Site icon صحيفة الصيحة

أتعس اللحظات

 

لكل إنسان مزاجه الذي يصعد به . هو حصيلة تجارب ومشاهدات وشعلة غرائز . تلك ما تشكل اللحظات السعيدة فتصفو وتشف وتحلق وتشتعل . تتكرر عدة مرات في اليوم في قراءة مقال أو سماع أغنية أو رؤية وجه جميل او استنشاق رائحة الحلو مر تنسل من المنازل قبيل رمضان أو مطالعة قصيدة لدرويش او بزيع حسن طلب أو عالم عباس أو مشاهدة حلقة حوارية لعفراء فتح الرحمن ويتكامل هذا المزاج العبق كلما رنا محمد عثمان إبراهيم فتطرب وتضحك وتضج وتتئد.

للجمال مكنونات وللامزجة حبال سرية مربوطة بذلك الحبل السري الذي ينطوي عليه الجمال.

غير أن هذا البهاء تقابله تعاسة ذات طعم حارق تقطع وصل تلك الهنيهات العذبة أعدد منها لحظة يوقد كابتن الطائرة مؤشر ربط الحزام إيذانا ببدء المطبات الجوية وأنت بين الأرض والسماء في رحلة طويلة يجاورك فيها رجل ثقيل أو امرأة مسنة لا يتحدث أي منهما لغتك فتظل طوال مدى المطب الجوي تترجرج وحدك وتهتز دون أنيس .تلك واحدة من أتعس اللحظات التي تمر بي كل عام حين تتوسط الطائرة المحيط الأطلسي فأظل أتخلخل حتى بلوغ اليابسة.

ومن السع اللحظات التعيسة تلك الزيارات التي تتم بلا موعد متفق عليه .حدث لي ذلك يوم أول من أمس فقد فتحت عيني على أحد أقربائي داخل منزلي وأنا أتهيأ لقراءة تحليل كتبه هربرت ماركوز حول استحالة قيام ثورة اجتماعية في البلدان الرأسمالية الكبرى معللاً ذلك بأن عالم الحضارة الصناعية المتقدمة هو عالم استبدادي يملك القدرة على وأد أي محاولة لمعارضته وله قدرة تذويب ودمج القوى الاجتماعية بل أيضاً على استنفار جميع طاقات الإنسان الجسدية والروحية بما يجعل الإنسان يستغنى عن الحرية بوهم الحرية .

على حواف هذا العصف الشجي جاءت زيارة قريبي الذي لا يجيد التحدث إلا بلهجة الشايقية فتركت ماركوز والمجتمع الصناعي واصطحبته لسوق تنقاسي بعد أن أعددت الطعام والشاي  ولم أجد ما يستحق السؤال عنه غير سؤالي (انت ما لو بصل السني دي حااار?)

مثل هذه اللحظات التعيسة تسبب لي نوعاً من الحموضة خاصة حين يتفوه السياسيون بعباراتهم المحفوظة وينشرون غازات عباراتهم السامة. ويصيبني أيضاً غثيان وملل حين  أشاهد بعض القنوات العربية تلوي الأحداث لتسبح بحمد راعيها على أن أكثر اللحظات تعاسة حين يقفز رونالدو بعد إحرازه هدفاً و (يلوي خشمه).

ومن أتعس اللحظات قاطبة مطالعتي لبعض آراء ناشطي المواقع الإلكترونية وتلك الحصانة الوطنية التي يلفون بها فكرة خائرة ويحاولون بيعها في سوق الخزعبلات.

 

Exit mobile version