خربشات الجمعة

(1)

* حبس السودانيون أنفاسهم خوفاً على مصير وطنهم في ليلة رأس السنة الميلادية.. وقد زرعت الفوضى في شوارع الخرطوم وتم قذف المارة بالحجارة والبيض الفاسد، وتم تهشيم زجاج السيارات وخرجت عصابات النيقرز إلى الساحات العامة شاهرة السواطير والسكاكين والعصي.. وفي الجنينة كانت المأساة الإنسانية الدامية والأبرياء يسحلون في أبشع جريمة يشهدها العام 2019م قبل أن يطل العام الجديد..

وفي مدينة الأبيض أكثر مدن السودان أمناً حتى عهد قريب.. يقتل شاب ويتم نهب دراجته البخارية في الساعة الثامنة مساء ولا أثر للعصابة التي لم تجد من يردعها.. مثلما لم تجد عصابات القتل في الجنينة من يقول لها “كر”.. الكلمة بين قوسين يهش بها السودانيون الدجاج في البيوت.. والفوضى التي تضرب الوطن وتهدد بتمزيقه بدأت حينما نشرت بعض القوى السياسية خطاب الكراهية ضد القوات النظامية.. استهدف جهاز الأمن الوطني وتمت محاصرته في ثكناته وجردته الوثيقة الدستورية الحاكمة من السلاح، وبات مجرد وحدة معلومات مهمتها جمع المعلومات وتقديمها لجهات الاختصاص الشرطة والنيابة لاتخاذ القرار بشأنها بعد أن كان جهاز الأمن السوداني واحداً من أفضل وأكفأ أجهزة الأمن في القارة الافريقية.. يحمي الوطن من اختراق العملاء.. ويساهم في فض النزاعات القبلية بتكوينه القومي وقدرته في الوصول إلى المجرمين.. وقد نفذ جهاز الأمن الوطني عمليات في غاية التعقيد بإطلاق سراح الأسرى والمخطوفين من قبل عصابات تجارة البشر والجماعات المتطرفة، ولكن قوى اليسار التي ارتكبت عام 1985م جريمة حل جهاز الأمن القومي بعد الانتفاضة هي من يقف اليوم وراء تجريد جهاز الأمن والمخابرات من سلطته والجهاز لن يضار أفراده بقدر ضياع الوطن!!

 كان حرياً بحكومة الانتقال إعادة هيكلة جهاز الأمن وتطويره.. وفصل وإعفاء من ترى بأنه لا يمثلها وتعين ضباطاً وجنوداً جدداً بعقيدة قوى الحرية والتغيير، ولكن الحفاظ عليه ضرورة وطنية. وكذلك الشرطة التي وجدت نفسها “مجردة” من سلطة مكافحة الجريمة ومستهدفة من قبل الشباب الثائر الذي لا يزال يضمر في نفسه شيئاً بل أشياء بسبب أيام المواجهات بين الثوار والقوات النظامية.. ولكن الشرطة السودانية لا يعرف عنها حياداً عن أداء واجبها قدمت من التضحيات ما قدمت.. وتوسدت الذخيرة ومشت على جراحها من أجل المواطنين، فكيف تستهدف ويشنع بها.. ويطعن البعض في وطنيتها، ولا تجد الشرطة الإنصاف والشحذ المعنوي من كبار رجال الدولة..

أما القوات المسلحة التي اضطر القائد العام الفريق عبد الفتاح البرهان لتنويرها خلال الأيام الماضية بعد هتافات صبية “قحت” في ليلة الكريسماس وصمت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وكان حرياً بالرجل الدفاع عن القوات المسلحة من منبر حديثه قطعاً لألسنة الشائنين، ولكنه لم يفعل ذلك.. فتحدث البرهان لجنوده وضباطه بشجاعة ونافح عن قوات الدفاع الشعبي التي قاتلت بشرف إلى جانب القوات المسلحة في كل جبهات المعارك ولكنها الآن “يتنكرون لها”.. وهكذا يفعل اليسار وتابعوه من المخدوعين..!!

(2)

السودان الآن في مفترق الطرق.. ما بين ديمقراطية قد تأتي بعد (3) سنوات من الآن وما بين ديكتاتورية عسكرية بثياب مدنية يجري الآن الترتيب لإنزالها للخرطوم من تحالف الطائفية والخليجييين والعسكريين.. وقوى اليسار سادرة في غيها.. لا تشعر بحبل المشنقة الذي يتم وضعه في عنقها وهي “مشغولة” بصراعات غير منتجة مع الإسلاميين وانتقام من خصومها.. وهي لا تدري بما يجري هناك من تحالفات تبدأ من شركاء كبار  في تحالف قوى الحرية والتغيير.. ودخول لاعبين مهمين في شراكة حكومة ما بعد حمدوك.. منهم عبدالعزيز آدم الحلو الذي تم “تشبيك” علاقاته بأهم محاور صناع الحكومة القادمة في القاهرة تم إبرام تحالف بين الحزب الاتحادي الديمقراطي وبين صلاح قوش وعبد العزيز الحلو وجبريل ابراهيم ومني أركو مناوي، وتم التصديق لهذا التحالف بشيك يصرف في دولة الإمارات العربية المتحدة الراعي الجديد لمفاوضات السلام من أجل تشكيل سودان جديد خالٍ من الاسلاميين وخالٍ من اليسار الشيوعي واليسار البعثي واليسار الناصري.. وإقصاء مثل هذا بات قريباً جداً، وحكومة السيد رئيس الوزراء حمدوك في كل يوم تثبت فشلها وترددها وضعف أداء وزرائها..!!

(3)

مفاوضات السلام التي تتعثر في جوبا الآن ربما مضت إلى توقيع اتفاق سلام نهائي وفق المسارات المتعددة وهي مسارات تضعف تحالف الحركات المسلحة أكثر منها تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة.. وقضية العلمانية وحق تقرير المصير لن تصبح عقبة تحول دون تحقيق السلام, فرفض بعض مكونات الحكومة للعلمانية لا يمثل رفضاً مبدئياً والتزاماً أخلاقياً وفكرياً وحضارياً وثقافياً ولكنه رفض “الخائف” من تبعات التوقيع على اتفاق “يلغي” شرع الله في أرض السودان ويؤسس لدولة يتم فيها فصل الدين عن الدولة.. وخوفاً من حدوث مواجهة بين دعاة الشريعة ودعاة العلمانية ونشوب معركة مفتوحة بين الحق والقوة.. ربما تم البحث عن “مخارج طوارئ” لهذه القضية، وتطمينات للحلو وعبد الواحد لانتقال السودان ثقافياً وحضارياً خلال السنوات الثلاث القادمة إلى حيث يريدون.. وتحقيق السلام وتنفيذ بنود الترتيبات الأمنية والعسكرية ربما فرض واقعاً جديداً على الأرض وبعث النعرات القبلية والعنصرية على الأقل في الفترة الأولى.. والقوى التي تحمل السلاح هي حاضنة لقوى اجتماعية من المقهورين والمظلومين والثكالى والأيتام والنازحين الذين فقدوا أرضهم في نزاع السنوات الطويلة هؤلاء سيشعرون في الفترة الأولى على الأقل بنشوة وفرح وإحساس بالنصر على من ظلمهم، وفي مناخ هشاشة الأوضاع الأمنية التي ذكرت في فاتحة الزاوية، فإن أحداث الجنينة قد تطل برأسها في مناطق أخرى في كردفان ودارفور فهل في ظل الأوضاع الحالية للقوات النظامية تستطيع الحكومة السيطرة على الماء المتدفق من أعلى الجبل..؟!

(4)

يحار المرء أين يقف الإمام الصادق المهدي يوماً تجده “ناقداً” لقوى الحرية والتغيير ويوماً مادحاً لحكومتها “واقفاً قنا” داعماً لخطى مسيرتها.. يوماً مهاجماً الحزب الشيوعي ويوماً منافحاً عنه مهادناً له.. يوماً مع ابنه عبد الرحمن الصادق.. ويوماً مع ابنته مريم.. يتجول الإمام من “حلة لأخرى” يغازل قوات الدعم السريع.. ولكنه لا يصمد في وجه منتقدي “غزله” وحبه الشديد للفريق حميدتي.. الإمام الصادق ينتظر انتخابات قد تأتي بعد (3) سنوات وحينها يقترب الإمام من عمر التسعين.. ويصبح حلم العودة لرئاسة السودان مثل حلم فوز حزب البعث بدائرة جغرافية في السودان..!!

وكل سنة والجميع بخير..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى