Site icon صحيفة الصيحة

التنازُلات في جوبا.. الطريق إلى السلام

 

تقرير: صلاح مختار

عندما وصف رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بأنه أعظم من نيلسون مانديلا في نظر الكثيرين، معتبراً إياه أخاً وصديقاً ومحارباً وزعيماً، أرجع البعض تلك الصفات لموقفه من قضية السلام في الدولتين، ربما البعض يرى أن موقفه يرجع لإحساسه العميق بأن السلام في الجنوب هو امتداد طبيعي للسلام في السودان والعكس، ويدرك أن الوصول إلى سلام يحتاج إلى مواقف شجاعة لجميع الأطراف في تقديم التنازلات والابتعاد عن الصغائر.

لذلك ليس غريباً أن يقول سلفاكير إنه استمع إلى نصيحة (حميدتي) وجعلته ينسى كل الآلام ومرارات الحرب الماضية وتقديم كل التنازلات لإكمال عملية السلام والتوقيع النهائي، وقد جسدها في معانقته لعدوه اللدود رياك مشار. وقال إن المعانقة كانت بين الجنوبيين حلماً، وحميدتي ساهم في تحقيقه، ويستحق تمثالاً باسمه في جوبا.

بالتالي تقديم التنازلات وفقاً لحميدتي ومطالبته المستمرة للأطراف السودانية بذلك ستكون معبراً نحو السلام، ولتجاوز ضرورات المرحلة، لابد من اتفاق كل الكتل على ذلك وتمريره لتحقيق السلام. في وقت أشارت فيه أطراف مسؤولة إلى أن السلام بات وشيكاً مع فصيل الشعبية جناح عقار، فهل ستتحول هذه الوتيرة لبقية الحركات الأخرى، أم إن هناك من يرى بغير مفهوم التنازل كضرورة للوصول لتلك المرحلة؟.

تجاوز الصغائر

وكان حميدتي قد دَعَا الجميع لتجاوُز الصغائر وتقديم التنازُلات من أجل الشعب الذي ينتظر السلام، وحث أطراف التفاوُض بتسريع الخُطى للتّوصُّل إلى اتفاق سلام يُزيل حالة الجُمُود التي تُعاني منها البلاد. وأوضح  أنّه جاء لمتابعة مسيرة السلام بالسودان ودولة الجنوب لارتباط المسارين ببعضهما، وقال إنّه ظَلّ يُتابع عن كَثبٍ سير مُفاوضات السَّلام بين وفد الحكومة وحركات الكفاح المُسلّح، ودعا لتسريع الخُطى لتحقيق السلام، وأضاف بأنّ الكَثير من استحقاقات الفترة الانتقالية تَنتظر تَوقيع اتفاق سلامٍ بين الأطراف السُّودانية، ونوّه لقضية تعيين الولاة المدنيين والمجلس التشريعي، وأكّد أنّ سلام جنوب السودان يَسير بصُورةٍ طيبةٍ.

اتفاق نهائي

وتوقع عضو الوفد الحكومي من جوبا، عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول شمس الدين كباشي الوصول إلى  اتفاق سلام نهائي مع الحركة الشعبية شمال، بقيادة مالك عقار، خلال أسبوع، وأوضح كباشي أنه تم خلال المباحثات مراجعة الورقتين السياسية والأمنية للاتفاق الإطاري. فيما قال نائب رئيس الحركة الشعبية، ياسر عرمان، إن الطرفين على أعتاب اتفاق نهائي. وأضاف عرمان أن الطرفين ناقشا كيفية إنشاء عقيدة عسكرية جديدة تشمل الجميع، بجانب تمثيل الجبهة الثورية في السلطة بجميع الولايات والعاصمة، لمساعدتها على التطور كمكون سياسي”.

دفعة قوية

تلك التنازلات التي دعا لها حميدتي شدد عليها رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، على وفد الحكومة والحركات المسلحة، وقال تقديم (تنازلات) من أجل التوصل إلى سلام سيمثّل (دفعة) قوية للجارة الجنوبية التي تقترب من تشكيل حكومتها الانتقالية. وقال سلفاكير موجها حديثه إلى الأطراف السودانية: (أناشدكم التفاوض بنية حسنة، مع ضرورة تقديم بعض التنازلات من أجل التوصل لسلام واستقرار في السودان والإقليم ككل). واعتبر أن تحقيق السلام بالجارة الشمالية “سيمثل دفعة كبيرة بالنسبة لنا في (دولة) جنوب السودان، خصوصاً أننا نقترب من تكوين (تشكيل) الحكومة الانتقالية”. وتابع: “رغبتنا هي أن يتحقق سلام داخلي في البلدين، وأن يكون هناك تعايش بين مواطني الدولتين” وأردف: “تجربتنا تظهر أنه لا يمكن لأي طرف أن يكسب المعركة عبر فوهة البندقية، وإنما عن طريق الحوار السياسي والتفاوض والتسويات التي تقود لحل جميع النزاعات.

طبيعة وفاقية

ويرى المحلل السياسي البروفسير الفاتح محجوب لـ(الصيحة) أن (حميدتي) يتمتع بصفات وفاقية أهلته أن ينهي أزمة الصراع في دولة الجنوب، وقال بنفس تلك الصفات الوفاقية كان له دور في إنهاء الأزمة بين العسكريين والمدنيين التي سبقت التوقيع على الوثيقة الدستورية، وبالتالي فطبعيته الوفاقية تؤهله أن يلعب دوراً كبيراً في جوبا، لأنه رجل يساعد في إنهاء الصراع. واعتبر من الطبيعي أن يطلب من أطراف التفاوض تقديم تنازلات بحسبان أن التفاوض ليس مع عقار وعرمان لجهة أن مطالبهما سياسية ومحاصصة سياسية، وإنما مع بقية الحركات المسلحة مثل حركة الحلو لأن لديها إشكالية بجانب حركة عبد الواحد نور، ولذلك لابد من الحديث عن التنازلات .

فرقعة إعلامية

بيد أن محجوب رأى أن الحديث عن التنازلات موجه في الأساس لوفد الحلو وعبد الواحد نور لأنهما على الأرض لهم وجود, أما بقية الحركات عدا حركة العدل والمساواة ومناوي التي لها وجود في ليبيا والجنوب، فإن بقية الحركات هي (فرقعة إعلامية)، وأكد أن وجود الحلو وعبد الواحد نور مؤثر في جنوب كردفان، ولا يمكن ضمان إحلال السلام دون التوصل معهما إلى اتفاق سلام، وبالتالي لا يمكن الحديث عن السلام بدونهما, وبما أن حركة عبد الواحد ترفض التفاوض، فإن القرار موجه في الأساس إلى حركة الحلو رغم أنها انسحبت إلا أن وفدها عاد ولا زال التفاوض معلقاً، ولكن بقية الحركات فإنها على وشك التوقيع على اتفاق سلام.

رؤية محددة

حجر الزاوية في منبر جوبا كما يراه بعض المحللين، وجود نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي يتمتع بقبول من كافة الأطراف، ويستطيع بذلك إحداث اختراق في كل الملفات, وقال المحلل السياسي أبوبكر آدم لـ(الصيحة)، إن حميدتي بطريقته الواضحة والمباشرة في التعاطي مع كل أطراف التفاوض وصراحته المعهودة، وجدت قبولاً من الحركات المسلحة التي ترى أنه الرجل المناسب الذي يمكن أن تطمئن إليه وتثق فيه لتحقيق مقاصدها وتطلعاتها، وقال: ربما تلك الخاصية لا يتمتع بها الشريك الآخر في قوى التغيير، مشيراً إلى تصريحات بعض الحركات التي عبّرت عن ثقتها في قيادة حميدتي لملف التفاوض, مما يجعل منه شخصية مناسبة للوصول إلى اتفاق سلام بين الفرقاء ليس فقط بين حركات الكفاح المسلح، وإنما بين أطراف الصراع في دولة الجنوب.

وقال: طلب حميدتي بالتنازلات هذه حقيقة تمتعه برؤية واضحة بأن السلام ليس فيه منتصر وإنما الجميع كسبان, ولإنجازه لابد من الأطراف المتفاوضة أن تقدم التنازلات والابتعاد عن المصالح الشخصية والارتفاع لمستوى المسؤولية الوطنية.

 

Exit mobile version