(فطومة).. رواية جديدة عن زواج القاصرات

للكاتب السوداني الشاب مهند رحمة

رؤية نقدية: محمد جادين

“فطومة” رواية جديدة للكاتب السوداني الشاب مُهند رحمة، جديرة بالقراءة والتوقف في محطتها، حتماً هي إضافة لا خصم في سفر الروايات السودانية، وإن كانت حولها العديد من المُلاحظات في بنية النص والسرد، تبدو منطقية لتجربة كاتب في بداية مشواره، أتت الرواية في “186” صفحة من الحجم المتوسط، في طبعة أنيقة صدرت عن دار “أوراق” بالقاهرة.

غلاف

غلاف الرواية للمُصمم الفنان “أحمد بلال”، ومنذ الوهلة الأولى يأخذك بحميمية إلى بيئة أبطال القصة، حيث يُصور الغلاف فتاة ريفية بفستان “الزفاف”  بشعر مفرود تحمل “دمية” صغيرة في يدها اليُمنى في إشارة ومفارقة ذكية  في آن واحد لطفولتها المسلوبة بـ “الزفاف الأبيض” رمز الفرح “المغتصب”، صورة الغلاف وحدها تصور مشكلة اجتماعية مُزمنة يُعاني منها معظم الريف السوداني “زواج القاصرات” والمعروف في الأوساط المستنيرة بـ “زواج الطفلات”، وهي قضية حاول الراوي أن يُناقشها بجرأة واضحة من خلال شخوص الرواية وأحداثها ليعكس مأساة وقضية شغلت الرأي العام السوداني والمحيط الإقليمي وما زالت.

 

بدأت الرواية كالمُعتاد بالإهداء وخص به الكاتب “الدكتور أحمد خالد توفيق” الذي  نصبه الراوي عرّابه وأبيه الروحي في عالم الكتابة.

وعلى غير المُعتاد بدأت  الرواية بتمهيد من الكاتب “مهند رحمة” متحدثاً عن روايته وكيف كانت لحظات مخاضها قبيل أن يُسمي بطلة الرواية “فطومة”، وهنا حاول الكاتب أن “يستجدي” القارئ للتعرف على المناخ النفسي لأبطال الرواية قبيل أن يُفصح عنهم، وكان من الأجدى أن يترك المساحة والحرية لشخوصه تتحدث عن نفسها داخل النص السردي يفتح المساحة للقارئ وحده يتعرف على أبطال الرواية دون محاولة خلق “إلفة” لشخوص كان من الأفضل أن يترك عُنصر المفاجأة والتشويق يقود القارئ لأبطال “فطومة” وبيئة القرية دون الحاجة لتمهيد واستدعاء الشاعر “المُتنبي” للاستشهاد بأبياته عن ذهاب العقل والجنون، ودون الحاجة أيضاً لآراء الفلاسفة وعلماء النفس للحديث عن النفس وصراعاتها وفكرة الموت والمجهول

واللا يقين.

تمهيد

بهذا التمهيد زرع الكاتب مساحة طويلة بينه والقارئ وشخوص الرواية وأحداثها كانت خصماً على المُباغتة والتشويق.

وواصل “مهند رحمة” ظاهرة “النفس الطويل” بمُقدمة أخرى في الصفحة الـ “11” بأربعة أبيات لشهيد الكلمة “الحلاج”.

إذ هجرتَ فمن لي ومن يجمّل كُلي ..

ومن لروحي وراحي يا أكثر وأقلّي ..

أَحَبّكَ البعض منّي فقد ذهبت بكلّي ..

يا كلّ كلّي فكن لي إن لم تكن لي فمن لي..

وواصل “مهند” ذات “العزلة” في الصفحة الـ “13” بمُقدمة ثالثة للكاتب “ياسر أحمد بثلاثة أسطر قصيرة  ظهرت فيها ذاتية الكاتب” بصورة غير مُباشرة عكست صراعاته مع السفر الحسي والمعنوي وغربته عن الوطن خاصة إذا علمنا أن الكاتب مُقيم في إحدى دول الخليج العربي.

“أعيد بناء نفسي من الداخل.. أنا الغريب.. وأنا المُسافر.. وأنا العائد.. وأنا المُستمر مع نفسي حتى النهاية”.

بهذه المقدمات بدأ الراوي وكأنه لا يُدرك أن القارئ في الوقت الراهن أصبح مُتعجلاً نظراً للإيقاع المُتسارع للحياة.

بداية

“ازداد منسوب النيل مؤخراً، لكن ليس إلى حد الخطر.. فاضت الجداول التي صنعها أهل القرية لتغذي حقول المشروع الزراعي”.

بهذه الكلمات بدأ الكاتب روايته بصوره وصفية عن القرية وبيئتها النيلية الزراعية مُسترقاً سمع “الطيب” أول الشخوص ظهوراً في مسرح الأحداث الذي بدأ من الحقل، ومن ثم بدأ الحوار بصورة مباشرة بين الطيب وصديقه “الماحي” رفيقه في الزراعة يتحدثون عن جغرافيا المكان وتوقّعات الأمطار، من ثم عرج الراوي على حياة “الطيب” الشحصية وأحلامه الموءودة وزواجه التقليدي.

تصاعد السرد وانتقل الكاتب إلى بطلة الرواية “المجنونة فطومة”  في مشهد مألوف للأطفال يتقافزون حولها ويصرخون “المجنونة أهي المجنونة أهي”، وكان مُحبباً لو استخدم الراوي اللغة “الدارجة” لغة الأطفال ولهجة أهل القرية المُعتادة والمألوفة للقارئ السوداني “المجنونة ياها دي .. المجنونة ياها دي” وغير بعيد كتابات الروائي  العالمي “الطيب صالح” الذي تربع على عرش الرواية السودانية والعالمية عبر مدخل “المحلية” ولغتها، فكانت أكثر صدقاً وأقرب إلى الوجدان.

وفي ذات البدايات تصاعد السرد ليكشف جانباً آخر من شخصية “البطلة المجنونة” فطومة، عندما سرح “الطيب” مع صراخ الأطفال تذكر عندما كان مخموراً وعائداً من جلسة سمر، وجد المجنونة هائمة في شوارع القرية، وبدت له حينها فائقة الجمال رغم شعرها “المنكوش” وملابسها الرثة “تحسس صدرها وانتهرها وأمرها بأن تنحني وترفع جلبابها، ففعلت دون مقاومة” .. لازم هذا المشهد “المجنونة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى