Site icon صحيفة الصيحة

شُكْرَاً لـ”كورونا”..!!

 

:: وفي الخَاطِر، قبل الثورة بأشهرٍ، وكانت حمى الشيكونغونيا تجتاح شرق السودان، كانت جهة ما تَصرف عُقُول الناس عن الوباء، وتشغلها بوسيلة إلهاءٍ سَالبةٍ مُسمّاة بقضية (وئام شوقي).. وللأسف، وجدت الجهة في خُطب المساجد ضالتها، وبها نجحت في إلهاء الناس عن الحُمى.. وهكذا كان نهج شُيُوخ السُّلطان، إذ كان حالهم كأهل العراق الذين سألوا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن قتل البعوض للمُحرم، وتناسوا أنّهم استباحوا دم الحسين عليه السلام في الشهر الحرام..!!

:: والمُهِم.. كُنت قَد كَتبت عن إدارة الحكومة لأزمة “كورونا”، وقلت – فيما قلت – بأنّ ما يُميِّز إدارة الحكومة لهذه الأزمة هو تجانُس الأجهزة والمُؤسّسات فيما بينها.. صَحيحٌ أداء وزارة الصحة في فحص الحالات ورصدها وعزلها (دُون الطموح)، ولكن تجانُس أجهزة الدولة، في إصدار القرارات الوقائية، من الإيجابيات.. وقد أحسن وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح عملاً، بنصح الأئمة بتقصير الوقت بين الأذان والإقامة، وبالتقصير في الصلوات والإيجاز في الخُطب، وهذا ما حَدَثَ في مُعظم المساجد..!!

:: ثم في الجمعة الفائتة، رصدنا الخُطب، إن كانت تُخاطب المُصلِّين بالأزمة التي تُؤرِّق مضاجع الشعوب – بما فيها شعبنا – بوعي ومسؤوليةٍ، أم هي – كالعادة – خُطب سَجعٍ وإلهَاءٍ وجالبة للنعاس وتَعرض (برّه الحَلَقَة)؟.. وكان حصاد الرصد، والحمد لله على ذلك، خُطباً واعية ومسؤولة، وناقدة للمُجتمع والحكومة (معاً).. وبمسجدنا، عندما اعتلى الخطيب المنبر، تذكّرت دعوة رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير، وكان قد دَعَا الأطباء لإمامة صلاة الجمعة وتخصيص الخُطب عن كورونا وسُبُل الوقاية..!!

:: (سيكون من المُفيد استغلال المنابر الدينية لدعم جُهُود مُواجهة كورونا، ومن المُمكن أن يؤم صلاة الجمعة أطباء مُتخصِّصون، أو تزويد الأئمة الراتبين بالمعلومات، للقيام بالتوعية بطبيعة الوباء وسُبُل الوقاية)، هكذا كانت مُناشدة الدقير، واستجابت المنابر، وأحسن الشيوخ.. شُكراً لـ”كورونا”، فالناس كانوا بحاجةٍ إلى خُطب تخاطب آلامهم وآمالهم بوعي ومسؤوليةٍ.. وإن كان استغلال المنابر لغير ضالتها من مفاسد المرحلة الفائتة، فمن أولويات المرحلة، يجب أن تكون خُطب المساجد نبراساً للوعي ودليلاً للمعرفة..!!

:: ومن الظواهر الإيجابية، بأكثر من ولايةٍ، يجتهد الصيادلة والتّقنيون والطلاب في تَحضير (مُعقّم اليدين)، لِسَد النّقص الحَاد في المُعقّمات الواقية.. لقد نفدت المُعقّمات والمُطّهرات من الصيدليات في ليلة الإعلان عن حالة إصابة.. رُبّ ضارةٍ نافعة، فالشاهد أنّ حرص الأُسر على شراء المُعقّمات والمُطّهرات بذات حرصها على الطعام والشراب، وهذا ما لم يكن مألوفاً من قبل كورونا.. وكذلك ارتداء الكمّامات في الزحام، وغسل اليدين بين الحين والآخر، وبعد المُصافحة و.. و.. شُكراً لـ”كورونا”، بالخوف منها نكاد أن نصبح مُجتمعاً مثالياً في النظافة، وما كُنّا كذلك..!!

:: في الخاطر، عندما تفشّت الكوليرا في ذات خريف، وكانت الفلول يسمُّونها بالإسهالات المائية، نشرت الصحف محاذير شاكلة ممنوع تناوُل الأطعمة المُلوّثة من الباعة الجائلين.. احرصوا على غسل الأيدي قبل وبعد الأكل، ثُمّ بعد قضاء الحاجة.. ممنوع غسل العربات على أرصفة الطُّرق.. ممنوع فتح محلات التُّمباك بقُرب المطاعم والكافتيريات.. وممنوع التبوُّل في الطُرقات والأسواق.. و.. و.. بغيرها من محاذير القرون الوسطى التي فرضتها كورونا على المُجتمع..!!

Exit mobile version