حتى لا يَحدُث الانهيار الاقتصادي..

باتَ شبحُ الانهيار الكامل للاقتصاد يُهيمِن على الحياة العامّة، مع عَجز كامِل للحكومة في فعل شيء يُوقِف التدهور والسقوط العمودي إلى القاع، وهذا هو أكبر مُهدِّد للبلاد من أيِّ مُهدِّد آخر، ولا يوجد تحدٍّ مُباشر أكبر من هذا التردّي الاقتصادي الذي فشلت في كبح جماحِه حكومة الفترة الانتقالية، وسيقودُ هذا الوضع الحالي إلى كارثة حقيقية لن يكون السودانُ بعدها كما كان، وللأسف لا يوجَد لدى الحكومة ما تفعله أو تُقدِّمه، وليست مُنشغِلة بتوليد وإيجاد الحلول المُناسِبة لتجاوُز العقبة الاقتصادية وسعر الدولار يقترب من المائة جنيه، وتصاعَدت الأسعار بالنسبة للسلع الضرورية إلى ما فوق طاقة المواطن المطحون، فالانهيار الاقتصادي هو مُقدّمة للانهيار الكامِل ولا نرجو إلا لطف الله وعونه.

كثيرٌ من قيادات الحُكم الجاليين كانوا يقولون قبل سقوط النظام السابق إن الأزمة الاقتصادية في عهده هي أزمة سياسية في الأساس، ورؤية الحل في نظرهم أنها سياسية وليست اقتصادية، بنفس ذلك المنطِق، يمكن القول بكل ثقة إن الأزمة الاقتصادية الحالية رغم وجود أسباب قوية لها هي في الأساس أزمة سياسية بامتياز لعِدِّة أسباب:ــ

أولاً: انشغلَت حكومة الحرية والتغيير منذ تكوينها بشواغِل سياسية مَحضَة ولم تتّجِه لحلِّ الأزمة التقتصادية، وسَعَتْ إلى تعقيد المشهد السياسي، فاختلّت أولوياتُها، فبدلاً من مُواجهة ومُجابَهة التحدّيات الماثِلة أمامها، سعت إلى قضايا أخرى مثل مُحاربة خصومِها السياسيين تلبية لرغبات اليسار وخاصة الشيوعيين، وعمدَت إلى تشريد الكفاءات والخبرات وقيادات الخدمة المدنية وممارسة تمكين بَشِع، وأعمَلَت سكين الفصل والتشريد دون أن تضع في حسابها عامل الخبرة لكوادرها السياسية التي دفعت بها، ولا الكلفة العالية للوقت والجهد الذي أنفقته في صراعها السياسي وسعيها في محاربة عدوٍّ مُتوهَّم غير موجود فيزيائياً في إدارة الدولة، ومع ذلك عمِلت الحكومة وركّزت على قضايا سياسية وفِكرية بتكريس كل طاقتها في توطيد دعائم العلمانية ومُحاربة الدين وقِيَمه، ولم ترَ بعينيها الرمداوتين استفحال الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار ومعاناة المواطنين.

ثانياً: بما أن رئيس الوزراء في زيارته قبل أشهر للمملكة العربية السعودية قال أمام مُمَثِّلي الحرية والتغيير وبعض رموز الجالية السودانية هناك، إن الحرية والتغيير لم تُسلّمه برنامجاً اقتصادياً للفترة الانتقالية، إلا أنه تسلّم عقِب ذلك برنامجاً هُلامياً، ثم بان العَجزُ الكبير في الطريقة التي قُدّمت بها ميزانية العام 2020م، وما اختلف حولها من معالجات خاصة ما يتعلق بضبط سعر الصرف ورفع الدعم عن السلع وكيفية وضع الحلول الممكنة لإصلاح هيكلي للاقتصاد السوداني، وهنا يظهر أن الحكومة لا تمتلِك رؤية موضوعية للتعامُل مع الأزمة الاقتصادية، ولا الإرادة السياسية الكافية لاعتماد سياسات وإصدار قرارات حازِمة وحاسِمة تُنعِش الاقتصاد.

ثالثاً: في الميزانية التي تمّت إجازتُها، هناك اعتماد على الدعم الخارجي بنسبة 53%، وهو دعمٌ غير مُتوفِّر حالياً ولا مُتوقَّع، وقد أمسك العالم الخارجي عن الدَّعمِ والمساعدة إلا قليلاً، زائداً على أن العقلية التي تُدير الاقتصاد حالياً مُمَثَّلة في رئيس الوزراء ووزير المالية تعتمد في توقُّعاتِها على المأمول من العالم الخارجي، ولا تُوجَد مُحفِّزات مضمونة النتائِج لتحسين الإنتاج ودعم القطاعات المُنتِجة وقطاع الصادِر، مُقابل تضاعُف المصروفات ثلاث مرات في هذه الميزانية. وشيء آخر، أن مسألة رفع الدعم ومُعالجة بعض المشكلات الأخرى في الموازنة مرهونة بمؤتمر أصدقاء السودان في أبريل المُقبل، فإذا لم تحصل الحكومة على دعم أو قروض أو مُساعدات خارجيّة من هؤلاء الأصدقاء ستسقُط الموازنة الحالية، وتتعقّد الأوضاع الاقتصادية، ويحدُث الانهيار الكامل، لأن الحكومة لا تمتلك موارد حقيقية، ولا إيرادات تُغطّي كلفة الدعم للوقود والدقيق والكهرباء وبقية السلع المدعومة.

إزاء هذا الوضع المُختَل، تتعاظم الخَشيةُ من انهيار اقتصادي وشيك، مع وجود قناعة لدى غالب قطاعات الشعب السوداني أن الحكومة لا تمتلك حلاً وستقود البلاد إلى قاع الهاوية بسبب أجندتها السياسية والاحتقانات الموجودة في البلاد، وعدم ترتيبها للأولويات والاهتمام بقضايا المواطن الحقيقية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى