الوطن النموذج الذي نحلم به.. ولكن هيهات

 

* بالرغم من التجارب السياسية العديدة التي لا تضاهينا فيها دولة، ولا يتميز بها عنا مجتمع، حيث جربنا الديمقراطيات، والفترات الانتقالية، والأنظمة العسكرية، لكننا فيما يبدو لم نتعظ من الدروس، ولم يتم البناء على ما هو موجب، ولا ألقي هذا القول على عواهنه، لكني أدلل لما ذهبت إليه بالبراهين القاطعة، والأدلة الدامغة والوقائع التي تمشي بيننا حية على الأرض.

* فلقد كنا نحلم بديمقراطية يتنافس في حقلها المتنافسون، لكننا من أول وهلة للممارسة، لا نجد إلا الولاءات العمياء، والاستقطابات الحادة، والسوق الأسود الذي فيه لا تباع البضائع، والمواد التموينية، ولكن تعرض المبادئ، وتداس القيم، وتشترى الذمم ويصبح المال وسيلة للسطو على الضمائر، وتشويه الأخلاق، والإسهام في إعوجاج الرأي بدلاً من لعب الدور الأكبر في إستقامته.

* والحرية التي ننادي بها سرعان ما تتحول إلى قوانين ظالمة، وإجراءات للمصادرة واستبداد تكون وسيلته هي التشريع، والتنكيل، والتبكيت، وتكميم الأفواه.

* والعمل النقابي الذي تعارفت عليه الأمم هو العمل الذي بموجبه تختار القواعد من يمثلها وتتاح الفرصة للعضوية للتمييز بين الغث والسمين، وبين القوي والضعيف وبين الذي يؤتمن وذلك الذي يستهدف خيانة العهود والمواثيق .

* وكم كنا على درجة من الاستغراب عندما تنزع الجهات التي كانت تملأ أفواهها بالهتاف منادية بالحرية لتسن قوانين تجيز المصادرة بقانون ينسخ حريات القواعد ويقضي على خصوصية النقابات، التي هي في الأصل ليست ذراعاً حكومياً، وإنماهي جسم يعبر عن جهة أهلية، ومجتمع مدني كان ينبغي أن تضع الحكومة والجهاز التنفيذي خدماتها لصالحه، بدلاً من الاعتداء عليه، واغتصاب حساباته، وممتلكاته بهذه الطريقة البشعة، التي تتنافى وحق أصيل من حقوق الإنسان، وهي الحرية، والكرامة ومختلف الشؤون التي تعتبر من صميم الخصوصيات .

* والثورات التي اندلعت في بلادنا، كان الأمل فيها أن تنهي دائرة خبيثة بين عسكرٍ ومدنيين، وتقودنا نحو نظام سياسي مستقر، لا إقصاء فيه، ولا ظلم، ولا استبداد باسم القوانين الجائرة، التي من خلالها يمارس الطغيان، ولكن للأسف تأتي الثورة ليعتلي السلطة بعدها أناس لا وزن شعبي يدعمهم، ولا احترام جماهيري يقف من خلفهم، ولا أيدلوجية فكرية يكون لها القبول، فيجوس هؤلاء خلال الديار فتتحول الثورة إلى فوضى، ويجد هؤلاء من يشجعهم على هذا السلوك، ذلك لأن الفوضى عمادها الغوغاء، ولحمة سداها، عدم التناسق، والانسجام، ومؤشراتها بأن كلاً يغني على ليلاه، حيث لا تناغم، بين هذا، وذاك، بل ينشغل هؤلاء بأجندتهم، ولا يدري المواطن المغلوب على أمره، إلى أين يكون المفر، ومن هو الذي إليه يلجأ الناس لفض النزاعات، ووضع حد للصراعات، وإيجاد حلول للأزمات.

* والمبدأ الذي هو سيادة حكم القانون بدلاً من إرسائه ها نحن نرى كيف تسيس العدالة، وتشرع القوانين التي تلغي  الانضباط، وتسمح للكافة ليأخذوا حقوقهم بأيديهم خاصة عندما تستفز الشرطة، ويسلب الحق من قوات الأمن فتقف متفرجة على الناس وهم يتقاتلون.

* ويا ليتنا نعي الدروس، ونستفيد من تجارب الماضي، وخبراته، تجنباً لإلحاقنا بدولٍ فاشلة يعج بها هذا الشرق الأوسط الكبير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى