دعوة حمدوك

هل  السيد  رئيس الوزراء عبد الله حمدوك  يظن  بأن  دعوته  لإقامة  نظام  ديمقراطي  ومصالحة  وطنية  بين  السودانيين  هي  دعوة  واقعية  وصادقة  وصادرة  من أعلى مرتبة  في الدولة وموثوق  فيها  من قبل  الذين  دعاهم  لديمقراطيته  المزعومة  ومصالحته  المفترضة؟ أم  هي  محاولة فقط  لكسب  قليل  من الأراضي  التي  فقدها  خلال  الفترة الماضية  من عمر حكومته  الانتقالية  وإصباغ  خطابه  الذي  ألقاه  بقاعة  الصداقة  بمناسبة  أعياد  الكريسماس، ولكنه  آثر  فيه  مخاطبة  كل  الشعب  السوداني ولأول  مرة  منذ  تعيينه رئيساً للحكومة، ولم يخاطب  المسيحيين وحدهم  في أعيادهم.

حمدوك ضنين  الإطلالة  على الشعب  وكثيف  الوجود  وسط  أتباعه  من قوى الحرية والتغيير،  لذلك  تفاجأ  الكثيرون  بلغته  المتصالحة  وسط  زخم  ثوري  وهياج  عاطفي  وتعطش  للمعارك  والانتقام  من المخالفين  في الرأي.

السيد  حمدوك  لم يتحدث  عن العدالة  والسجون  تفيض بالمعتقلين  بالاشتباه  ولا يعرف  المعتقل  متى  يطلق  سراحه  أو  متى  يقدم  للمحاكمة،  وإذا  سألت  عن انتهاك  الحقوق،  جاءت  الإجابة  هكذا  كان  يفعل  النظام  السابق  والسيد  رئيس  الوزراء  يشرع  لقانون  العزل  السياسي  والإقصاء وفصل  الموظفين  من وظائفهم،  ولا  يعتبر  الحقوق  شيئًا  عاماً  لكل  الناس،  وحمدوك  مثل  داعية  الحرية  الأمريكي  جيفرسون  الذي  كان  يدعو  لتحرير  الأرقاء  من الزنوج  ولكنه  في ذات  الوقت  يحتفظ  في بيته  بعشرة  من العبيد  والإماء،  وكأنه  يعتقد  أن  الحرية  التي  يدعون  لها  تخص  البشر  وعبيده  ليسوا  من البشر!

السيد  حمدوك  غير  مؤهل  أخلاقياً  للحديث  عن دولة  القانون  والعدل  بعد تبنيه  قانون  تفكيك  النظام  السابق،  وهو  قانون  معيب  ويمثل  وصمة  عار  في جبينه  حتى قيام  الساعة، عمر  الإنسان  قصير  في هذه  الحياة،  ولكن  مثل  هذه  السقطات  المتعمدة  تجعله  مثالاً  للحكام    الذين  يجيرون  القانون  لخدمة  مصالحهم  وخدمة  مصالح  أحزابهم  ولا ينظرون  لمصالح  الوطن  العليا  ولا يتدبرون  في مآلات  سياسة  الإقصاء  والانتقام،  وقد  شرع  حمدوك  في شن  حرب  علي  التيارات  الإسلامية  والتحرش  بها  وإثارة الخلافات  المذهبية  وتبني  وجهات  نظر  الجمهوريين  والبعثيين  والحزب  الشيوعي  ومولاة  الغرب  ظناً  منه  بأن  الأرزاق  بيد  أمريكا  والاتحاد  الأوروبي.

من يسعى  للديمقراطية  ووحدة  الأمة  والشعب  لا يهتف  قطيعه  في احتفالية  عامة  مبثوثة  في  الفضاء  معرضاً  بجيشه  الوطني  وناكرًا  لجهده  وجهاده  ونضاله  من أجل  أن يبقى  الوطن  حراً  مستقلاً،  الجيش  السوداني  هو  فخر  لهذه  الأمة  قاتل  من أجلها  ولم ينكسر، نافح  عنها  ولم ينهزم  فكيف  لقطيع  “قحت” أن يهتف  بسخف  واستخفاف  ضد  الجيش  ولا  يخرج  حمدوك  ويدافع  عن الرجال الذين  يحمون  سلطته  ويسهرون  لينام  مطمئناً؟

من يدعون  للمصالحة  الوطنية  لا يحرضون  العامة  ضد  أبناء  الوطن  بسبب  الاختلاف  السياسي  والفكري ؟

من يقود  هذه  البلاد  يتنزّه  عن  صغائر  الأمور  وتوافه  الأشياء، ويجمع  ول ايفرق،  ويثق  في  أبناء  وطنه،  ولا يعتمد  على الأجنبي  تسوّلاً  ومدّاً  للأيادي  رخيصة  من أجل  حفنة  قمح  أو  شحنة  من الغاز  والجازولين،  ويفتح  حدود  بلاده  للمبشرين  ومنظمات  الإغاثة  ويجعل  الخرطوم  أكبر  معقل  لمخابرات  الدول  المعادية  للدين  الإسلامي.

المصالحة  الوطنية التي  دعا  إليها  مولانا  محمد عثمان  الميرغني  زعيم  الحزب الاتحادي الديمقراطي  استكثر  حمدوك  على الميرغني  رد  التحية  والترحيب  بها،  فكيف  يدعو  لشيء  لا يؤمن  به  ولا يمثل  أولوية  له؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى