البُرهان لواشنطن.. مهمة فك الحَظر والعُزلة

 

الخرطوم: إنصاف ــ مريم

يزدحم الفضاء الرقمي ببشريات الانفتاح والتطبيع الدولي للسودان بعد عهود طويلة قضاها في غياهب العزلة الدولية المفروضة عليه بسبب سياسات النظام السابق، ولما كان الوطن وحده انتماء الكل ورثت الحكومة الانتقالية  تركة النظام السابق المثقلة بحزم من العقوبات الأمريكية المؤثرة، وعلى رأسها وضع البلاد على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ووفقاً لصحيفة “هيل” الأمريكية المقرّبة من البيت الأبيض، فإن إدارة ترامب ستكشف عن حوافز أساسية ضخمة ستقدمها واشنطن لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بسبب التقارب بين الخرطوم وتل أبيب، وقالت الصحيفة إن الاجتماع الذي جمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو رعته واشنطن مما دفع وزير الخارجية مايك بومبيو إلى دعوة البرهان لواشنطن للكشف عن الحوافز والتي من ضمنها رفع البلاد عن قائمة الإرهاب.

وأضافت الصحيفة أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ودعم الحلف الذي تقوده الدول الشرق أوسطية لإضعاف نفوذ إيران من أهم محفزات الدعوة الأمريكية للبرهان.

محطة التطبيع

ويصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صفوت فانوس، الحوافز المزمع تقديمها للبرهان  بأنها مؤشر على قرب حدوث انفراج حقيقي في علاقات البلدين، غير اأن إزالة اسمه من قائمة الإرهاب وفق قراءته ربما لا يزال يحتاج بعض الوقت، وعزا ذلك في حديثه لـ(الصيحة) لمطلوبات داخلية تراها واشنطن مهمة لكى تصل العلاقة لمحطة التطبيع، وحدد ذلك بالتوصل لاتفاق سلام شامل ومُرضٍ ينهي حالة الاحتراب في كل انحاء السودان خاصة المناطق الملتهبة وحركات دارفور، ومطلب آخر اقتصادي يتمثل في تنفيذ سياسة البنك الدولي المتمثلة في رفع الدعم وتعويم الجنيه السوداني، وتوقع ألا تقل  فترة تنفيذ المطلوبات عن الثلاثة أشهر ولا تتجاوز الستة.

أما فيما يلي مطلوبات التطبيع الخارجية،  فقد أكد فانوس أن السودان نفذها بنسبة مائة في المائة، حيث لم يعد السودان مهدداً لحلفاء أمريكا في المنطقة بعد قطع علاقاته مع طهران والحركات المصنفة دولياً بالإرهابية، ومثّل لقاء عنتبي بين البرهان ونتنياهو مؤشراً  لتطبيع العلاقات في العلن بين الخرطوم وواشنطن التي كانت تشكل عقبة كوؤداً في أي خطوات أمل لإزالة اسم السودان من قائمة الدول المارقة.

وأضاف فانوس أن سودان ما بعد ديسمبر المجيدة لم يعد يمثل هاجساً أمنياً لأمريكا أو حلفائها في المنطقة والمجتمع الدولي بأسره، وتوقع أن تشهد زيارة البرهان المرتقبة لواشنطن تقديم بعض الحوافز والمكافآت وأن تستكمل خطوات التطبيع الكامل بعد استيفاء مطلوبات الداخل .

حزم اقتصادية

ووفقاً لمواقع إخبارية أمريكية فإن التفاهمات في مجال رفع القيود عن القطاع الاقتصادي لاسيما المصرفي تسير على قدم وساق، في وقت تسعى فيه وزارة المالية للتحول من دعم السلع إلى الدعم النقدي للشرائح الفقيرة لدعم الميزانية والتعافي الاقتصادي.

فيما كشفت صحيفة “يو إس توداي” عن توصل الحكومة الانتقالية وواشنطن إلى تسوية للفصل بين مساري العقوبات الأمريكية على السودان توطئة لتطبيع القطاع المصرفي. وقال الموقع إن الحكومة السودانية وواشنطن اتفقتا على الفصل بين المسارين من أجل تسهيل وصول المساعدات والمنح من المؤسسات الدولية، فضلاً عن التفاوض مع نادي باريس والمنظمات الدولية حول إعفاء الديون، وأضاف بأن العقوبات الأمريكية حرمت السودان من وصول وديعة أبناء السودان بالمهجر عبر البنك المركزي، كون السودان لا يمكنه إجراء التحويلات المصرفية، إلا عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، بسبب وجود حسابات بنكية لوزارة المالية وبنك السودان المركزى بهذين البلدين، قاطعاً بأن تطبيع النظام المصرفي من شأنه رفع القيود المصرفية كافة على القطاع. كاشفة عن اتفاق بين وزارة المالية السودانية  وواشنطن لترتيب لإطلاق نظام البطاقة الذكية، تؤطئة لإنفاذ حزم رفع الدعم عن المحروقات مطلع مارس المقبل.

الخطوة المرتقبة لرفع العقوبات وإن كانت جزئية  وصفها البروفسير عبده مختار أستاذ العلوم السياسية بالجامعات، بالإيجابية والمتوقعة، ومضى القول بأنها تأخرت بعض الوقت، معتبراً أنه لم يعد هناك  من محاذير أمنية أو سياسية تمنع  الإدارة الأمريكية من رفع العقوبات والتطبيع مع الخرطوم، باعتبار السودان الآن في وضع مختلف عن فترة الحكم البائد الذي تسبب بسياسته في وضع السودان في هذا المأزق.

وأضاف مختار لـ”الصيحة” أن كل الأسباب انتفت، وأن الحوافز المرتقبة عملية في الطريق الصحيح، وأن على الدبلوماسية السودانية استكمال ما تبقى من وضع للخطط لاستكمال التطبيع والانفتاح الكامل على العالم.

تحرير الحظر

ومن ضمن الحوافز المتوقع الكشف عنها، إزالة القيود الخاصة بالهجرة والفيزا الخضراء للمواطنين السودانيين التي فرضتها إدارة ترامب مؤخرًا، ووفقاً لـ”صحيفة هل” فإن قرار الحظر الذي خضعت له عدد من الدول الأفريقية والآسيوية بما في ذلك السودان يمكن أن تتم غزالته بمجرد زوال الشروط والظروف التي دعت لفرضه.
وقالت: ينظر إلى القيود على أنها تقنية، ويمكن التراجع عنها بزوال مسبباتها، وأضافت: لاحظت الإدارة الأمريكية انتقال السودان الإيجابي إلى حكومة مدنية وأثنت على البلاد لإحراز تقدم في الامتثال للوائح الأمنية. وكان موقع “بوليتيكو” الإلكتروني بيّن أن هذه القائمة ليست نهائية، وقد يتم تغييرها، وكان السودان عبّر عن امتعاضه لإضافته للقائمة بالرغم من التطورات الأخيرة في المشهد السوداني،  في وقت أكد فيه القائم بالأعمال الأمريكي، أن القرار أملته ضرورات فنية صرفة، ولا علاقة له بسلوك السودانيين في الولايات المتحدة الأمريكية، مشدداً على إمكانية معالجة الأمر من خلال العمل على مخاطبة الانشغالات الفنية التي أدت إلى تضمين السودان في قرار حظر السفر.

الدين الخارجي

وبالرغم من أن كل الدلائل تشير إلى أن السودان مؤهل للتخفيف من عبء الديون بموجب مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، فإن تصنيف الإرهاب والدين الخارجي الكبير والمتأخرات يعيقان الوصول إلى التمويل والتنمية الخارجيين، وشجع فريق صندوق النقد الدولي حكومة السودان على الحصول على تخفيف شامل للديون وزيادة التعاون مع سياسات الصندوق ودفع مديونياته، وبالإضافة إلى إمكانية تخفيف عبء الديون، ويمكن أن تلعب واشنطن دوراً قوياً كونها تربطها علاقات اقتصادية واستراتيجية قوية بالدول التى لديها ديون على السودان، سيكون أحد التأثيرات المباشرة على قدرة الحكومة الأمريكية على التصويت لصالح حزم تخفيف عبء الديون الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والقروض والتمويلات الأخرى متعددة الأطراف.

وعليه فإن واشنطن لديها حوافز لتعلن عنها في هذا المجال أيضاً.

حوافز استثمارية

وفي الوقت الذي ترددت فيه الأنباء بأن دعوة واشنطن للبرهان تمت بضغط من قبل القطاع الخاص، فإن الحوافز الاستثمارية الأمريكية ستكون حاضرة على طاولة الاجتماع كون العديد من الشركات الأمريكية طلبت الدخول في مجال الاسثمار الزراعي والنفطي وفي مجال الذهب من المرجح أن يؤدي الشطب إلى تحسين تصور السودان كمكان للاستثمار، خاصة بالنسبة للشركات الأمريكية. ومع ذلك، حتى في حالة شطب القائمة، يحتاج السودان إلى التركيز على إصلاح القطاع المصرفي واستئصال الجهات الفاعلة الفاسدة الراسخة في النظام. وإلى أن تتم هذه الإصلاحات، تظل هناك مخاطر حقيقية، وسيستمر مناخ الاستثمار غير جاذب.

تداعيات عنتبي

السفير والناطق الرسمي باسم الخارجية السابق جمال محمد إبراهيم، يرى أن التطورات الإيجابية في علاقات الخرطوم ووشنطن نتاج طبيعي للقاء الهام الذي تم بين رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تم بترتيب أمريكي. وأضاف أن ما جرى كان خطوة عملية لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، لافتاً في حديثه للصيحة إلى أن الخطوات تمضي فى الاتجاه الصحيح، وأضاف: ما أشارت إليه صحيفة “هيل” الأمريكية يصب في اتجاه بث الإشارات الإيجابية خاصة نحو قرب موعد إعلان  التطبيع وشطب اسم السودان من قائمة الدول المارقة خاصة أن هنالك اتفاقاً قد تم حول تعويضات ضحايا المدمرة كول (30 مليون) وإغلاق الباب حول هذا الملف، وعبر السفير جمال عن أمله في أن تكون الخطوة نهائية وألا يعمل الكونغرس على عرقلتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى