قيمة الاستقلال وعبرته !

ـ في مثل هذا اليوم من عام 1956م تقدم الزعيم الوطني ورئيس الحكومة السيد إسماعيل الأزهري وعلى يمينه الأستاذ محمد أحمد المحجوب زعيم المعارضة ورفعا علم السودان بألوانه الثلاثة إيذاناً باكتمال الاستقلال من الاستعمار البريطاني، وذلك بعد أن تم بالفعل إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، خرج السودانيون للشوارع والساحات واحتفلوا وابتهجوا بالاستقلال وبزوغ فجر الحرية وميلاد الدولة الوطنية من جديد .

ـ جاهد السودانيون وناضلوا وكافحوا من أجل ذلك اليوم العظيم، بؤر المقاومة التي بقيت من الدولة المهدية ثم ثورات علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ وحركة ونشاط مؤتمر الخريجين وغير ذلك من الجمعيات السرية، وقد كان للأدب والشعر والفن دوره وكذلك للرياضة بقيادة نادي الحركة الوطنية المعروف، كان نتاج ذلك التراكم هو الاستقلال الذي تم بحكمة وتفاهمات مع الإنجليز الذين كانوا أصلاً قد وصلوا لقناعة ألا مستقبل لهم في السودان .

ـ تسلم الحاكم الإنجليزي علم بلاده بصورة حضارية لائقة تشبه طبع السودانيين وعدم ميلهم وحبهم للعنف وإهانة الضيف حتى ولو كان مستعمراً بغيضاً، كان مشهد القطار والجنود الإنجليز يصعدون إليه بأغراضهم الشخصية و”عفشهم” مشهداً خالداً لافتاً، وصوت الفنان الوطني حسن خليفة العطبراوي يتردد في سماء السودان “يا غريب يلا لبلدك، شيل معاك عِدَدَك”! وربما كان من حقنا الاستيلاء على تلك “العِدد” كما فعلت مستعمرات أخرى لكننا لم نفعل .

ـ عبرة الاستقلال وقيمته في أن ننتبه لأنفسنا وواقعنا وحالنا البئيس بعد أكثر من ستة عقود مضين منذ الاستقلال، هل أنجزنا دستوراً شاملاً بات محل اتفاقنا وإجماعنا واحترامنا؟ هل أسسنا ورسخنا نظاماً سياسياً راسخاً يقوم على التداول السلمي للسلطة والتراضي الوطني واحترام التنوع وحق الآخر؟ هل بنينا اقتصاداً متيناً؟ هل أنجزنا بنيات أساسية في مختلف المجالات الحيوية؟ هل أسسنا نظاماً للتكافل الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية؟ هل وهل وهل؟ الإجابات الصريحة الشفيفة تمثل معطيات تقييم وضعنا العام .

ـ ونحن على أعتاب الاحتفال بالذكرى “64” للاستقلال تأتينا بعض الأخبار غير المُفرحة وغير المُبشرة، في حاضرة غرب دارفور نشوب نزاع دموي داخلي بين المكونات الإثنية الأساسية للولاية وسقوط أرواح، ذات ما حدث في بورتسودان حاضرة شرق البلاد مع اختلاف التفاصيل، عصابات النيقرز تمارس بلطجتها في قلب أم درمان والعصابات المتفلتة تقلق منام الناس في بيوتهم، موازنة 2020م لم تُعتمد بعد، ولا تزال محل خلاف وانتقاد، الأزمة الاقتصادية مستفحلة، هذه أيضاً معطيات مهمة عند تقييمنا لمجمل أحوالنا .

ـ لا أعلم مخرجاً آمناً، غير الاعتراف الصريح بالفشل والإخفاق المتلاحق منذ الاستقلال رغم بعض النجاحات هنا وهناك، ثم التعافي والتراضي والتجرد عن الأهواء والمطامع الحزبية والشخصية مع التعويل الحقيقي على الكفاءات الوطنية لإعادة وضع الإستراتيجيات والخطط وإعادة ترتيب أولويات علاقاتنا الخارجية والخلوص لبرنامح وطني إسعافي ينكبُّ عليه الجميع دون أن يعطل ذلك العمل في الملفات الإستراتيجية وعلى رأسها الدستور ووثيقة المصالح الوطنية .

ـ ليتنا نتوقف عن إهدار المزيد من الأوقات والطاقات في مناطحة طواحين الهواء وإدارة معارك في غير معترك، وندرك أن التنوع مصدر قوة وتميز، وما أروع ما حبانا الله به من نسيج متنوع .

ـ عام جديد وعلى عملكم شهيد .

الرقم 0912392489 مخصص للرسائل وليس الاتصالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى