفقد فيه كل عائداتها المالية.

* في اعتقادك ما هي أكثر الدول استفادة من هذا السد بين الدول الثلاث؟

في اعتقادي أن الدول الثلاث ستستفيد من هذا السد بنسب متفاوتة وأشكال مختلفة، في السودان سوف يتم انسياب المياه والمحافظة على حصته أولاً سوف يتم انسياب المياه بعد الخزان والمحافظة على حصته 5 ،18 مليار متر مكعب وتكون موزعة على مدار العام بدلاً عن أربعة أشهر هي فترة الفيضان خلال شهر يونيو وحتى أكتوبر، وبالتالي انتفاء حدوث فيضانات مدمرة، كذلك تمكين السودان من زراعة الخضر والفاكهة في الجروف ثلاث مرات في العام بدلًا من مرة واحدة، علماً أن زراعة الجروف في السودان تمثل 160 ألف فدان سترتفع إلى 480 ألف فدان بعد اكتمال السد،  بينما الزراعة بالري تصل أحيانا إلى أربعة ملايين فدان، هذا غير خسائر الفيضانات السنوية كما سيستفيد أيضاً، من الطاقة الكهربائية المائية التي سينتجها السد بأسعار تفضيلية مما يوفر على البلاد أموالاً طائلة مخطط لها في مشاريع توليد الكهرباء لمقابلة الزيادة في الطلب. وأخيراً ستستفيد السدود السودانية بإطالة عمرها الافتراضي بسبب حجز سد النهضة لكثير من المواد الصلبة والطمي، وقد أكد الأمر حديث ملس زيناوي الذي قال في زيارة له للسودان إنه كان يتوقع أن يسهم السودان بـ 30% من قيمة السد لاستفادته منه أكثر من إثيوبيا.

هناك الكثير من الآثار السالبة بالجانب الأثيوبي كترحيل بعض السكان، إلا أن الجانب الاثيوبي سيكتفي ذاتياً من الكهرباء بل سيصدرها أيضاً لدول الجوار.

بالنسبة لمصر، فإن تخزين المياه بسد النهضة أفضل من تخزينها ببحيرة ناصر بحساب درجات التبخر، ففي منطقة بحيرة ناصر تصل درجات الحرارة في الصيف إلى 45  درجة مئوية، بينما تخزينها بسد النهضة حيث درجة الحرارة 25 فقط مما يعني أن فاقد التبخر المرصود سوف يقل بالإضافة إلى زيادة معدلات الأمطار في بعض السنين مما يسمح لأثيوبيا فرصة تخزين أكثر دون المساس بكمية 74 ملياراً، وعليه فإن تخزين المياه بسد النهضة أفضل لمصر من تخزينها بالسد العالي، علمًا بأن نهر النيل أنبوب واحد ولا تستطيع أثيوبيا أن تحجز أكثر من طاقة السد، وإلا سينهار بسبب الحمولة الزائدة، فالتصميم ومعدل السلامة محسوبان بحسابات دقيقة.

*  وأخيراً، ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدمها للدول الثلاث؟ 

أقول بأنه يجب أن يتضامن السودان مع مصر في عدم المساس بكمية المياه المحددة في اتفاقية 1959م وهما محميان دولياً بكل القوانين والتعاهدات الدولية بشأن انسياب المياه العابرة للدول.

 

 

Exit mobile version