خربشات الجمعة

(1)

ـ وضعت قرارات الحجز والمصادرة التي اتخذتها لجنة “إزالة التمكين” الصحافيين أمام حقيقة واحدة أن “قحت” وحكومتها أكثر ضيقاً بالحريات من النظام السابق.. وتتقمصها روح انتقامية من الذين معها والذين ليسوا في صفها المعوج..!! قرارات الحجز استهدفت قناة طيبة الوقفية التي تعبر عن قطاع عريض من التيار الإسلامي الوسطي غير المنتظم في الحركة الإسلامية، وهو أكثر التيارات التي ناهضت النظام السابق، وأذاقها مُر العذاب ووضع قادتها في غياهب السجون والمعتقلات.. ولكن موقف الدكتور عبد الحي يوسف من توجهات الحكومة الانتقالية العلمانية قد كشف عن حقيقة اليسار والحزب الشيوعي وهو يتدثر بشعارات الحرية ولا يؤمن بها.. ويرفع صوته عالياً عن سيادة قيم حرية التعبير لكنه يقمع الرأي الآخر.. عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان قال في تبريره لأسباب صدور قرارات الحجز والمصادرة إن هناك “اشتباه” حول تبعية هذه المؤسسات لحزب المؤتمر الوطني.. نعم “اشتباه” فالأفراد يشتبهون في الأشياء ولكن الدولة تحت بصرها وبين يديها ملفات وسجلات الشركات وحساباتها ودورات المال من وإليها ومجلس الصحافة فكيف “تشتبه فقط” في ملكية الصحف والقنوات الفضائية وتقرر حجزها إلى حين التحري عن تلك الشبهات.. بعد التحري إما ثبت أن تلك الصحف والقنوات الفضائية جزءاً من ممتلكات المؤتمر الوطني وبالتالي مصادرتها بالقانون الذي تم تفصيله “لمقاس” هذه الحالة.. وإما وجدت الحكومة أن هذه الصحف مملوكة لأفراد وبالتالي إطلاق سراحها.. هكذا دون أن تطرف للحكومة جفن أو ينتابها إحساس بوخز الضمير الغائب لحظة المصادرة والتجميد!! وتشريد العاملين رغم التطمينات التي تصدر من أبواق السلطة عن عدم الإضرار بوضعية العاملين في هذه المؤسسات.. كان الإغلاق والتجميد واستدعاء القوات الأمنية لإغلاق الدور لا يشكل ضرراً لهذه المؤسسات الإعلامية التي ولدت لتبقى نبضاً لهذا الشعب..

(2)

هل صحيفة مثل السوداني نشأت بعرق رئيس مجلس إدارتها رجل الأعمال الثري جمال الوالي كانت تعبر في مضمون رسالتها عن المؤتمر الوطني؟؟ ولماذا تعرضت الصحيفة للمصادرة في سنوات النظام السابق وحرمانها من الإعلان الحكومي.. وهي من قاد أشرس حملة ضد نائب رئيس حزب المؤتمر المهندس إبراهيم محمود حامد، وهو في ذات الوقت كان يتولى منصب مساعد الرئيس البشير.. صحيح أن الرجل النبيل الإنسان إبراهيم محمود لم يستخدم سلطته ويأمر بإغلاق السوداني، ولكنه احتمل كثيراً من الأذى إيماناً بدور الصحافة في التقويم والنصح والإرشاد ومضت الصحيفة في سياستها التحريرية المستقلة في سنوات النظام السابق وعند اندلاع ثورة 19 ديسمبر كان كتاب وصحافيو السوداني يمثلون الواجهة الإعلامية الأعلى صوتاً دعماً للحراك الثوري حتى سقط النظام في 11 أبريل وأخذت الصحيفة على عاتقها دور الناصح والمرشد والمبشر.. حتى جاءت قرارات لجنة التمكين المفاجئة بالحجز على واحدة من أكثر الصحف السودانية انتشاراً ودقة في الأخبار.. ولكن اليسار استدعى ذلك التاريخ البغيض.. وهو الذي أمم المزارع في روسيا وصادر ممتلكات الأفراد في يوغسلافيا وبطش بالمخالفين له في الرأي.. في كل البلدان التي حكمها اليسار بالحديد والنار.. ومن قبل صادرت ثورة مايو الظافرة الحمراء أملاك الرأسمالية الوطنية، وأممت لجنة كان محجوب محمد صالح عراب الديمقراطية الآن شريكاً في أعمالها أممت الصحف وكممت الأفواه ورفعت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. وأي معركة بين القلم والدبابة وبين الحق والقوة.. وبالقوة الجبرية وضعت قوة مدججة بالسلاح يدها على مقار صحيفة الرأي العام والسوداني وإذا كانت السوداني ملكاً لرجل الأعمال جمال الوالي الذي ظلم بوضعه في السجن، وظلم بمصادرة صحيفته.. فإن الرأي العام صحيفة تمثل الاعتدال السوداني والوسطية والقومية بتاريخها وهي ملك لآل عتباني.. وتقلبت الصحيفة في أيادي خارج أسرة العتباني بسبب تقلبات الساحة ولكنها عادت أخيراً لأصحابها مثلما عادت السوداني الدولية لمحجوب عروة.. فكيف “تصادر” الرأي العام وهي منبر قومي معتدل؟!

لم تنظر لجنة التمكين إلى مضمون رسالة هذه الصحف، ولكنها نظرت فقط لتقارير بلغتها من جهات عهدت إليها التحري حول ملكية الصحف.. وجاءت بمعلومات ظنية لتضع وزير الإعلام فيصل محمد صالح في مقام وزراء آخرين تعاقبوا على كرسي السلطة في عهود ديمقراطية وعهود شمولية ضاقت صدور حكوماتهم بالصحافة وحملوا أقفالهم وسدوا أبوابها بالعسكر.. فيصل محمد صالح الآن في وضع لا يليق بمن كان يرفض التدخل الحكومي في الشأن الإعلامي ويناهض الرقابة “القبلية” والرقابة البعدية والإيقاف القسري.. ولكنه اليوم يقف مع المصادرة بالاشتباه!! والحجز حتى تثبت الصحيفة أنها بريئة من التهمة الموجهة لها.. ربما يعود فيصل محمد صالح يوماً إلى الصحافة ويكتب عن الحرية وحق الصحافة في التعبير وربما يطل من خلال قناة الشروق التي تمثل إشراقة القنوات السودانية ولكنها متهمة بالاشتباه حتى تثبت غير ذلك..

(3)

لن تصمد مثل هذه القرارات طويلاً وفي أول مراجعة قانونية لها سيتم إبطالها.. مهما تم تحصينها.. ولا جدوى من استئناف قرارات لجنة إزالة التمكين التي يرأسها “الفريق” ياسر العطا أما لجنة الاستئناف فرئيسها “اللواء” إبراهيم ولا يستقيم منطقاً أن تلغي لجنة برئاسة لواء قرارات لجنة برئاسة فريق وأعضائها من مجلس السيادة، لكن القضاء لا ينظر بالطبع لعضوية اللجنة ولا رئاستها بيد أن تلك مرحلة بعيدة ربما بعد انقضاء الفترة الانتقالية التي طالب الأستاذ عثمان ميرغني في زاويته حديث المدينة يوم الخميس الماضي بتعيين الدكتور عبدالله حمدوك رئيساً للجمهورية من غير انتخاب وكشط صفة انتقالية عن الحكومة الحالية أي تصبح “دائمة”!! وتعيين حمدوك رئيساً للجمهورية يتطلب أيضاً إزاحة الفريق البرهان والفريق حميدتي.. ولكن الأستاذ عثمان ميرغني يجد حلاً مثالياً لمشاركة المؤسسة العسكرية من خلال مجلس الدفاع الوطني الذي يضم وزير الدفاع والداخلية ورئيس الأركان ومدير عام جهاز الأمن!!

لكن مسألة الانتخابات هذه ستأتي بمن يفوضه الشعب وحينها ستعود كل “المصادرات” لأصحابها.. فقد انتظرت بعض الأسر السودانية طويلاً الانصاف حتى جاء الفرج من حيث لا يحتسب البعض.. ومصادرة الصحف وحجزها إجراء مؤقت أما جمعية القرآن الكريم فهي من المؤسسات التي لا يطيق حمدوك رؤيتها أو ترديد اسمها.. فقد تأخر كثيراً حلها لرمزيتها كان مطلوباً حلها قبل فترة طويلة!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى