بين السودان وإسرائيل

 استوقفني وصفٌ خطيرٌ للكاتب الإسرائيلي زئيفي باريل أول أمس يقول: (إن السودان من الناحية السياسية أشبه ببرميل بارود)، مُحذِّراً بلاده من مَغَبّة الاندفاع الآن نحو التطبيع معه، مُعتبراً أنّ هذه الغاية هدية هشّة يجب التعامُل معها بحذرٍ، مُرجِّحاً أنّ الولايات المتحدة نفسها لديها عدم يقين فيما يتعلق بالقيادة الدائمة في الخرطوم.

ورغم اعتراف زئيفي أن السودان دولة ذات إمكانات، وأنّها قابلةٌ لإعادة التأهيل، فَضْلاً عن أن موقعها الجُغرافي على ساحل البحر الأحمر يمنحها أهمية استراتيجية هائلة، إلا أنّه عاد لنصح الإسرائيليين لتطوير شبكة العلاقات الحَسّاسة مع السودان بحذرٍ شديدٍ، مُنبِّهاً إلى أنّ التطبيع العملي مع السودان يُعتبر أحد الأُصول القيِّمة للغاية.. والتي يخشى أن تتعطّل لو أنّها أصبحت مُجرّد شعار انتخابي لدى نتنياهو.

وهنا أعاد إلى ذهني حرص زئيفي باريل المشوب بالحذر على هذه العلاقة.. أهمية السودان عند الإسرائيليين التي لخّصها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق آفي ديختر في مُحاضرة شهيرة سنة 2008 استهلها بهذا السؤال المباشر: لماذا نهتم بالسودان ونعطيه هذا القدر من الاعتبار.. رغم أنه لا يجاورنا جُغرافياً؟!

أجاب ديختر: (السودان بموارده ومساحته الشاسعة، وعدد سُكّانه.. كان من المُمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية مُنافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية، لكن السودان ونتيجة لأزمات داخلية بنيوية.. صراعات وحروب أهلية في الجنوب استغرقت ثلاثة عُقُود، ثم الصراع في دارفور، ناهيك عن الصراعات حتى داخل المركز الخرطوم.. تحوّلت كلها إلى أزمات مُزمنة.. هذه الأزمات مُجتمعةً فوّتت فُرصة تحوُّل السودان لقوة إقليمية مؤثرة في البيئة الأفريقية والعربية).

وكشف ديختر أن تقديرات إسرائيل منذ استقلال السودان قامت على أنه لا يجب السماح لهذا البلد رغم بُعده عنا أن يصبح قُوة مُضافة إلى قوة العالم العربي.. لأنّ موارده إن اُستثمرت في ظل أوضاع مُستقرّة ستجعل منه قُوة يُحسب لها ألف حسابٍ، مُؤكِّداً في هذا الصدد أن جميع رؤساء حكومات إسرائيل من، بن غوريون، وليفي أشكول، وجولدا مائير، وإسحاق رابين، ومناحيم بيغن، ثم شامير، وشارون، واولمرت.. تبنوا الخط الاستراتيجي في التعاطي مع السودان.. هذا الخط الاستراتيجي الذي كانت له نتائج ولا تزال، أعاقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية مُتجانسة قوية عسكرياً واقتصادياً، وقادرة على تبُؤ موقع صدارة في البيئتين العربية والأفريقية.

وأتصوّر أن ليلة الاثنين الثالث من فبراير الحالي، ليلة لقاء البرهان بنتنياهو.. ربما تشبه بارحة كان قد روى عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك دافيد بن غوريون في خطاب إلى الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور بتاريخ 24 يوليو 1958 قال فيه: (لقد أقمنا علاقات ثقة مُشتركة وصداقة مع حكومة إيران ومع رئيس وزراء السودان (عبد الله خليل) وعدد من أقرب مُساعديه، مُضيفاً أنّ دول هذا التجمُّع كما ترون تضم دولة لغتها العربية وهي السودان، ودولتين مُسلمتين هما إيران وتركيا، ودولة مسيحية هي إثيوبيا، ثمّ دولة إسرائيل، واسترسل بن غوريون بالقول: إن ثلاثة من هذه البلدان وهي إيران والسودان وإثيوبيا تحتاج بسرعة إلى تدعيم قوي ضد الانقلاب من الداخل أو من الخارج، ولتحقيق ذلك فلا بُدّ من تنظيم قوة فعّالة للأمن الداخلي، وكذلك قوة عسكرية أو بوليسية قادرة على التدخل السريع لمنع أيّة محاولة للانقلاب تُدبّر من الداخل أو من الخارج، إلى أن يقول: إن حكام هذه البلاد الثلاثة لديهم ثقة كاملة فينا، ونحن نستطيع أن نُؤدِّي الخدمة المطلوبة في هذا الشأن).

المُهم يبقى الخط الاستراتيجي لإسرائيل، هو الخط الاستراتيجي تجاه السودان، ذهب عبد الله خليل أو جاء البرهان.        

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى