الرغبة في التغيير ..!

 

 

“الذين لا يقرأون التاريخ محكومٌ عليهم أن يُكرِّروه”.. جورج سانتيانا..!

 

(1)

 

من المظاهر الاجتماعية أيام حكم الإنقاذ أن أصحاب العمم والملافح الذين كانوا يمطرون “الغنَّايات” بالأوراق النقدية – في مواسم الأفراح التي يكثر فيها التغني بهيبة مختار – كانوا هم أنفسهم أصحاب “العصايات” الذين يرفعونها تهليلاً وتكبيراً مع معزوفة “دخلوها وصقيرها حام”.. ولئن سألتني عن الفتوحات السياسية أو المعارك الاقتصادية التي خاضها هؤلاء الراقصون، لأجل هذا الشعب، فما المسئول عنها بأعلم من السائل.. ولكن المفارقة الطريفة  هي أن انحسار هؤلاء قد بات يقابله تمدّد أصحاب البطولات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتناحُر السياسي.. مع أن البطولة – في كلا الحالين – ليست ساعةً نُسلِّم فيها أنفسنا لجموح أخيلتنا. نحن – ببساطة – لا نُقرر أن نُصبح أبطالاً، بل نجتهد لنُنجز أفعالاً.. كل البطولات الإنسانية أتت كنتائج راجحة لعظمة الأفعال الدالَّة على الفاعلين..!

 

(2)

 

صحيح أن  النزعة نحو شيطنة الرأي الآخر وأبلسة الخصوم ظاهرة عالمية، لكن ذلك لا يعني أن نحرص على التكريس لهذه النزعة بهروعٍ أخرق وكفاءةٍ غوغائية، على منصات افتراضية بات يعيش روادها أزمة نفسية، اجتماعية، اسمها “الحاجة إلى بطل.. وهو – بالمناسبة – مفهوم يتفرَّق دمه بين قبائل الأوهام، والاصطناع، والزيف، والتفكير الرغائبي .. من ادعاء البطولات، إلى صناعة الأبطال.. بصراحة ــ ومن الآخر ــ منصات التواصل الاجتماعي ــ في بلادنا ــ تكاد أن تتحول إلى “مستشفيات مجانين”. هل يُدرك عاقل هذه الحقيقة قبل فوات الأوان..؟!

 

(3)

إن تطوير التسويق الإعلامي لمفهوم الحكم الرشيد في مجتمعنا يحتاج حساً إعلامياً براغماتياً في تقييم أزمات، ومطبات، وعلل، وأوجاع، ومزالق، ومهالك واقعنا  المعاصر، وهذا يعني ـ من الآخر ـ أن يجتهد الإعلام في زراعة  وعي الناخب قبل أن يشترك في صناعة الحاكم.. وهنا تبرز فكرة الوقوف على مدى استعداد هذا المجتمع لصناعة التجربة الديمقراطية الممتدة، والدور الذي يُمكن أن تلعبه الصحافة في ذلك.. ثم تأتي مناقشة فكرة “الحكم الانتقالي” كوظيفة مؤقتة للحاكم، في مرحلة محددة، تنتهي بتحقّق الإصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية، وقياس مستويات أهلية الشعب – اجتماعياً وثقافياً – للخلاص من طبائع الاستبداد، دون أن يكون المخلص نفسه مستبداً يتحرى العدل في تهشيم أضلاع الديمقراطية..!

(4)

لا زلت أفكر بثنائية “الإحساس بالعجز” و”الرغبة في التغيير”: إرادة التغيير التي أشعلت شرارة ثورة، ومظاهر العجز التي توارت بفرمانات الشرعية الثورية، التي أحيت الآمال بمستقبلٍ أفضل لكل مواطن. حيث غلاء الأسعار إلى زوال، وحيث الذل والفقر وغلبة الدين وقهر الرجال إلى زوال. وحيث الفساد والمحسوبية والقبلية والجهوية ــ وكل مظاهر التمكين القاهر والإقصاء الظالم – إلى زوال. وحيث العدالة في قسمة السلطة واقتسام الثروة على نحوٍ يغطي جميع الطبقات والانتماءات، ويتنزل على جميع الفئات.. فتنحسر عمالة الأطفال، وتتوارى خلف جُدران المدارس.. وتنتصر التنمية المستدامة على جحافل الجوع الكافر..!

(5)

ما أن هبَّت رياح الثورة، وحررت العقول، واجتاحت الأفئدة، حتى تحرَّرت الفكرة الاجتماعية القديمة من سجنها المادي، النفعي، الانكفائي. فحلَّت “الكنداكة” مكان الجميلة “ذات العقل المُوشَّى بشرائط ملونة من الحمق”، وحلَّ “الشفَّاتي” حارس الفكرة، وبطل المعركة، مكان المغترب العريس “التَّمام”، الذي سقط عرشه بسقوط النظام .. فسبحان من له الدوام ..!

 

 

 

 

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى