رفع الدعم.. ما أشبه  الليلة بالبارحة

 

الخرطوم: رشا التوم

نفق آخر مظلم سوف يمر عبره  الاقتصاد  السوداني عقب نشوب جائحة كورونا وآثارها المتوقعة  على الاقتصاد  من تسبب في  ركود اقتصادي يقود لانكماش الناتج المحلي الإجمالي، مما يفاقم الأعباء على الدولة والمواطن، ولتصبح كورونا مدخلًا آخر للتمهيد لرفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات ليجد البدوي سبباً آخر لتعزيز قناعاته برفع الدعم  بكل قوته.

تحذيرات الوزير

في الوقت الذي حذر فيه وزير المالية د. إبراهيم البدوي من آثار  كورونا على الاقتصاد المحلي  مطالباً  بترشيد الدعم ليشمل رفع أسعار الوقود والكهرباء في أبريل الجاري كإجراء عاجل واعتماد برنامج اقتصادي إسعافي، وبحسب مصادر أكدت لـ(الصيحة  أن خطة البدوي  تشمل تخصيص 30 مليار جنيه لدعم القطاع الصحي، وتخصيص دعم للأسر في القطاع غير المنظم في حدود 50 ألف أسرة بمبلغ 45 مليار جنيه لمدة 3 أشهر بمبلغ 500 جنيه لكل فرد، وإنفاذ الهيكل الراتبي الجديد من أول أبريل، واعتماد إعانات بطالة للمسرحين من القطاع الخاص والخريجين الباحثين عن عمل، تبني شبكة الضمان الاجتماعي لاحقاً 80 مليار جنيه، ودعم القطاع الخاص عن طريق الإعفاء الضريبي لمدة 3 أشهر وتقديم تسهيلات بنكية ومرونة في الاقتراض.
وشدد البدوي في خطته على الإصلاح الجذري لنظام سعر الصرف مع وضع احتياطي للطوارئ في حدود 25 مليار جنيه، وطرح الوزير خيار ترشيد الدعم لمقابلة هذه التحديات، برفع أسعار البنزين والجازولين والكهرباء اعتباراً من أول أبريل مع الإبقاء على دعم الخبز وغاز الطبخ.

 

أزمة قديمة

تأتي دفاعات البدوي  لرفع الدعم في الوقت الذي يعلم فيه الجميع بأن البلاد واجهت  خلال السنوات الماضية أزمة اقتصادية طاحنة ساهمت في خلق أزمات في بعض السلع كالخبز والوقود وغيرها، والتي أرجعها المختصون إلى السياسات التي وضعتها الحكومة السابقة لم تفلح معها المعالجات والتي من ضمنها رفع الدعم عن السلع، والشاهد أن الأمر أدى في نهاياته بإطاحة النظام السابق، وعقب تسلم النظام الجديد الحكم استبشر المواطنون خيراً بإصلاح الحال خاصة الأوضاع الاقتصادية، ولكن اللافت أن الحكومة تسعى إلى رفع الدعم والذي سيؤدي بدوره إلى بروز أزمة جديدة وذلك لمساهمته في رفع أسعار السلع ومفاقمة الأزمات المعيشية والتي تعاني في الأصل منها البلاد منذ زمن.

وعود البنك الدولي

حسناً جاءت هذه التطورات، في ظل ضغوط تتعرض لها الحكومة من صندوق النقد الدولي الذي يعتبر رفع الدعم أحد المتطلبات الأساسية للتعاون مع السودان لكي يمده بتمويلات تساهم في مساندة اقتصاده، حيث أكدت الحكومة خلال مناقشة موازنة 2020 م وجود مقترح برفع الدعم عن البنزين والجازولين تدريجياً مقابل مضاعفة أجور العاملين بالدولة في الموازنة.

ورهن البعض  إجراء الإصلاح الاقتصادي الشامل في الاقتصاد بتطبيق روشتة البنك الدولي  لمساعدة السودان وفق الموجهات والأولويات التي تحددها حكومة السودان، وجميعنا يعلم أن للبنك الدولي روشتة اقتصادية طرحها في فترة سابقة على النظام البائد مطالباً بعدد من الإجراءات الرئيسة لإصلاح الاقتصاد الوطني منها رفع الدعم وتحرير سعر الصرف ولم تجد تلك الروشتة القبول في الأوساط الاقتصادية .

وأبدى البنك استعداده  لتقديم مساعداته للسودان ومحاولات لاستقطاب العون الخارجي عبر صندوق دعم المانحين والاستفادة من تجارب الدول الشبيهة والناجحة في مجالات التنمية  وتطوير الخدمات.

طرحنا على خبراء في الاقتصاد خطوة وخطة البدوي لرفع الدعم وربطها بمقررات  روشتة البنك الدولي  وهل تصب في مصلحة الاقتصاد المنهك لتحقيق مطلوبات تخفيف أعباء المعيشة والحد من ارتفاع معدلات التضخم والفقر.

الموازنة.. لا جديد

وأكد عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير المهندس عادل خلف الله،  أن خطة وزيرالمالية تقدم بها خلال الاجتماع المشترك  بين الوزارة بمكوناتها المختلفة واللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير، وبموجب ذلك تم اللقاء، وقال في حديثه لـ(الصيحة) أمس، بأن اللجنة الاقتصادية بالحرية متمسكة بما تم طرحه من أجندة بتاريخ 28 ديسمبر والسعي لإيجاد المعالجات المطلوبة لحل مشكلات الاقتصاد والتي تم إرجاؤها الى حين عقد المؤتمر الاقتصادي في مارس وبدوره تم الاتفاق على أن تمضي الموازنة بخطة إسعافية  منذ بداية مارس إلى يونيو  مع إعمال المعالجات المطلوبة لسد الفراغ، وقد تم التأسيس للاجتماع وفقاً لذلك،  نافيًا حدوث أي مستجدات، وقال إن التطورات العالمية لجائحة كورونا  تبقى مدخلاً لإعادة النقاش حول الميزانية  والبحث عن بدائل  وإعادة النظر في الإنفاق العام والإيرادات والمصروفات  للمناقشة أو التعديل  في الميزانية عقب عرضها على مجلس الوزراء، مؤكداً استمرار الحوار لتقديم تصور مشترك بين المالية وقوى الحرية    منوهاً إلى عدم اتخاذ أي قرارات  ما لم يتم التفاعل بين التصورات المقدمة من الطرفين، وأكد أن الحديث عن رفع الدعم من عدمه قرار سياسي.

معالجة الاختلالات

ويرى الخبير الاقتصادي  د . علي خالد الفويل، أن  خطوة رفع الدعم وتوفير شبكة الحماية المجتمعية من قبل  وزارة المالية يعد هذا الإجراء من ناحية اقتصادية  صحيحاً  ويمثل إزالة  لعدم توزيع الموارد  بمستوى عادل، لأن الدعم معلوم بأنه  يشوه هيكل الاقتصاد  الدولي  ويورث الخلل، مبيناً أن البلاد ما تزال تقدم دعما مقدراً لاستيراد الجازولين والبنزين  وهذا الدعم في الغالب  يذهب لأشخاص مقتدرين يملكون السيارات الفارهة ويعيشون في مستوى عالٍ  ويستهلكون كهرباء  عالية وجل الناس في السودان في الأرياف وليس المدن،  وبعضهم لا يملك كهرباء حتى الآن، ومع ذلك، فإن الوقود  يدخل في صميم قطاعات إنتاجية، تقدم سلعاً للمستهلك  ولكن من ناحية أخرى  فإن هيكلة الاقتصاد تتطلب القيام بهذه الجراحة العميقة  لتحقيق مبدأ العدالة  ودعم  قطاعات كانت تدعم على حسابها  قطاعات أخرى مقتدرة، وقطع بأن هناك فئات سوف تتأثر  برفع الدعم،  لذا لابد من إيجاد المعالجات السريعة  للفئات المتأثرة  وحصر دقيق وشامل  لإعدادهم   ومضاعفة الرواتب  لذوي الدخل المحدود حفاظاً على النسيج الاجتماعي لتلك الفئات.

وقال الفويل بأن هناك فهماً قاصراً  لابد من تصحيحه، وهو ربط بعض الأشخاص  قضية رفع الدعم  بوصفة صندوق النقد الدولي، فالصندوق للناظر إلى سياساته وأهدافه وإجراءاته  فهي لا تتعارض  مع أي إصلاحات في أي دولة من العالم وعاب  الدعم على مستوى الداخل، قائلاً إن  سعر البترول  في السودان  أرخص من أي دولة أخرى من دول الجوار،  فسعر قارورة المياه أعلى من لتر الوقود،  وهذه مسائل  تحتاج إلى سياسات  ومعالجات  وليس هناك  عاقل  يمانع  رفع الدعم عن الوقود                                                                                                    ما نسبته 42 % من ميزانية وزارة المالية توجه  للدعم   فهي  إذاً ميزانية دعم وليست ميزانية دولة.

وأكد الفويل أن هناك تحولات واضحة فيما يتعلق بالثقافة التي أضحت استهلاكية فقط، ولا علاقة لها بالإنتاج،  داعيًا إلى توفير آلية واضحة  لحماية المتأثرين من رفع الدعم واعتبره المخرج الآمن للبلاد من الضائقه الاقتصادية.

وانتقد توجيه دعم الوقود لفائدة أعداد كبيرة من الجاليات والسفارات والأجانب الذين يستفيدون من دعم الخبز والكهرباء والوقود على حساب المواطن السوداني، ورهن رفع الدعم بتحقيق محاربة التهريب إلى دول الجوار مطالباً بآلية لمحاربة التهريب، وزاد: (نحن نصدر دعمنا  لدول  الجوار بدعم جنسيات مقتدرة على حسابنا).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى