Site icon صحيفة الصيحة

المُتفجِّرات.. صناعة الموت!!

 

 الخرطوم : نجدة بشارة

ولأنّ مُجرّد الحديث عن المُتفجِّرات في السابق كان يقود للتفكير المُباشر في العمليات الإرهابية والخلايا المُنظّمة وينحصر عليها، إلا أنّ حادثة مُحاولة اغتيال رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك، أظهرت خبايا وخفايا عن وجود هذه المواد الغامضة، وعن إمكانية صناعتها في السودان رغم حساسيتها وخُطورتها، إضافةً إلى أنّ الحدث أظهر حالة السيولة الأمنية، وكشف ظهر البلاد، في ظل وجود مثل هذه الأسلحة الفتّاكة، مِمّا يتطلّب بالضرورة مزيداً من الإجراءات الاحترازية العاجلة من قِبل الحكومة حتى لا تتطوّر مثل هذه الأساليب في المُستقبل وتصبح مُتاحة للعامة، خَاصّةً وأنّ صناعة المُتفجِّرات تُعتبر مُقيّدة للجهات الأمنية بالدولة ولا يسمح بتداوُلها لدى العامة.

تَساؤلات مُهمّة

وكانت الشرطة قد كشفت في نتائج التحقيق الأولية، أنّ التفجير الذي استهدف حمدوك، نتج عن عبوة مُتفجِّرة محلية الصنع زنة 750 غراماً، تم زرعها على جانب الطريق.

وقال المُتحدِّث باسم قوات الشرطة، اللواء عمر عبد الماجد، في بيان، أن العبوة “مصنوعة محلياً ومُكوّنة من مادة أزيد الرصاص شديدة الحساسية، وأنّها انفجرت أثناء مرور موكب حمدوك في العاصمة الخرطوم، مُتوجِّهاً إلى مقر مجلس الوزراء”، وتابع: “المادة المُتفجِّرة خلّفت في مركز الانفجار حفرة بطول 90 سم وعرض 65 سم وعُمق 25 سم”، وتساءل مُتابعون عن حقيقة هذه المُتفجِّرات وهل هي مصنوعة من مواد محلية وخامها متوفر؟ وهل تحتاج إلى تكنولوجيا وتقنية مُتطوِّرة أم يُمكن تكوينها من مواد محلية ومُتوفّرة بالأسواق؟ وهل هنالك قيود ومحاذير وقوانين تقنن صناعتها في السودان؟ كل هذه الأسئلة والاستفسارات نجيب عليها في هذا التقرير:

ما وراء الحدث

وحسب محللين، فإنّ حادثة المُتفجِّرات لم تكن الأولى، وسبق وأن تم ضبط شبكة إجرامية تضم أجانب، يقوم أفرادها بتصنيع عبوات مُتفجِّرة في شرق النيل منتصف فبراير المُنصرم، وأوضحت الشرطة في تصريحات لها أن هذه العملية الاحترافية التي قامت بها مباحث ولاية الخرطوم، أدّت إلى القبض على أحد المُتّهمين، وضبط كميات كبيرة من مواد كيميائية خام، وأدوات تُستعمل في العمليات الأولية لصناعة المُتفجِّرات، وأن المضبوطات تمّ تحريزها وإخضاعها للفحص والتصنيف بواسطة الإدارة العامة للأدلة الجنائية، فيما سيتم التحرِّي والتحقيق بواسطة فرقٍ مُتخصِّصة، وذكرت أنّ المُتّهم أقرّ بتلقِّيه تدريبات على صناعة وتركيب المُتفجِّرات، وإرساله وبقية أعضاء الشبكة إلى السودان عن طريق التهريب بجوازات سفر مُزوّرة، وأكّدت التقارير الأولية للمُحاولة الفاشلة لاغتيال حمدوك، أنّ المُتفجِّرات التي ضُبطت بموقع التفجير مُشابهة للتفجيرات التي ضُبطت في السابق بخلية شرق النيل، مِمّا يُشير إلى أنّ الجُناة ربما لهم علاقة بالخلية السابقة.

 ماهية المُتفجِّرات!

المُتفجِّرات هي عبارة عن ردة فعل لمادة تحتوي على طاقة انفجار كبيرة

يُمكن أن تصدر انفجاراً إذا صدرت فجأةً، وغالباً يُرافقها إنتاج لضوء، والعبوة الناسفة تُقاس بكمية المواد المُتفجِّرة داخلها، وضغط الطاقة الكامنة الموجودة في المواد المُتفجِّرة، ونجد أنّ فكرة الانفجار بسيطة جداً وتعتمد على تمدد هائلٍ ومُفاجئ، والمُتفجِّرات أو المُفرقعات مواد لها القدرة على إحداث ضغط، وتشغل الغازات في لحظة الانفجار لتشغل نفس الحيِّز الذي كانت تشغله المادة الأصلية، ولكن حرارة الانفجار تسبِّب تمدُّدها ويصبح التمدُّد هائلاً بالنسبة للوعاء الحاوي للغازات المُتولِّدة فجأةً فينفجر.

وقال خبير المُتفجِّرات والذي رفض الإفصاح عن اسمه لـ(الصيحة)، إن المُتفجِّرات عبارة عن مسحوقٍ من مواد كيميائية مُتَطايرة، يُمكن تعبئتها في مقادير مُحدّدة، وقال إنّ هذه المُتفجِّرات يُمكن استخدامها في أغراض عسكرية أو مدنية، مدنية كشق الصخور والأنفاق، وقال إنّ هُنالك عدة مركبات تستخدم في الانفجارات مثل مركب نترات الألمونيوم وهي ذات سرعة عالية تصل إلى 2500 – 2700 متر/الثانية، وهذا المركب غير مُتوفّر كثيراً، وهنالك المركب أزيد الرصاص وتبلغ سرعته الانفجارية 4500 متر/الثانية وهو الذي استخدم في العبوة التي اُستخدمت في المحاولة الفاشلة، ثم البارود الأسود الذي يبلغ سرعته الانفجارية 300 – 400 متر/الثانية، أما المركب سي فور وهو من أقوى المركبات وله قوة انفجارية عالية ويصل الى 8000 متر/الثانية، ولكن لا يوجد في السودان.

مُقيّدة بضوابط

قال الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق محمد بشير سليمان، إن المُتفجِّرات كموادٍ، موجودة بكثافة ومُتوفِّرة في السودان لتعدُّد استخداماتها في الحفريات والجيولوجيا.. ولكن يفترض أن تكون الجهة الوحيدة المُصدّق لها والمُتاح لها التعامُل بها هي القوات المسلحة، وقال لـ(الصيحة) إنّ استخدام المُتفجِّرات مُقيّدة بإجراءات وضوابط مُشدّدة، لكن هذا لا يمنع تداوُلها بصُورة غير رسمية، ولكن تحتاج إلى خُبراء وفنيين في مجال تركيب هذه المركبات، وقال إنّ مثل هؤلاء الخبراء محدودون في السودان ومعروفون مِمّا يشي بتدخُّل خُبراء أجانب ربما قاموا بتركيب العُبوة التي اُستخدمت في مُحاولة الاغتيال، وأشار إلى أنّ العبوة التي اُستخدمت في المُحاولة ذات قُطر صغير ويُمكن صناعتها في المنزل دُون تعقيدٍ.

مصادر خارجية

وأفاد بشير بأنّ قُدرات تصنيع المُتفجِّرات قد تَطوّرت بشكلٍ كبيرٍ في الدول العربية، وهو ما تجلّى في الكميات الكبيرة من المواد المُتفجِّرة التي تُستخدم  في العمليات الإرهابية، وأردف بأن المُكوِّنات الأساسية التي تدخل في عمليات التصنيع والتركيب قد يتحصّلون عليها من مصادر خارجية، كما أنّها مواد موجودة في الألغام الحربية، وقال إنّ السودان حدوده واسعة ومفتوحة، وبالتالي يُمكن أن يتم جلب هذه المواد، وأردف بأن عمليات التدريب على هذه المُتفجِّرات سهلة وغير مُعقّدة ومُتاحة، ويرى بشير أن السودان مُؤخّراً بات مخزناً للأسلحة والمُتفجِّرات، وعلى الجهات المُختصة أن تصدر قرارات بتشديد الضوابط على المواد التي يُمكن استخدامها لصنع مُتفجِّرات، كمادة أزيد الرصاص وما قد يتعيّن عليهم مُلاحظته في السلوك المُريب لأيِّ شخصٍ يشتري كميات كبيرة من تلك المواد.

سَهلة الصُّنع

من جانبه، يرى الخبير الاستراتيجي اللواء د. محمد عباس الأمين، أن تركيب المُتفجِّرات وصناعتها لا تحتاج لتكنولوجيا أو تقنيات مُتطوِّرة، ويُمكن صناعتها وتركيبها داخل المنازل العادية، وقال لـ(الصيحة)، إنّ المواد الخام المُستخدمة في هذه التركيبات مُتوفِّرة بصورة كبيرة في الأسواق المحلية، وأردف: لكن المحك في الخبرة أو التدريب على التركيب، لأنّ أي خطأ سيتسبّب في أذية من يقوم بالتركيب، وربما هذا ما حدث في وقتٍ سابقٍ عندما انفجرت عبوة ناسفة لشخص يقوم بتركيبها في شقة بالخرطوم، مما أدّت إلى إصابته إصابات طفيفة، لذلك هذه المُتفجِّرات تحتاج إلى الدقة في ضبط المقادير وتوقيت تَفجير العُبوة، وما حدث في مُحاولة الاغتيال أن المُتفجِّر لم يصب عربة حمدوك بدقة ربما لقلة خبرة ومهارة من قاموا بالعملية..!
بلا شك السودان بلد عسكري بثوبٍ مدني.. فبلادنا كانت تنعم بالشق الأهلي في إدارتها للبلاد بصُورة كبيرة، ولم يكن السلاح فيها إلا لضرورات الحماية على المُستوى الشخصي وحماية المُمتلكات، وما نتج عن تلك النزاعات الأهلية من حُرُوباتٍ، دعت لزيادة الغِلّة من التّسلُّح والعتاد العَسكري، وكانت هذه الزيادة في أوجها بمجئ نظام البشير، الذي اتّسمت فترته بالبطش العسكري وتبني الحروبات الأهلية، ما استدعى جنوح قواته لاستخدام أسلحة غير مُعتادة، والغالب في أمرها أنها استيراد خارجي بمُواصفات مُعيّنة لتحقيق الغلبة في نزاعات نظامه مع مُواجهيه من الحركات المُسلّحة في بقاع السودان المختلفة.. فكانت تلك الترتيبات هي قاصمة ظهر نظام البشير وحكومته خارجياً وداخلياً، بحيث أنها صُنِّفت حكومة داعمة للإرهاب واستدعى ذلك مطالبة المحكمة الجنائية برؤوس ذلك النظام.

محظورة ومُتوفّرة

الخبير الاستراتيجي الفريق ركن عثمان بليه، قال إنّ المُتفجِّرات أصبحت مُتوفّرة في السودان بصورةٍ كبيرةٍ ومُنتشرة، إلا أنّه أوضح لـ(الصيحة) أنّها محظورة في تداوُلها واستخدامها ما عدا في الأبحاث العلمية التي يقوم بها طُلاب الجامعات، أو الأبحاث الجيوّلوجية، وقال إنّ القوانين تمنع استخدامها وتداوُلها خارج هذه الأُطر، وأردف بأنّها من المواد المحظورة الاستخدام، وبسؤاله عن المواد التي يتركّب منها هذه المُتفجِّرات، أوضح أنه ليست لديه معلومة مُؤكّدة.

 

Exit mobile version