التطبيع مع إسرائيل (1 ــ 3)

منذ لقاء رئيس المجلس السيادي والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي لن تتوقف الاتصالات والرسائل في جوالي. ما رأيكم في التطبيع مع إسرائيل؟ لماذا هذا الصمت؟ لماذا لا نرى منكم أي تصريح؟ أو أي بيان في وسائل الإعلام؟ وبعض قليلي البصيرة والفقه يصفنا بالمداهنين أو المتخاذلين في مثل هذه الأحداث.

أولاً: المعلومة التي قد تغيب على كثير من الناس، نحن دائماً كسلفيين، ونسأل الله أن يجعلنا من أتباع السلف الصالح، لا نتعجل في التصريحات، أو إصدار الأحكام، أو الفتاوى في بداية الأحداث. ولا أقصد بذلك الحكم الشرعي في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإنها مسألة مخالفة لشرعنا. يعلمها الراعي في شعف الجبال. إنما أقصد الخطوة التي حدثت من رئيس المجلس السيادي في هذا التوقيت وبهذه السرية، تسحق الدراسة والتأني. مع مراعاة الأوضاع التي تمر بها البلاد، قال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) سورة النساء الآية (83)

ثانياً: حتى الآن ما حدث من لقاء لا يعتبر تطبيعاً ولا أستبعد حدوث التطبيع فيما بعد، فكثير من الدول الإسلامية والعربية لها علاقات مع إسرائيل بصفة رسمية معلنة أو غير رسمية (سرية)، ولا اقصد بذلك تسويغ الأمر بل لبيان أنه ليس غربياً في الوسط العربي والإسلامي، ولم يقدم ذلك  شيئاً ولا يؤخر في قضية الأمة، ثم إن موقف السودان من التطبيع ليس له تأثير كبير لعدم وزنه السياسي، ولا اظنه يفيدنا في شيء اقتصادياً، لأن الناظر إلى حال الدول التي طبعت العلاقات مع إسرائيل لم تتقدم اقتصادياً، أي تقدم ملحوظ في أي من المجالات، إنما هي وعود كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.

ثالثاً: الحكم الشرعي: التطبيع مع اسرائيل محرم شرعاً ونحن مسؤولون أمام الله سبحانه، إن لم نبين هذه المسألة قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) الآية. لأن إسرائيل باعتبارها دولة محتلة، ودولة حرب، والتطبيع مع دولة الحرب مخالف للمواثيق الشرعية، ومخالف لما تقتضيه الروابط الجامعة بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وكذلك الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وفيه خذلان المسلمين وتضييع لحقوق الأخوّة. 

قد يقول قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم: كان يتعامل مع اليهود؟ وعند وفاته كان درعه مرهوناً عند يهودي في شعير؟ وعقد صلحاً معهم؟ الجواب على هذه الاستفهامات تُخالف التطبيع في زماننا هذا من عدة وجوة:

الوجه الأول: إن اليهود في العهد النبوي لم يكونوا محتلين لبلاد المسلمين، إنما كانوا معاهدين سواء كان ذلك بصلح مؤقت ينتهي بانتهاء وقته، أو صلح مطلق ينتهي متى ما أراد المسلمون بانتهاء وقته، كما في صلح نجران، وقصة خيبر، أو ما فتح عنوة (بالقوة العسكرية).

الوجه الثاني: إن اليهود الذين تعامل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم لا محاربين ولا محتلين، بل كانوا مسالمين خاضعين للشروط الإسلامية بالعهد، قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، على كل حال نتمنى من إخواننا  في تيار نصرة الشريعة تؤجرون على الغيرة لدين الله، ولكن التأني في هذه المسألة وعدم التهويل وتسيير المواكب والمسيرات حتى تستغل هذه المواكب في أغرض أخرى خصوصاً أن بلادنا الآن تمر بظروف فتن لا تخفى على أحد. 

نواصل ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى