أين الأسرار؟

*  في العام  ١٩٩٢ كتب  الأستاذ  أحمد  البلال الطيب سلسلة  مقالات  نشرتها  صحيفة  القوات المسلحة  حينذاك  تحت  عنوان  أسرار  ليلة  ٣٠ يونيو  تهافت  عليها  القراء  وتضاعف  توزيع  الصحيفة  عشرات  المرات،  وفي أحد  الشهور  وزعت  الصحيفة  الناطقة  باسم  القوات المسلحة  مائة  ألف  نسخة  في  اليوم  وهو  رقم  لن تبلغه  الصحف  الصادرة  اليوم  مجتمعة.  

مقالات  أحمد  البلال  الطيب  رد  الله  غربته  وكفاه  شر الحاسدين  والحاقدين  الجاحدين  لفضله  عليهم،  وجدت  ذلك  الرواج  لأنها  فتحت  ثغرة  صغيرة  ليتنسم  منها  القارئ  رائحة  الصحافة  المستقلة،  وقد  تعب  البلال  في ملاحقة  صناع  أحداث  تلك  الليلة  التي  كان  البعض  يباهي  بأنه  من رجالها  ولكن  اليوم  أنكرها  البعض  وتنكروا  للإنقاذ  نفسها  وقد  فعلها  اللواء  إبراهيم  نايل  إيدام،  وقال  تمت  إضافتي  لمجلس  قيادة  الثورة  بعد  الانقلاب  !!

ومضى  آخرون  في  ذات  الطريق  خوفاً  وجزعاً،  لكن  تبقى  قضية  الساحة  الآن  هي حلقات  تبثها  قناة  العربية  تحت  عنوان  الأسرار  الكبرى  لدولة  الإخوان  في  السودان وهي حلقات  تم إعدادها  بدقة  لتحقيق  أهداف  تتسق  مع توجهات  القناة  التي  أنشئت  من أجل  خدمة  أعداء  حركات  الإسلام  في الوطن  العربي  وخارجه،  وشغلت  الحلقات  الرأي  العام  الشغوف  بمعرفة  أسرار  الحقبة  الإنقاذية  حتى لو كانت  على شاكلة  ما قاله  علي عثمان  محمد طه  عن انقلاب  حزب  البعث  العربي الاشتراكي  وإعدام  الضباط  المشاركين  في الانقلاب  الفاشل.

  والسؤال  الذي  يطرح  هذه  الأيام  في كل  الأوساط  السياسية  بالبلاد،  هل  فعلياً  تسلمت  قناة  العربية  التسجيلات  الكاملة  لمداولات مجلس  شورى الحركة  الإسلامية  من منتمين  للحركة  غدروا  بها  وقرروا  تسريب  الوثائق  التي  بين  أيديهم  لأعداء  الحركة؟ وما هو  المقابل  الذي  دفعته  القناة  والمخابرات  التي  تقف  من ورائها  لتحصل  على شيء  تعتبره  القناة  ثميناً  ويراه  آخرون  بلا  قيمة  الآن  على  الأقل  باعتباره  من المعلوم  بالضرورة  لكل  السودانيين  خاصة وأن التسجيلات  التي  تم بثها  جميعها  سجلت  في العشرية  الثالثة  من عمر  دولة  الإنقاذ  الثلاثينية،  وهي  فترة  انفتحت  فيها  الحركة  على المجتمع  السوداني  وانكفأت  في  علاقاتها  الخارجية  ووهنت  صلاتها  بالإسلاميين  في كل  بقاع  الأرض  وما عادت  لها  صلات  بالإسلاميين  في مصر  القريبة  بسبب  الانقسام  الذي  ضرب  صفها  ووقوف  أغلب  الإسلاميين  في العالم  مع الحركة  الإسلامية  التي  يقودها  الراحل  حسن  الترابي  الذي  يعرفونه  ويعرفهم  بينما  طغى  البعد  الوظيفي  على الحركة  الإسلامية  التي كان  يقودها  الزبير أحمد  الحسن.

الفرضية  التي  تقول  إن خيانة  بعض  منسوبي  الحركة  الإسلامية  وراء  حصول  قناة  العربية  تبدو  مستبعدة  خاصة  وأن القناة  حصلت  على التسجيلات  بعد  أن استبيحت  مقرات  الحركة  الإسلامية  في ١١ أبريل  وليس  قبل  ذلك  التاريخ  ولكن  الفرضية  الأقرب  للواقع  أن الاستباحة  التي حدثت  لكل  شيء  بعد  سقوط  النظام السابق  مكنت  أيادي  معادية  للحركة  من الوصول  إلى تسجيلات  كاملة  لمؤتمرات  شورى  الحركة الإسلامية  وهي  تسجيلات  للتوثيق  وليس  للنشر  الإعلامي  حينذاك،  وأغلب  المداولات  التي  بثت  حول  قضايا  داخلية  لا تهم  العالم  الخارجي  في شيء  ولا تمثل  اعترافات  في قيمة  ما ورد  على لسان  د. حسن  الترابي  في  برنامج  شاهد  على العصر.  

لكن  حلقات  العربية  يتم  توظيفها  الآن  ملهاة  للشعب  الذي  يطحنه  البؤس  وتتمزق  دواخله  من الخوف  من المجهول  

ما تم  بثه  حتى  الآن  لا يشكل  مادة  ذات  قيمة  سياسية  ولا هي  وثائق  لإدانة  الحركة الإسلامية  كياناً  أو  حتى شخوصاً  وردت  على  ألسنتهم  بعض  التعليقات،  وبثت  مجتزأة  لأغراض  الغثارة  والتشويق  وخدمة  أهداف  القناة  المعلومة  بالضرورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى