Site icon صحيفة الصيحة

عطس !!

 

 

من لا يشكر الناس لا يشكر الله..

والعطس نفسه يستوجب الحمد؛ والحمد يستوجب التشميت..

ومن الذين يستحقون الشكر – من بعد الله – أساتذة المدارس الموهوبون..

 

والموهبة لا تقتصر على التخصص الدراسي وحسب..

وإنما تشمل – من بين ما تشمل – موهبة التعامل مع الطلاب بفن؛ وهي مهمة..

وعلى رأس قائمة هؤلاء – في حياتي الدراسية – سالومة..

 

وكان أستاذنا للرياضيات – والعلوم – بثانوية حلفا الأميرية… واسمه محمد حسن..

وقبل أيام كنت أحادث زميلنا نادر حلفاوي هاتفياً..

ففاجأني بأن ما كتبته قبل سنوات – عن الأستاذ هذا – تحتفي به أسرته إلى اليوم..

وكان يحتفي به هو نفسه قبل وفاته..

فهو (مُبروَّز) على حائط غرفته الخاصة؛ بقرية (33)… من قرى حلفا الجنوبية..

فندمت على أنني لم أقدر على شكره إلا ببضع كلمات..

فهو نقلني بفن التعامل – قبل التخصص – من خانة المؤخرة إلى المقدمة في الرياضيات..

والمؤخرة هذه كانت بفعل أساتذة لا يُجيدون سوى فن الضرب..

والبارحة هاتفني صديقي – وزميل الدراسة – صدقي فهمي في شأن ذي صلة..

وهو تكريم الأستاذين أحمد عبد الجابر… وأحمد عبد اللطيف..

والثاني هذا كان يُوصم بأنه شيوعي… وفي الوقت ذاته كان مدرساً لمادة الدين..

بل وكان له نهجٌ غريب أثناء الامتحان..

فهو يُذكِّر الطلاب بحديث (من غشنا فليس منا)…. ثم يتركهم بلا رقابة..

أو يتركهم لرقابة ضمائرهم فقط… من منطلق الدين..

وبمناسبة العطس – وشكر الأساتذة – لا زلت أذكر يوماً مضحكاً أعقبه آخر حزين..

فقد طفق زميلنا ممدوح – ذات حصة – يعطس عطساً شديداً..

وكان أستاذنا محمد حسن سالومة؛ واضطره صخب العطس إلى قطع الدرس..

ثم صاح في زميلنا هذا (انت بالعلك أرنب؟)..

ولم ندر ما علاقة الأرانب بالعطس؛ ولم ندر – كذلك – ما علاقة العطس بالموت..

فحين داعب أستاذنا العاطس ما كان يعلم ما يخبئه له العطس..

أو ما يخبئه له القدر؛ فقد فوجئنا صباح اليوم التالي بوفاته… فبكينا بما يشبه العطس..

وقطعاً لم يكن السبب انفلونزا (كورونا)..

إذن لكنا متنا جميعاً ؛ فنحن لا نُحسن ثقافة تغطية الفم عند العطس رغم أهميتها..

وزميلنا الفاتح شمت كان يعطس إذا نثرنا شطةً على الفول..

فهي حارقة – يقول – وتُؤثر على جيوبه الأنفية..

وكنا نحب الشطة؛ مثل حبنا – كسودانيين – للعزة… والحرية… والديمقراطية..

فإن ثُرنا من أجل هذه القيم تنزعج أنظمةٌ من حولنا..

فهي – في نظرها – حارقة؛ وتُؤثر على جيوبها السلطوية..

فتعطس !!.

Exit mobile version