مات مبارك ..ولم تمت حلايب!!

 

تقرير- عبد الله عبد الرحيم

أعلن أمس بالقاهرة وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، عن عُمرٍ ناهز 92 عاماً، وأشارت المصادر إلى أنّ مبارك توفي في غُرفة العناية المركزية بمُستشفى الجلاء العسكري بالعاصمة المصرية القاهرة.. وشهد مُحيط المُستشفى تحرُّكات شرطية وعسكرية.

وحسب شُهُود عيان، وَصَلت شخصيات رفيعة المُستوى بسياراتهم الخاصة، كما كان هناك نجلا الرئيس الأسبق علاء وجمال.. وكان مبارك دخل مسُتشفى الجلاء صباح الثلاثاء 21 يناير الماضي، وبعد فحوصات طبية أُجريت له يوم الجمعة 24 يناير عملية استئصال ورم في المعدة، وانتقل بعدها إلى غُرفة العناية المركزة.

فترته في الحكم

أمضى مبارك قرابة الثلاثين عاماً في الحكم، إذ أصبح رئيساً للجمهورية بعد اغتيال سلفه أنور السادات في السادس من أكتوبر 1981، وحَفلت حياته بالكثير من الأحداث، بدأت بسجلٍ عسكري حافلٍ إلى أن أطاحت به ثورة شعبية في يناير 2011 حين أطاحت به ثورة 25 يناير التي اضطرته للتنحِّي وتسليم السُّلطة للمجلس الأعلى للقوات المُسلّحة في 11 فبراير من ذلك العام.. وامتدّت فترة حُكم محمد حسني مبارك لمصر ثلاثة عُقُودٍ، مِمّا يجعلها الأطول منذ 1952 العام الذي أنهت الحكم الملكي.

مبارك والسودان

كانت العلاقات السودانية المصرية تمر بمدٍ أزلي منذ بواكير الاستقلال في العام 1956م، وقد شهدت تميزاً كبيراً خلال أيام جمال عبد الناصر، ومُروراً بعهد السادات الذي عمل مع الرئيس الأسبق جعفر النميري على توقيع “ميثاق التكامُل” بين الطرفين، وانتهاءً “بميثاق الإخاء” الذي وقّعه البلدان عام 1987.. وتتّفق الأنظمة المُتعاقبة للحكم بمصر والسودان على مصيرية إنجاز مشروع “دولة وادي النيل الكبرى” التي تضم البلدين، لكن هذا المشروع ظَلّ مُجمّداً.. ولكن وخلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك شهدت علاقة البلدين مَدّاً وجَزراً طوال أوقاتها، لجهة أنّ القاهرة كانت تنشط فيها حركة المُعارضة السودانية خلال الأزمات التي تمر بها العلاقات المُشتركة، فتنشط في فتح مكاتبها بالقاهرة، وتُمارس القاهرة من خلالها ضغطاً على الخرطوم، وقد تضرّر السودان كثيراً من نظام مبارك، ولم تنجُ الحكومات السودانية من سياسة الضِد التي اتّبعتها الحكومة المصرية في عهد مبارك.

خُصومة وعداء

وقال المحلل السِّياسي والأكاديمي بالجامعات السودانية د. السر محمد الحسن لـ(الصيحة)، إنّ مبارك وخلال عهده لم ينظر للسودان كدولة منفصلة قائمة بذاتها، وإنّما ينظر لها دوماً كتابعٍ لمصر، وسعى لتأكيد ذلك من خلال المنابر الدولية التي ظلّ يُحاول فيها أنه ينوب عن السودان في قضاياه عندما يسعى لتبنيها بصُورة أو بأُخرى، وقال إنّ هذا السلوك هو الذي خَلَقَ سُلُوكاً مُعادياً لنظام حسني مبارك الذي وجد شبه إجماع سوداني على أنّ مصر كانت أكثر عدائيةً للحكومات السودانية، وأوضح السر أنّ السودان إبان الحرب التي يقودها مع التّمرُّد كانت مصر أكثر اتصالاً بالمُعارضة السودانية وقتها، وزاد: إنّ السلاح والذخيرة التي كان يستخدمها الجيش السوداني كانت مصر وقتها قد مارست التضليل وكانت عميلاً سالباً للحكومة، بعد أن ساهمت في ابتياع ذخيرة “فشنك” للحكومة السودانية، الشيء الذي أدّى لإسقاط الكثير من المُدن والمناطق العسكرية في قبضة التمرُّد بجنوب السودان، ووصل وقتها المُتمرِّدون إلى مناطق ومدن متقدمة وشارف على الوصول لأواسط البلاد، ويضيف السر: إنّه ومنذ 1956 ظلّت العلاقات بين السودان ومصر تشهد مَدّاً وجَزراً تبعاً لطبيعة النظام الحاكم في كل منهما وسياسته الداخلية والخارجية، وكيفية صياغة مواقفه ورؤاه وتحالُفَاته الإقليمية والدولية، لكن هذه العلاقة كانت في أغلب فتراتها تفتقر إلى الحَميميّة بسبب مجموعة من الخلافات والتّوتُّرات، التي تفاقمت بصورة غير طبيعية في فترة حسني مبارك.

قضية حلايب

تُعد قضية السيادة على منطقة حلايب أحد التحديات المُزمنة التي واجهت علاقات البلدين، وفي 1902 جعلت سُلطة الاحتلال البريطاني – التي كانت تحكم البلدين آنذاك – حلايب تابعةً للإدارة السودانية لأنّها أقرب جُغرافياً للخرطوم من القاهرة.. وظَلّت المنطقة تابعةً للسودان حتى حين قام الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر بإرسال قوات إلى المنطقة، وكاد الخلاف الناشب حينها أن يتحوّل إلى نزاعٍ حدودي مُسلّحٍ بين البلدين الجَاريْن، لكنهما تمكّنا من تغليب منطق التعايُش وحُسن الجوار على الاشتباك.

ويقول السر، إن أزمة حلايب ظلّت تطل برأسها على الدوام حسب حركة العلاقات بينهما شداً وجذباً، وكان أكثرها مدّاً في عهد الراحل حسني مبارك، الذي ظَلّ يتعامل مع حلايب طوال فترة عهده على أساس أنها مصرية وسارع في مصريتها بشتى السُّبُل، ورغم ذلك لم يقم السودان بمُحاولة شن حرب على الحكومة المصرية التي اجتاحت المنطقة واستعمرتها وجعلتها ولاية وإدارية من الإداريات المصرية وقتها وما زال!! وتعمّدت حكومة مبارك بحذف مثلث حلايب من الخارطة السودانية، وتعمّد إيضاح ذلك حينما اُستقبل الرئيس البشير بالقصر الرئاسي في مصر، وضجّت حينها المواقع الإعلامية بالاستفزازات المصرية والإهانة التي حاول الرئيس مبارك توجيهها للرئيس السوداني المخلوع البشير.. ومنذ تلك اللحظات وما زال ملف حلايب رهان أضابير الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية.. ورغم مرور أكثر من خمسين عاماً على الأزمة ورحيل الكثير من الرؤساء الذين ساهموا بصورةٍ أو بأُخرى في إشعالها وآخرهم حسني مبارك، إلا أنّ حلايب ما زالت تراوح مكانها.

مُحاولة الاغتيال

وفي يونيو 1995، تعرّض الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لأخطر مُحاولة اغتيال استهدفته شخصياً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا حينما كان يحضر قمة أفريقية، فقد أغلق مُسلّحون الطريق أمام موكبه وأطلقوا النار على سيارته، لكنه لم يُصب بأذىً، بعد أن تمكّن حُرّاسه من التصدي لمُنفِّذي الاعتداء، في حين قُتل عدد من مُنفِّذي العملية.. وحمّلت القاهرة السودان مسؤولية هذا الاعتداء، لجهة أنّ العداء بين الخرطوم والقاهرة التي كانت تأوي المُعارضة السودانية بكثافة، وتُحرِّضها على مُناوشة الخرطوم في كل حدوده كان في أوجه!!
وقالت القاهرة، إنّ السودان ساهم بالتخطيط لعملية محاولة اغتيال مبارك، أو على الأقل تسهيل تنفيذها، وذلك باستضافة الجماعة المُتّهمة – من قبل مصر – بتنفيذها وتمكينها من إنشاء معسكرات تدريب خاصّة على أراضيه، وكانت مركزاً لتخطيط وتنفيذ هذه المُحاولة، وهو الأمر الذي نفته الخرطوم على الدوام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى