استقالة مريم… تحريك البركة الساكنة!

 

تقرير / نجدة بشارة

حينما  أعلنت الحكومة عن تشكيل آلية اقتصادية لدراسة الوضع الاقتصادي وإيجاد الحلول للأزمة، تصاعدت وتيرة التفاؤل لدى الشارع السوداني، ومدوا الصبر حبالاً متطاولة. ولأن الرياح السياسية دائماً تأتي بما لا تشتهي القرارات الاقتصادية في البلاد، بدأت الصراعات مبكراً تدب داخل الآلية حديثة التكوين منذ اليوم الثاني لإعلانها، حتى إن رئيس الآلية (حميدتي) اعتذار عن الاستمرار في إدارتها، وأفسح مقعده لرئيس مجلس الوزراء (حمدوك)، لقيادة الآلية، والآن وبعد مرور عشرة أيام طفت  الخلافات مجدداً على السطح، وعلى نحو مفاجئ، دفعت مقرر الآلية الاقتصادية العليا نائب رئيس حزب الأمة مريم الصادق المهدي باستقالة مسببة من الآلية وعزت ذلك لغياب المنهج في دولاب عمل الدولة, وغياب روح الفريق، وضعف القدرة على القرارات، وتساءل متابعون هل هزمت السياسة عمل الآلية الاقتصادية؟

ما وراء الاستقالة

غادرت مريم الآلية… ولكن بعد أن كشفت عن حقيقة السراب الذي ظنه الشعب السوداني الماء، ونعت  في بيان لها (الآلية)  التي لم يمض على تكوينها أكثر من عشرة أيام فقط، موضحة الخطوات التي تم الاتفاق عليها داخل اللجنة والعثرات التي واجهتها في سبيل حل الأزمات الراهنة، وقالت: الآن وبعد مضي عشرة أيام وسط صمت غريب من الأطراف الثلاثة، تعيش اللجنة حالة موت سريري، ولا تستطيع تقديم شيء مع غياب المنهجية، وأضافت: أعلن انسحابي من عضوية تلك اللجنة، والتكليف بأن أكون مقررة لها؛ فلست ممن يتسمون بمواقع لا عمل وطني فيه ولا خدمة لـهلي أقدمها عبره، ولكي لا أكون شريكة في أي خداع أو تسويف للشعب السوداني الأبي.

ما يجري داخل الآلية؟

وحسب متابعين فإن بيان الاستقالة كشف المزيد من الصراعات السياسية التي تجري داخل حوش الحكومة بين المكونين السيادي والمدني من جهة، والمدني والعسكري من جهة أخرى، إضافة إلى مكون قوى الحرية والتغيير كلاعب أساسي، وهنالك آثار الدولة العميقة، ولعل التجمع الاتحادي في بيان له اتهم عسكريين في مجلس السيادة ودوائر في السلطة بعرقلة الدولة لأي تقدم سياسي للحكومة واتهموا تياراً لم يسموه بمساندتهم، ويعد التجمع الاتحادي أبرز أحزاب تحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم، وكشفت مريم أن الحاضنة السياسية ممثلة في المجلس المركزي تقرر قرار مثلًا  بصورة جماعية شفافة في اجتماع رسمي ثم يبدأ أفراد منها في الهجوم على القرار الجماعي الذي شاركوا هم أنفسهم أو ممثلو مكوناتهم في صنعه، وأشارت إلى التردد بشأن الشراكة الثلاثية ودور المكون العسكري فيه، خاصة دور الدعم السريع والذي ما زال الأساس الذي يحكم هذه الشراكة.
وتحدثت عن العقلية المعارضة في العمل السياسي التي تظهر في طريقة تفكير قيادات قحت وهي عوامل ذاتية أشد مضاء وتأثيرًا في التسبب في البطء في اتخاذ القرارات وفي تنفيذها بأكثر مما يؤثر به وجود الدولة العميقة أو مؤامرات داخلية أو خارجية، وأوضحت أنه في اجتماع ثلاثي انعقد يوم 10 مارس أبلغوا  بواسطة السيد رئيس مجلس السيادة بتحويل رئاسة الآلية لـ (رئيس مجلس الوزراء)،  ولم تعقد الآلية اجتماعاً أو تصدر قراراً بعده.

صراعات سياسية

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة د. محمد المهدي حسن لـ(الصيحة): كان الأفيد للآلية استمرار الفريق حميدتي في رئاستها، ولكن هنالك قوة داخل الآلية لم يسمها  حاولت مهاجمته، فقرر الانسحاب وآلت رئاسة الآلية لرئيس مجلس الوزراء، وربما كان حديث مريم واضحاً أن الآلية لم تجتمع منذ أيلولة رئاستها لحمدوك، ويبين ذلك حسب متابعين حقيقة ما يجري من صراعات سياسية داخل الآلية، لكن المهدي فسر عدم متابعة عمل الآلية نسبة للمسئوليات الكبيرة الملقاة على عاتق رئيس الوزراء، مقارنة بحميدتي الذي كان يمكن أن يقدم الكثير للآلية، وقال: الآلية كفكرة تعد جيدة وهي طريقة إسعافية عاجلة، ويمكن أن تكون لها القدرة على إيجاد الحلول  للمشاكل الاقتصادية ولكن يبدو أن التقاطعات السياسية في بداية عمل الآلية أثرت على الاستمرار.

تقاطعات

المحلل السياسي د. عبد الرحمن أبوخريس يرى في حديثه لـ(الصيحة) أن الأزمة في الأصل لم تكن اقتصادية فقط، لذلك جاءت الآلية في شكل أبعاد سياسية، إلا أن عدم استمرارها على البرنامج المطروح ربما يعود إلى أن الحكومة فشلت في معالجة الأزمة وفي الإدارة وإنتاج برامج وسياسات إقتصادية مبتكرة لمعالجة الأزمة، وقال إن تكوين هذه الآلية في الأساس  دليل على أنها فقدت السيطرة والبوصلة، وقال: كل مكون اللجنة سياسيون، وبديهي أن تحدث تقاطعات داخل هذه اللجنة مجدداً، والأمر متوقع إذا أخذنا في الاعتبار الآن أن الحرية والتغيير رافضة اللجوء إلى روشتة صندوق النقد الدولي وهو ما يؤيده البرهان ووزير المالية، فيما تضع الحرية والتغيير بنوداً لتطمين الشارع السوداني وليس حلولاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى