القيادي بـ”الحُرية والتّغيير” محمد وداعة حول 11 أبريل لـ(الصيحة):

قبل التنحِّي.. أحمد هارون كان يُخطِّط لضرب الثُّوّار وفض الاعتصام

والبلاد تتنسّم رياح التغيير بعد مرور عام كامل على سقوط الحكم البائد في 11 أبريل من العام الماضي، كان حريٌّ بنا أن نستذكر تلك الدروس والعِبر من خلال قيادات شاركت بفاعلية وقتها في ذاك الحراك الثوري. وحينما يأتي اسم القيادي بـ”الحرية والتغيير” محمد وداعة، تعود للذاكرة مواقف الرجل المبدئية ودوره الكبير في إلهاب الشارع، بل إنه أدخل قادة النظام السابق في حَرجٍ شَديدٍ وهو يُواجههم بالحجة والمنطق عن حجم الفساد الذي استشرى، وعن ذهاب هيبة الدولة عقب انشغال قيادات الإنقاذ وقتها بغيرها من القضايا. فَشَرَح لنا وداعة من خلال هذا اللقاء ما دار خلال اللحظات الأخيرة، وكيف أنّ قادة النظام البائد حاولوا كثيراً إفشال الحراك الثوري بكل السُّبُل، لكنه أكّد أنّ الإرادة القوية للشعب السوداني الذي قال كلمته قد غَلَبت بوقفة رجال وقيادات من الأجهزة الأمنية يحفظ لهم التاريخ دورهم. كما كشف الكثير الذي لم يقل عبر هذ الحوار فإلى نصه:

حوار- عوضية سليمان

كقوة سياسية ما دوركم بعد دخول الثُّوّار القيادة؟

كانت لدينا لجنة ميدان، ومشرفون عليها من كل شيءٍ، المأكل والخيام والمايكروفونات. وهذا عبر أشخاصٍ محدّدين. وفي يوم 6 أبريل وصل عدد من القيادات إلى القيادة العامة لتقديم مذكرة، وقمت أنا ومعي أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة “الجريدة” بكتابة المذكرة وطبعها بمقر الصحيفة وقمنا بإدخالها القيادة.

حدِّثنا عن ما دار في الاجتماع الذي انعقد مع سقوط النظام وكنت أنت من ضمن الحضور وماذا دار فيه؟

تلعثم وقال تجاوزي هذه النقطة.

لا يُمكن تجاوُزها تحدث عنه ما أمكن؟

بعد أن سكت لبرهة قال: الاجتماع جاء بطلب من اللجنة الأمنية وكان برئاسة الفريق صلاح قوش رئيس جهاز الأمن، وهو المسؤول السِّياسي للجنة الأمنية المُختصة بالمُعارضين وقتها، كانت الحركة مشلولة بالعَاصمة تَمَاماً، شَركات الاتصالات صارت خارج الشبكة، واتّصل علينا صلاح عبد الله قوش وطلب حضور عدد من المعارضة لاجتماع.

من هم الذين تمت دعوتهم للاجتماع؟

الصادق المهدي وعمر الدقير، لم يصلا إلى مقر الاجتماع لظروف الحركة وتأخّرا عن الحضور، أيضاً صديق يوسف لانقطاع الاتصال، وأحمد هارون القيادي بالمؤتمر الوطني ونائب رئيسه وقتها.

ماذا دار داخل الاجتماع؟

ترأس الجلسة أحمد هارون، وقال إن الدقير قائد لا يمكن أن يتم تجاوزه، بيد أن الصادق المهدي طالب بتنحِّي الرئيس، وطالب بمجلس قومي اتحادي وحكومة مدنية والاحتكام بدستور 2005. وكانت هنالك طلبات قُدِّمت، ولكن تساءل أحمد هارون بأيِّ سبب يتنحّى البشير؟ وقال ان هذا الطلب غير مقبول ومرفوض تماماً، ودارت مجادلات ساخنة خلال الاجتماع حول هذا الأمر.

هل طلب تنحِّي البشير فرضه الاجتماع ومن ثَمّ تبنّاه لاحقاً؟

هذا الطلب كان مكتوباً في المذكرة التي كان يُفترض أن يتم تسليمها لرئاسة الجيش وكانت مُعلنة لكن دون جديد. ومن ثم قدم الطلب على لسان الصادق المهدي.

ماذا تحمل المذكرة؟

المذكرة تحمل طلب تنحِّي البشير وهو ما جعل أحمد هارون يرد ردوداً سالبة، وقام بالتهديد بأن البشير له جيش وأمن ودولة،  فكيف تُطالبون بتنحِّيه؟ وكان ردنا له بأننا باقون إلى أن يأتي الرد على طلب التنحِّي.

إذن كان هذا موقفكم، فما هو دور العسكر في الانقلاب؟

اللجنة الأمنية قرّرت وطلبت من البشير التنحِّي، وكان هنالك تخطيط من قبل مجموعة من القيادات، أبرزها أحمد هارون لمُقاومة المُتظاهرين وإبعادهم من القيادة العامة.

ما موقف الفريق جلال الدين الشيخ، يُقال هو من أمر بتنحِّي البشير وقال كفاه حكم (30) سنة؟

لا لا، من قال ذلك هو الفريق ركن ياسر العطا واللجنة الأمنية كان دورها واضحاً وواحداً.

من هم أعضاء اللجنة الأمنية؟

كانوا ثمانية أشخاص، اثنان من الجهاز، المدير ونائبه بالإضافة لقائد الدعم السريع ونائبه، وقائد الشرطة ونائبه، وقائد الجيش ونائبه.. وكان إذا لم يكن هُناك قرارٌ بالإجماع لفشل المُخَطّط، كما أنه كان هناك مُقترحٌ بأن يُزاح البشير ويُعزل بالقوة، وان تستلم اللجنة الأمنية الأمر وتكون هنالك استجابة لطلب المُعارضة وياسر العطا.

ما هو موقفكم عن الإرهاصات واللحظات الأخيرة للرئيس، ومن كان مرشحاً من الجيش وقتها؟

لا لا، نحن كنا ننتظر التنفيذ وبالنسبة لنا الأمر انتهى، والمشهد وقتها كان هناك (1500) تاتشر للدعم السريع دخلت بصورة مُكثّفة إلى المنطقة الاستراتيجية بالخرطوم منذ الخامسة عصراً.  وفي نفس اليوم الذي تَمّ فيه عزل البشير، كان هنالك مُخَطّطٌ لضرب المُتظاهرين بعد أن استجلبوا قوات من خارج العاصمة، ولكن بعد عزل البشير سُحبت منهم أجهزة الاتصال وتم تبديل الحرس، وهناك مناطق تم تأمينها منذ الساعة الثانية ظهراً يوم (عشرة)، وفي الساعة الخامسة تم تأمين النقاط المُخالفة بقوات الدعم السريع.

على مَن وقع الاختيار من القيادات العسكرية لإخبار الرئيس بالتنحِّي؟

يُوجد اتفاقٌ بأن يقوم البرهان ومعه كتيبة كاملة ومسلحة  بالذهاب لإخبار البشير بهذا الأمر.

هل كان هنالك تخطيطٌ مُغايرٌ لـ”قوش” داخل اللجنة الأمنية؟

لا أبداً، العمل كان يتم بتنسيق من أعضاء اللجنة الأمنية، وهم ابن عوف وعبد المعروف وجلال الشيخ وقوش وحميدتي وعبد المعروف وعبد الرحيم. وتم بتسيق محكم لكل الجهات التي اجتمعت في طاولة واحدة، وهذه الخطة تمت بإحكام إلى أن تم اعتقال البشير وظلت مُستمرة الى أن تم القبض على بعض الرموز الذين كانوا يُقاومون التغيير.

عقب السقوط لم تظهر القوى السياسية مُباشرةً على المسرح السياسي، لماذا؟

في نفس يوم السُّقوط ظهرت القوى السياسية، لكن الميدان كان ضخماً وكُنّا موجودون بالداخل برفقة فيصل محمد صالح. وكان هنالك وجود واضح لقوى المعارضة، وعملنا مُخاطبات أمام الثُّوّار، فليس هناك غياب.

كيف تمّ اختيار حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء؟

هنالك إجماع على اختياره من قِبل القوى المُكوِّنة للحرية والتغيير، وليست هنالك شذوذ من أي جهة. ونظراً لشخصيته وإمكاناته ومقدراته وعلاقاته الدولية فهو شخصية قومية ومعروفة، وتوفّرت فيه المعايير التي وضعناها لرئيس مجلس الوزراء.

لكن هنالك أسماء كثيرة وردت لتولي منصب رئيس الوزراء؟

نَعم ولكن انسحبت في اللحظات الأخيرة كلها بعد ظهور اسم حمدوك.

هناك من يقول إن تأخير إعلان الحكومة الانتقالية كان بسبب بعض التدخُّلات الخارجية؟

ارتبط بتأخير توقيع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، وعندما تم التوقيع تم الإعلان عن أن حمدوك في طريقه إلى الخرطوم لتولي منصب رئيس الوزراء.

هل صحيح أن لصلاح قوش دوراً في اعتقال البشير؟

دوره كبيرٌ جداً باعتبار أنه في اللجنة الأمنية وكان لديه تواصل مع معارضين واجتمع معهم داخل السجن وخارجه، ودوره مؤثر في كل الذي تم في التغيير، ولكنه انسحب بعد ذلك من المشهد.

كقوى سياسية، كيف تنظر للوضع الراهن والتدهور الاقتصادي؟

الحكومة تم تكوينها مُتأخرة، حتى إن هنالك هياكل لم تكتمل بعد. وكل الموجود من هياكل الحكم هو مجلس الوزراء فقط، فيما يجب أن يَكون هُنالك مجلس تشريعي وولاة مدنيون، وهذه هي مسؤولية حَمدوك. هُناك تَرشيحات من قِوى الحرية والتغيير للمجلس التشريعي، أما الولاة فَوِفق التّرشيحات التي تَأتِي من الولايات نفسها.

هل هذا ما دَفَعَ بَعض المُتظاهرين إلى مُعارضة حمدوك اليوم؟

الآلية التي كانت تقُوم بالتّرشيحات تمّ تجاوزها وأُوكل أمر ترشيحها للمجلس المركزي لـ”قِوى الحِرية والتّغيير”، ولم يعمل بها وهذا ما أدّى للإرباك في اختيار الولاة، أمّا الأمر الأهم هو قد تمّ في جوبا اتفاقٌ بين الحركات المُسلّحة والحكومة، ينص لإرجاع أمر اختيار الولاة والمجلس التشريعي إلى ما بعد السلام، لذلك جاء المُقترح أن يتم تكليف الولاة كمُؤقّتين، أما الولاة القادمون فهم مدنيون بنص الوثيقة الدستورية، ومجلس تشريعي مؤقت، وعندما يتحقق السلام يُعاد النظر فيه، ولا بُدّ من إعادة النظر في الهياكل ويتم استيعاب القِوى السِّياسيَّة والانتماء السِّياسي ليس عقبة وليس هنالك شرطٌ لاختيار الوالي، لأنّ الحكومة سَوف تَعتمد على الكفاءات التي وجدت حَظّها من الجدل والنقاش.

التكليف المُؤقّت ألا يربك المشهد السياسي؟

إذا توافرت الثقة يتم توقيع ميثاق بعد السلام ويتم تسريح كل الولاة، والآن هُنالك وظائف كَثيرة مشغولة بالتكليف.

خروج تظاهرات بالعاصمة تُنادي بالتغيير؟

هذا شقان، من حق الناس أن تُعبِّر عن رأيها في ضيق المعيشة وحمدوك لن تسقطه التظاهرات، لأنها لم تسقط البشير إلا بعد (30) سنة، والأمر الثاني طريقة التعبير واضحٌ فيها عنفٌ لفظيٌّ غير مقبولٍ عبر لافتات تحمل اسم حمدوك مُفترض تتم مُحاكتمهم.

هَل هُنالك قصد محدد غير أنّهم مُطالبون بتصحيح الوضع؟

هم مجموعات من عدة اتّجاهات، ولكن رسالتهم وصلت خاطئة، لأنّ رئيس الوزراء وجد إجماعاً لم يجده رئيس وزراء في العالم أجمع، ومتفقون بشأنه تماماً.

كيف تنظر لمبادرة حمدوك؟

تدل على شعبية الرجل، بعد استجابة أكثر من ثلاثة آلاف من السُّودانيين له وتم توفير مبالغ كبيرة والحمد لله للآن مستمرة ونحن مساندون لها.

البعض واجه المبادرة بسخرية؟

كل السخرية التي وجِّهت للحكومة الانتقالية ورموزها، تنطلق من منصات معروفة وليس المستهدف حمدوك، بل الثورة وقطع طريقها وتشويه الصورة، وان المتظاهرين لديهم ظاهرة، حتى الأجهزة الأمنية يتعاملون معها بعنف وهذا استفزازٌ.

ماذا بشأن الضائقة المعيشية وارتفاع الأسعار؟

حجة التُّجّار هي ارتفاع الدولار وانخفاض الجنيه، وهنالك انخفاضٌ في عائد الصادر والحل في فتح الصادر وحوافز للمُغتربين للتحويل البنكي.. لا بُدّ من استيراد الأموال المنهوبة، وهنالك أموالٌ ضخمةٌ جداً ولا بُدّ لوزارة المالية أن تكون ولايتها على المَال العَام وتمنع التجنيب، فهنالك إمكانَاتٌ ضخمةٌ في الزراعة والصناعة والمعادن.

ماذا أنت قائل في حق الثورة؟

كبيرة وقدمت شهداءً وانتصرت.

لكن أداء الحكومة لم يكن قدر التضحية؟

هنالك تنافرٌ وعدم اتفاق في العملية السياسية بين الشركاء في “الحرية والتغيير” والمجلس العسكري والحال مستمر إلى الآن ولا يوجد انسجام بين المكونين، والحكومة حتماً تتأثر بذلك .

برأيك ما هو الحل لهذه المشكلة؟

لا بُدّ من أن نبحث عن حاضنة سياسية من الشركاء تمثل الحرية والتغيير والعسكريين وحمدوك، لنخرج من القول الكثير ولخلق التآنس والتآلف بين المكونات السياسية جميعها لدفع العمل المُشترك بينهم، وجعل الشراكة حَقيقيّة.. والخطوة الثانية يجب العدالة في الحكومة الانتقالية على مبدأ أخذ الحق بالعدل والعرف، غير ذلك تظل المُشكلة موجودة والأهم وجود مفوضية لمُكافحة الفساد تكون مسؤولة عن التفكيك ومُحاربة الفساد عبر جهاتٍ مُختصةٍ وهذا إنفاذاً للوثيقة الدستورية، والسلام نفسه يجب أن تكون له مفوضية ولا بد من إصلاح مسار الحرية والتغيير في الهيكلة والتوسيع لتشمل موقعي ميثاق الثورة وهم الآن يتفرجون وليس لديهم دور واضح.. وهذه هي الديمقراطية ولكن الحرية والتغيير تمارس الديكتاتورية.

البعض يتحدث عن القائد “حميدتي”، ما هو دوره في التغيير؟

القائد “حميدتي” دوره كبيرٌ جداً في التغيير الذي تَحَقّق وعلى الكل أن يفهم هذا.

وللخُرُوج من الأزمة ماذا نحتاج؟

نحتاج لحُلُول إسعافية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى