وردي.. أناشيد برائحة الوطن

أحمد طه صديق

كثيرون غنّوا للوطن حتى قبل الاستقلال ثم صارت الأغنيات الوطنية بعد ذلك تتوالى، بعضها ما زال عالقاً في ذاكرة الشعب حتى الآن مثل أناشيد حسن خليفة العطبراوي وسيد خليفة في نشيد الخرطوم ومحمد الأمين في الملحمة الشهيرة وغيرها، بيد أنّ فنان أفريقيا الأول يعتبر من أكثر المطربين الذي أثروا المكتبة السودانية بأغنيات خالدة استبطنت الحماس بعيداً عن الهتافية في اللفظ والأداء، وطفحت بالعذوبة والجمال، وحفرت نُقُوشاً في وجدان شعبنا لا يمحوها تقادُم الزمن .

نشيد الاستقلال

يُعتبر نشيد الاستقلال الذي تغنّى به الفنان الكبير محمد وردي، ولحّنه وصاغ كلماته الجميلة الطالب آنذاك بجامعة الخرطوم عبد الواحد عبد الله، يظل من أكثر الأغنيات الوطنية التي كُتب لها الخلود حتى الآن وسيطرت على البرامج الاحتفائية عن الاستقلال في الإذاعة السودانية منذ أن تغنّى بها في يناير 1961، وكذلك التلفزيون بعد ظهوره للعلن ثم باتت أيقونة ثابتة في القنوات الفضائية السودانية وإذاعات (FM)، كما شكّلت حُضُوراً لدى الطلاب بالجامعات في احتفالاتهم بهذه المُناسبة العطرة، بل حتى في المراحل الابتدائية وقد تم تضمينها لاحقاً من ضمن الأناشيد الوطنية في  مرحلة الأساس .

أكتوبريات

يتّفق الكثيرون بأن الفنان الكبير محمد وردي من أكثر الذين تغنّوا لثورة أكتوبر الشعبية بألحان تميّزت بالعذوبة في الأداء والمفردة المُعبِّرة، فقد تغنّى وردي بأغنية أصبح الصبح للشاعر محمد الفيتوري والتي كانت من أشهر الأغنيات الوطنية الخالدة التي ردّدتها الجماهير كأهزوجة مُعبِّرة على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية حتى الأطفال في المدارس، وقام الفنان محمد وردي بتلحين الأغنية قبل سقوط النظام العسكري للفريق إبراهيم عبود بأيّامٍ قليلةٍ وانطلقت عبر المذياع بمجرد سقوط النظام، فصارت نشيد الثورة وأيقونتها الرائعة وعلامتها الخالدة حتى اليوم، وجاء في كلماتها المُعبِّرة:

أصبح الصبح ‏

ولا السجن ولا السّجّان باقٍ‎

وإذا الفجر جناحان يرفان عليك‎

وإذا الحُزن‎ ‎الذي كحل هاتيك المآقي‏‎

والذي شد وثاقاً لوثاق‎

والذي بعثرنا في كل وادٍ‎

فرحة‎ ‎نابعة من كل قلب يا بلادي‎

*****

أصبح الصبح‎

وها نحن مع النور التقينا‏‎

التقى‎ ‎جيل البطولات‎

بجيل التضحيات‎

التقى كل شهيد‎

قَهَرَ الظلم ومَات‎

بشهيد لم‎ ‎يزل يبذر في الأرض‎

بذور الذكريات‎

أبداً ما هُنت يا سوداننا يوماً علينا‎

بالذي أصبح شمساً في يدينا‎

وغناءً عاطراً تعدو به الريح‏‎

فتختال الهويني‎

من كل قلب يا بلادي‎

ثم تَغنّى وردي بأغنية أكتوبر الأخضر والتي لاقت أيضاً قولاً كبيراً وهي من كلمات الشاعر المعروف محمد المكي إبراهيم، وتغنّى كذلك بأغنية نحن رفاق الشهداء للشاعر علي عبد القيوم، كما تغنّى لثورة أكتوبر بنشيد شعبك يا بلادي أقوى وأكبر مما كان العدو يتصوّر للشاعر الطاهر إبراهيم وهي من الأغاني الوطنية الرائعة وتقول بعض كلماتها:  

ظُلم عُمره اتحدّد

أيام أكتوبر تشهَد

الفترة الحالكة الماضية

في تاريخِك ما بتتجدّد

عَهدِ فسادُه

واستِبدادُه

الله لا أعادُه

يهزِم طرح الوادي الأخضَر

يا بلادي

شَعبِك أقوى وأكبَر

مِمّا كان العدو يتصوَّر….

أغنيات إنتفاضة إبريل

منذ أن تفجّرت انتفاضة أبريل بأيّامٍ قليلةٍ، صدح الفنان الكبير وردي بالعديد من الأغنيات الوطنية منها عرس السودان للشاعر الكبير محمد الفيتوري ويا شعبك لهبك ثورتك للشاعر محجوب شريف وهي من الأغنيات الوطنية التي لاقت قُبُولاً كبيراً في الانتفاضة، وكان وردي قد تغنّى بها لأول مرة في ميدان جامعة الخرطوم، حيث شهد الحفل عدد كبير من الجماهير على اختلاف ألوانهم السياسية واعتلى الكثير منهم كَشّافات الإستاد، كما غنّى وردي أيضاً للشاعر محجوب شريف بعد الانتفاضة أغنية (بلا وانجلى)

أغنيات مايو

عندما استولى نميري على السلطة بعد الإطاحة بالنظام الديمقراطي آنذاك، ظهر النظام الجديد بثوبٍ يساري أحمر صنّف في خانة الأيديولوجية الشيوعية، بالرغم من أن نميري وجل أعضاء مجلس انقلابه لم يكونوا شيوعيين وإن كانوا يساريي الميول، وبما أنّ وردي كان أقرب لأفكاره للحزب الشيوعي رغم نفيه لهذا الأمر، لكنه تحمّس للنظام الجديد في بداياته شأن كل الشيوعيين آنذاك، فسارع الشاعر محجوب شريف المُنتمي للحزب الشيوعي بنظم قصيدة خفيفة لحّنها وردي بلحنٍ مُميزٍ شارك معه الأداء على غير العادة مطرب آخر وهو الفنان محمد ميرغني في أغنية (يا حارسنا وفارسنا).. كما غنّى  للنظام الجديد ومجدّداً للشاعر محجوب شريف نشيد (في شعارتنا مايو … في حكايتنا مايو).. 

بيد أنّ وردي بعد انقلاب نميري ضد الشيوعيين عقب انقلابهم العسكري عليه والذي تم إجهاضه بعد ثلاثة أيام فقط، لم يقدِّم بعدها أية أغنية تدعم نظام النميري بعد ذلك .

أخيراً.. تظل الأغنيات الوطنية للفنان الكبير محمد وردي علامة فارقة في الفن السوداني والأغنيات الوطنية مهما تقادم الزمن وماثلة في وجدانهم الوطني رغم هجمة مُلوّثات السمع في الساحة الفنية .

888

استقلال السودان بعيون الزمن الجميل

كتبت: عائشة الزاكي

عند ذكرى عيد الاستقلال المجيد من كل عامٍ، يحتفى به الشعب السوداني بعد استقلاله من الاستعمار، ويتوقّف عنده الكثيرين وخاصةً الذين عاصروا هذا الاستعمار، ويستحضروا مشاهد عالقة بالذاكرة وهم شهود عيان ذاك العصر، ولهم دلالات تستوقفهم لحظة الاحتفال به.. إنه بلا شك الاستقلال، ذاك الحدث الأكبر والأعظم في تاريخ بلادنا.. أحداث ومشاهد ساهموا فيه رجال ونساء فصاروا جُزءاً أصيلاً منه يُذكر أسماؤهم في كل أول يناير من كل عام على سبيل المثال الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب…

(الصيحة) في الذكرى الـ65 للاستغلال التقت بالأستاذ أحمد النور ليحكي لنا عن أعياد الاستقلال في السابق، الذي كَانَ حاضراً في ذاكرته بكل تفاصيله ومواقفه وهو يُدرس بالمرحلة الثانوية في ذلك الوقت.

حيث قال الخرطوم عن أعياد الاستقلال، إنّها كانت كعروس جميلة في ليلة زفافها، بل فائقة الجمال شوارعها نظيفة ملساء تحفها الأشجار الخضراء المُفعّمة في الخضرة من كل جانبٍ.. أرصفة الشوارع في غاية من النظافة، مُميّزة بعلامات المرور السوداء والبيضاء.. حديقة الجمهورية التي تقع جنوب القصر كانت تفوح منها رائحة الورود والزهور العطرة.. كانت الخرطوم بشكلها حينذاك تُضاهي عواصم ومدن الدول المُتقدِّمة، بل وتتفوّق على الكثير من عواصم الدول الأخرى.. كان يُطلق عليها صفة المدنية الدائمة الخُضرة.. جاء الاستقلال سلمياً حيث كانت سمة الكفاح والنضال بعد المهدية في غالبيتها العُظمى سلمية ومدنية كثورة ديسمبر المجيدة الحالية وهذا ما كان قد أشار إليه الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري عند وصفه للاستقلال بعبارته الشهيرة (جئناكم بالاستقلال كالصحن الصيني لا شق ولا طق).. وقد أُجريت انتخابات عامة وكان ذلك في فترة الحكم الذاتي للسودان والتي سبقت الاستقلال بثلاث سنوات كان في ذلك الوقت الاحتفالات كانت في حدائق القصر وبعض الساحات والأندية..  وكان الفنانون في ذلك الوقت الفنان أحمد المصطفى وسيد خليفة وعثمان حسين وفي ذلك الوقت كل الأغاني كانت وطنية على سبيل المثال كأغنية الفنان أحمد المصطفى (أنا أم درمان).. والفنان محمد خليفة العطبراوي أغنية (أمشي لي بلدك)، التي واجه بها الاستعمار وكل الشعب السوداني كان يردِّد أغاني الاستقلال على سبيل المثال اليوم نرفع راية استقلالنا ويُسطِّر التاريخ مولد شعبنا.. وختم حديثه بأن يعود السودان كما كان أيام الاستقلال.

888

حصاد 2019

السينما السودانية.. جوائز خارجية ومُحاولات لإحياء دُور عرض قديمة

إعداد: قسم المنوعات 

حَقّقَت السينما السودانية، عدة جوائز عالمية في العام المنصرم 2019، أهمها فيلم (ستموت في العشرين) للمخرج أمجد أبو العلاء جائزة “أسد المستقبل” للعمل الأول في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، الذي أُقيم في شهر سبتمر الحالي، ولاقى الفيلم تقديراً معنوياً من الحاضرين وعلّق وأشاد به بعض الكُتّاب العرب في مُدوِّناتهم، وقالت صحيفة “النهار” اللبنانية على لسان أحد كُتّابها قائلاً: (لن أتردد في القول إن هذه الأنشودة السينمائية تُؤكِّد ولادة مخرج يافع بأفكاره وأطروحته ورؤيته لبلده.. مخرجٌ له تصوُّراته الجمالية عن السودان، وهي بعيدة عن تصوُّراتنا وتصوُّرات كلّ مَن لا يعرف الكثير عن أرض الحضارات).

أبو العلا أنجز فيلماً مُتصالحاً مع أفكاره، لا مرجعية سينمائية له رغم أنّ العديد من المَشاهد تذكّر بهذا أو ذاك (أنغلوبولوس، تورناتوري، شاهين وفوزي) من دون أيِّ إحساس بـ”ديجا فو”، أصيل في رغبته في صناعة سينما، بل أصيلٌ وساحرٌ كذلك في مُقاربته لهذا الوجود الذي يتسرّب من بين الأصابع.

جوائز عديدة 

 وحصل السينمائيون السودانيون جوائز في مجال الأفلام القصيرة في الأفلام القصيرة، حيث فاز المخرج سيف الدين حسن بجائزة الذهبية  للأفلام الوثائقية بتونس الذي أُقيم بمُناسبة خمسينية إذاعة وتلفزيون الدول العربية، ويُعتبر هذا الفوز للمخرج سيف الدين العاشر في مهرجانات وفعاليات عربية، أيضاً المخرج السينمائي السوداني صهيب قسم البارئ، فاز بالجائزة الكبرى عن فئة الأفلام الوثائقية بالدورة 69 لمهرجان برلين في فبراير 2019 عن فيلمه “حديث عن الأشجار”، كما حصل الفيلم على جائزة أفضل مؤثرات صوتية.

وشهدت الدورة التي عُقدت العام الماضي عرض مجموعة من الأفلام السودانية “رحلة صيد” للمخرج إبراهيم شداد، وفيلم “لكن الأرض تدور” للمخرج سليمان محمد إبراهيم، وأفلام “المحطة”، “الضريح” و”أربعة مرات للأطفال” للمخرج الطيب مهدي.

كما عُرض فيلم “أوفسايد الخرطوم” للمخرجة مروة زين، الحائزة بالدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي على جائزة مالية قدرها 15 ألف دولار عن مشروع فيلم “على حافة الخرطوم”.

وفازت مروة بمنحة المركز الوطني الفرنسي للسينما ضمن فعاليات الدورة 27 لمهرجان قُرطاج السينمائي، وهي الجائزة التي تُمنح لدعم مَشاريع الأفلام الأفريقية في مرحلة ما بعد الإنتاج.

جوائز سابقة

وقدّمت مروة، أفلاماً روائية قصيرة نالت جوائز عديدة، منها “اللعبة” الفائز بجائزة مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 2010، ونافس فيلمها “أسبوع ويومين” الذي لعبت بطولته الفنانة ياسمين رئيس، على جوائز المهر العربي بالدورة 13 لمهرجان دبي السينمائي الدولي، التي أُقيمت في ديسمبر 2016.

وأوردت “رويتر”، تقريراً عن السينما السودانية قلت فيه: فاز فيلم «الجمل» للمخرج إبراهيم شداد بجائزة النقاد في مهرجان كان عام 1986 وحصل فيلم «حبل» للمخرج نفسه بذهبية مهرجان دمشق في العام التالي.. كما نال فيلم «ولكن الأرض تدور» لسليمان محمد إبراهيم ذهبية مهرجان موسكو عام 1979 وفاز فيلم «الضريح» للطيب مهدي بذهبية مهرجان القاهرة للأفلام القصيرة في 1972.

وشهدت السبعينيات أيضاً بدء إنتاج الأفلام الروائية السودانية.. ففي عام 1970 أنتج القطاع الخاص أول فيلم سوداني هو «آمال وأحلام» للمخرج الرشيد مهدي.. وتوالت بعده الأفلام الروائية الطويلة فأخرج جاد الله جبارة فيلم «تاجوج» الذي نال جوائز في تسعة مهرجانات دولية وإقليمية وأخرج أنور هاشم «رحلة عيون» في بداية الثمانينات وفيلم «عرس الزين» عن قصة الأديب السوداني الطيب صالح والذي اقتصر العُنصر السوداني فيه على التمثيل في حين كان كويتياً إنتاجاً وإخراجاً.

عاد وجدي كامل بعد سنوات مُتخصِّصاً في الإخراج السينمائي ليجد أنّ الزخم خفت حدّته على العكس مما كان مأمولاً، وتفرق أغلب السينمائيين الكبار في المهجر يدفعهم في ذلك مشروعات وطموحات التعبير السينمائي، بينما تدمي قلوبهم وذاكرتهم المُقارنات الموجعة بين ما كان وما صار.. وبين أولئك إبراهيم شداد رائد الاتجاه الذي برز في أفلام الخريجين في السبعينيات وحسين شريف مخرج «انتزاع الكهرمان« والمخرج الطيب المهدي صاحب «الضريح« و«أربع مرات للأطفال« و«المحطة«.

ويرى كثير من المهتمين بالسينما أنّ تعثُّر النهضة السينمائية بالسودان يعود لعدم اهتمام الدولة.. فالإنتاج السينمائي ظل وثيق الصلة بالسياسة الثقافية للدولة، حيث كانت الأفلام الوثائقية وأفلام الخريجين التي وجدت قبولاً إقليمياً ودولياً وليدة الدعم الحكومي عبر الأقسام الإدارية المُخصّصة للسينما في الوزارات الحكومية.. ويقول هؤلاء إنّ حل مؤسسة السينما في أوائل التسعينيات كان له دورٌ كبيرٌ في احتضار السينما السودانية.

دور غائبة 

غير أنّ تقرير “رويتر” لم يتعرض لتجفيف دور العرض السينمائي في البلاد والتي حدثت في العهد السابق، حيث لم تتبق في الخرطوم سوى حوالي ثلاثة دُور عرض فقط، بينما جُفِّفت أيضاً في الأقاليم المختلفة.

لكن كانت محاولات لإحياء دور عرض قديمة هجرت منذ عدة سنوات إبان حكم الإنقاذ المدحور مثل سينما الحلفايا ودور أخرى يجرى التخطيط لإخارجها من غياهب النسيان. 

ولا شك أنّ غياب السينما كانت له تداعياته الاجتماعية السالبة، حيث كانت دُور العرض منذ الستينيات مُتنفّساً للشاب، كما كان إحدى وسائل الوعي الإيجابي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى