جائحة كورونا.. ديمقراطية السُّودان على المحك

الخرطوم- إنصاف العوض

حذّر الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي ايان ايقلاند من أن يؤدي انشغال العالم بجائحة كورونا، ووضع واشنطن السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب إلى تقويض التغيير الديمقراطي في السودان وهلاك مُخيّمات النزوح المزدحمة والأحياء الفقيرة والمراكز المجتمعية، وقال ايان: الآن تضيع فرصة تاريخية في السودان بسبب جائحة الفيروس التاجي، وفي الوقت الذي تظهر فيه الحكومة الجديدة استعدادها لإعادة تشكيل البلاد وإعادة إعمار بنيتها الصحية يحجم المُجتمع الدولي عن تقديم الدعم الاقتصادي بسبب انشغاله بجائحة كورونا، مُضيفاً أنّ فُرصة هائلة لتعزيز التغيير الإيجابي والدفاع عن المُجتمعات الضعيفة من الأزمة الصحية التي تتكشف قد تضيع إذا لم يُعجِّلوا بدعم الحكومة الانتقالية في البلاد.

ثغرات تمويلية

وقال إيان ثغرات التمويل الضخمة التي تمنع التقدم، وإبقاء البلاد على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب يؤدي  إلى تفاقم الأزمة الحالية، ويمنع تدفق التمويل الذي تشتد الحاجة إليه في الوقت الراهن.

ووفقاً لتقرير نشر بموقع المنظمة تم تأكيد الحالات الأولى للفيروس التاجي في السودان، مع احتمال زيادة الأعداد بشكل كبير في الأسابيع القادمة كما هو الحال في البلدان الأخرى ذات الموارد المحدودة.. ولمنع الانتشار، تُكافح القيادة الجديدة مع إرث من سوء الإدارة والقيود المالية وأزمة اقتصادية عميقة، إذ دفعت النزاعات والأزمات الاقتصادية أكثر من 9 ملايين سوداني إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية، وفي عام 2020، فر ما يقرب من 1.9 مليون منهم من منازلهم، إضافة إلى ذلك، يستضيف السودان أكثر من مليون لاجئ من الدول المجاورة، بما في ذلك جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا.

ويتفق الخبير السياسي البروفيسور عبده مختار مع ايان، كون ان جائحة كورونا صرفت أنظار العالم ولا سيما القوى العظمى عن دعم التحول الديمقراطي بالسودان. وقال لـ(الصيحة) لسوء حظ الفترة الانتقالية أنها تزامن مع هذا الوباء، الذي وصفه البعض بالحرب العالمية الثالثة، لأنه أدى إلى شبه شلل كامل في معظم مناطق العالم وخاصةً الدول العظمى التي تحرك المشهد الاقتصادي والسياسي.

التفاف وطني

غير أن مختار استبعد أن يؤدي الإهمال الدولي إلى انهيار التغيير الديمقراطي في السودان، وأضاف: هو لن يقوض الديمقراطية ولكنه بلا شك يعطل العملية الانتقالية، مرجحاً بوجود حلول وطنية من خلال وفاق وطني يتجاوز المحنة والتي لا تتمثل في مكافحة الجائحة فقط، بل أيضاً الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولخص مختار الالتفاف الوطني في تعظيم دور السودانيين بالداخل والخارج والضغط على الأجهزة الأمنية والعسكرية بتمويل الفترة الانتقالية كون الحصة وطن، واتكأ مختار، على المكون السياسي السوداني بأطيافه كافة من أجل مخاطبة الأمم المتحدة بالضغط على واشنطن من أجل الرفع الفوري للعقوبات القائمة على أدراج البلاد ضمن قائمة الإرهاب حتى يتم إطلاق يد السودان لمجابهة افيروس القاتل باقتصاد حُر ومرن.

وقريباً ليس ببعيدٍ، يرى التقرير أن الحكومة السودانية الجديدة أظهرت استعدادها لإعادة بناء البلاد وتريد وكالات الإغاثة توسيع نطاقها، لكن كلاهما يفتقر إلى الدعم الدولي للتحرك الآن، فبعد أكثر من 30 عاماً مع حكومة قمعية، شرع السودان الآن في طريق السَّلام وحقوق الإنسان وجلبت ثورة يقودها المُواطن عام 2019، حكومة انتقالية تُشير إلى أنها على استعدادٍ لوضع الشعب السوداني في مقدمة اهتماماتها، وليس أدل على ذلك من عودة المجلس النرويجي للاجئين للعمل في السودان بدعوة من الحكومة الجديدة بعد أن كان واحدة من 13 منظمة غير حكومية طُردت من السودان على يد نظام الرئيس السابق البشير عام 2009م.

قوى جديدة

ووفقاً للتقرير، فإن العاملين في المجال الإنساني على استعداد لزيادة استجابة المساعدات بالسودان، ولكن هناك نقص مخيف في التمويل، إذ يُعد نداء السودان للمُساعدة للعام 2020 من بين أكبر النداءات في العالم، حيث يحتاج إلى 1.3 مليار دولار أمريكي لمُساعدة المُحتاجين، في وقت لم يتم فيه تمويل 13% من حجم الاحتياجات.. ويرى أن ثورة السودان بدأت من قبل الناس العاديين الذين يشكون من نقص الخبز.. اليوم يصطف الناس لساعاتٍ تحت شمس الصحراء لشراء الخبز.. إذا لم يشعر السودانيون بتحسُّن وضعهم، فقد تفشل الحكومة الانتقالية أو تتم الإطاحة بها، مما يدفع البلاد إلى الفوضى مرة أخرى. وحذّر ايقلاند من أن العالم سوف يندم بعد ذلك على تقاعسه عن مُساندة الحكومة الجديدة في السودان.
واتفق الخبير الاقتصادي والمُحاضر بجامعة المغتربين الدكتور محمد الناير مع القول بأن جائحة كورونا شغلت العالم عن التجربة السودانية، وقال لـ(الصيحة) إن فيروس كورونا اجتاح العالم أجمع وأصبحت الدول العظمى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا مُنهمكة في معالجة قضاياها، ومن المتوقع أن يغيِّر الوباء الخارطة الاقتصادية في العالم ويؤدي إلى بروز قوى اقتصادية جديدة واقتصاد عالمي جديد.

الجانب المُشرق

وفى ذات الاتجاه القائل برباط وطني للخروج من الأزمة الاقتصادية، يرى الناير أن على السودانيين الانكفاء على الداخل من خلال وضع برنامج وطني يعتمد على الموارد الذاتية وإجراء إحصاء لحجم السلع الموجودة، وسد النقص من السلع التي يمكن إنتاجها في الداخل مثل سلعة السكر مثلاً والتي يمكن زيادة إنتاجه وترشيد استهلاكه، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه أن يوفر 400 مليون دولار، ودعا الناير إلى استغلال الجوانب الإيجابية من الجائحة والتي برأيه تتمثل في انخفاض أسعار الذهب الأسود عالمياً، وقال إن سعر البرميل يلامس الـ20 دولاراً، الأمر الذي يُقلِّل فاتورة دعم المحروقات، ومن ثم يُقلِّل الضغط على الطلب للدولار، كما أنه يجعل السوق الداخلي مُهيأً لتقبُّل شراء الوقود بالسعر العالمي كونه منخفضاً أصلاً، إضافة لافتقار البلاد للدعم الخارجي كون الظرف وطنياً بحتاً. واستبعد الناير جدية المجتمع الدولي في دعم السودان، وقال: لا نريد من المجتمع الدولي سوى الضغط على واشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من أجل فك العزلة الاقتصادية، خَاصّةً وأن العقوبات تقوم على أسباب واهية وتمنع الانفتاح الاقتصادي.

تراخٍ دولي

وبنى الناير زهده في الدعم الدولي على قراءة تاريخ للموقف الدولي تجاه السودان، وقال: في الظروف العادية لم يف المجتمع الدولي بالتزامه بدعم السودان، ولنرجع قليلاً بالتاريخ إبان فترة انفصال دولة جنوب السودان، حيث تَعَهّدَ المُجتمع الدولي بخمسة مليارات دولار ضمن ما عُرف آنذاك بمبادرة (الجام)، ولم يُدفع منها دولارٌ واحدٌ، وعلينا أن نتعلم من تجارب الماضي، وفي الحاضر قَرّرَ أصدقاء السودان تقديم الدعم في مؤتمر الخرطوم الذي أُقيم في ديسمبر الماضي ثم أجلوا الدعم للمؤتمر الذي من المُفترض أن يُعقد في أبريل القادم والذي أجل بدون أسباب منطقية إلى يونيو، وهذا يعني قبل اندلاع فيروس كورونا، وعليه لا يُمكن الاعتماد على المجتمع الدولي. وانتقد الناير موازنة 2020 كونها تعتمد على الدعم الخارجي بنسبة 30%، وقال إن الميزانية غير حقيقية ومتضخمة وتعمتد على المجتمع الدولي، والذي تخسر دوله كل يوم مليارات الدولارات، كما أن الانخفاض العالمي لأسعار النفط يجعل العائد من صادرات نفط الجنوب قليلة ومحدودة، وأضاف: على مجلس الوزراء ووزير المالية العكوف لإعادة دراسة وتقييم الميزانية ومُراجعتها قبل انهيارها.

نوافذ الأمل
وتُعتبر الدعوة النرويجية واحدةً من الدعوات المُناشدة بالوقوف دولياً مع حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والتي تواجهه أوضاعٌ اقتصادية غاية في التعقيد، خَاصّةً بعد تنامي خطر فيروس كورونا، البنية التحتية الصحية المتهالكة، إذ اشترطت صحيفة “فورن بولسي الامريكية”، دعم الحكومات الغربية للحكومة الانتقالية السودانية للحفاظ على التحوُّل الديمقراطي، وقالت الصحيفة إن السودان فتح نافذة للأمل، وعلى الغرب أن لا يغلقها. وأضافت: بالرغم من نجاح عملية التحوُّل الديمقراطي في البلاد، فإن غياب الدعم الدولي سيؤدي إلى انهيارها. مُحذِّرةً من أن يؤدي تأخُّر العالم في الاستجابة للأزمة الاقتصادية بالسودان إلى إجهاض الديمقراطية في مهدها. وقالت الصحيفة إن الجهات المانحة تحجم عن المُساعدة انتظاراً لتوضيح قادة الحكومة الانتقالية استراتيجيتها الاقتصادية وخَاصّةً المُتعلِّقة برفع الدعم عن الخبز والوقود، بالرغم من رفض بعض القوى السياسية والشعبية للخطوة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى