ماذا بعد رفع الدعم!!

 

أخيراً اتخذت الحكومة الانتقالية القرار الصائب برفع الدعم عن المحروقات في المرحلة الأولى، ثم رفع الدعم عن الكهرباء والدقيق كخطوة ربما تتأخر إلى العام القادم، ولكنها بالطبع قادمة لا محالة، وذلك من أجل تعافي الاقتصاد وعدالة تقسيم الموارد بين السودانيين بعد الظلم الذي حاق بسكان الريف والقطاعات الإنتاجية المحرومة من الدعم الحكومي الذي تستأثر به طبقة الموظفين وسكان المدن على حساب الريف..

شجاعة وزير المالية إبراهيم البدوي وقناعته باستثمار الأوضاع السياسية الراهنة في اتخاذ القرار الصعب.. دفعت مجلس الوزراء بعد تردد وخوف من ردة فعل الشارع للتلكؤ في اتخاذ القرار حتى عشية الجمعة في انتظار أن يبصم المجلس السيادي في الاجتماع المشترك على قرار مجلس الوزراء، وقد اعترف نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو بأن مجلسه “تشريفي”، وبالتالي لا يملك المجلس السيادي سلطة تعديل الموازنة أو التراجع عن قرار رفع الدعم الذي يمثل خطوة صحيحة نحو إصلاح الأوضاع الاقتصادية لا بالاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي “ووصفته” لعلاج المشكل الاقتصادي، ولكن للأسباب التي وردت في ديباجة مشروع الموازنة العامة والتي ذكرنا بعضها في افتتاحية هذه المقالة ماذا بعد رفع الدعم؟؟ السؤال الذي تختلف حوله التقديرات تبعاً لوقوف السائل في أية ضفة يقف هل في صف المعارضة أم في موالاة “قحت” أم مع جموع الأغلبية المنتظرة الإصلاح والتغيير دون السؤال عن من يقود الاصلاح والتغيير!!

قرار رفع الدعم يتطلب مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدولة وحكومة الدكتور عبد الله حمدوك بمخاطبة الشعب السوداني بالأسباب الداخلية والخارجية التي أرغمت الحكومة على رفع الدعم الذي أرهق الخزانة العامة وأفقرها.. وأسقط حكومة البشير.. وإذا ما استمر الدعم ستسقط الحكومة الحالية بفقدها القدرة على إدارة البلاد وربما انهارت الدولة تحت بصر قادتها.. وقد تحملت الدول الخليجية أعباء دفع فاتورة القمح والوقود منذ العام الماضي وحتى اليوم ولا تملك البلدان الخليجية الرغبة في الصرف على حكومة مهما كانت موالية لها ومنفذة لسياساتها و”بائعة” لموانئها لها ودول غربية لا تنظر للسودان إلا كدولة مستهلكة وليست دولة تعتمد على نفسها!!

بعد رفع الدعم فإن الحكومة الانتقالية مطالبة بالسعي نحو التصالح مع الإسلاميين وإيقاف سياسة الإقصاء الممنهجة ومحاولة إرغامهم على المواجهة ودفعهم للتطرف والتصالح مع الاتحاديين ومع الحركات التي تحمل السلاح والسعي نحو الاتفاق على مشروع وطني يستوعب الجميع وديمقراطية حرة لا إقصاء فيها لتيار ولا عزل لأحد.. ولكن مع الآثار الاجتماعية العميقة لقرارات رفع الدعم وحالة السخط التي تتنامى في الشارع الآن وصعوبة الحياة لقطاعات عريضة من الشعب، فإن غياب المصالحة ووحدة الصف من شأن ذلك “توفير” وقود مجاني للمعارضة للخروج للشارع وتعبئة ذات الشباب الثائر الذي أطاح بالبشير للإطاحة بحكومة حمدوك وربما الإطاحة بالنظام الديمقراطي كلياً وفتح أبواب الجحيم بوصول مغامر عسكري أو مغامرين جدد يسومون البلاد مرة أخرى العذاب..

الدعوة للمصالحة ووحدة الصف وتجاوز الانقسام الحالي مهمة تقع على عاتق الفريق البرهان أولاً لمسؤوليته المباشرة عما سيحدث في البلاد حال استمرار الاحتقان الحالي في الساحة.. وحتماً المعارضة إذا لم تسارع الحكومة بطرح مشروع توافق وطني يشملها “ستستثمر” في حالة ما بعد الرفع..!!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى