خربشات الجمعة

           (١)

* غاب  نجم  النطح

والحر  علينا  اشتد

وصيفنا  قصر  ليلو

ونهارو  امتد

مات  فارس  الجبال  المنو  الخصيم  متورع

رحل  خور  أبوحبل  الساقي  البلد  ومترع

تأخرت  كثيراً  في  الكتابة  عن رجل  في قامة  جبل  كرندي  وفي شموخ  وكبرياء  الإمام  عبد الرحمن  المهدي  أبوجلحة  نور  أم درمان  رحل  صديق  جدي  ورفيق  صباه  وخليل  أنسه،  وقد  لحق  الأمير  عبد الرحمن  أبو  البشر  بجدي  الناظر  البشرى  سومي،  وكلاهما  رموز  أنصارية  من أنصار  الله  أصحاب  الإمام  المهدي  لا أنصار  هذا  الزمان  الأغبر  الذين  جعلوا  من قتلة  الإمام  الهادي  أحبة  لهم  يركعون  لهم  ويوادونهم  وهم  للأنصار  كارهون.

لم  أكتب  عن العم  والوالد  الحنون  العطوف  الكريم  المضياف  منذ  رحيله  الحزين  قبل  أكثر  من شهرين  وتركنا  وترك  جبال  النوبة  ما بين  الصيف  والخريف  وما بين  الحرب  والسلام،  ومضى  الرجل  قصير  القامة  طويل  الباع  وترك  إرثاً  من الرجولة  والتضحيات  والشجاعة  والصدق  والوفاء  والمبادئ  والخصال  التي  (انقرضت) ونفدت  من الأسواق

رحل  العم  عبد الرحمن أبو  البشر  أمير  أمراء  الأنصار  بغرب  السودان.

*الليلة  الخريف  ودع  سحابو  وقفّا

*وحزنانه  أم رويق  تذرف  دموع  الطرفه

* حليلك  يا أمير  سيد  الفهم  والعرفه

* رحل  يا جبالنا  أبوك  حامي  العرين  أبو  كفه

تتهاطل  أبيات  الشعر  عند  الكتابة  عن  الرجل  القامة  والإنسان  النبيل  والأمير  الذي  كان بمثابة  القمة  الثالثة  في كادقلي،  إذا  كان  حجر  المك  رحال  أندو  يحيط  بالمدينه  شرقاً  وحجر  النار  غرباً،  فالأمير  عبد الرحمن  هو  حجر  السوق  وحجر  كلمو  ومرتا  والسما  والدرجة  الثالثة  وفريق  الكوز  المابدوسو  دوس

                     (٢)

تعرفت  على العم  عبد الرحمن أبو البشر  في النصف  الثاني  من ثمانينات  القرن  الماضي  بمدينة  كادقلي  ووقتها  تم  قبولنا  في مدرسة  كادقلي  الثانوية  الشهيرة  بتلو، البلاد  خرجت  لتوها  من حكم  عسكري  امتد  لستة  عشر  عاماً كنا  نراها  كثيرة  وطويلة  وما درينا  أن حكماً  يتخلق  في رحم  إخفاقات  النخبة  السياسية  سيمتد  لثلاثين  عاماً،  انتهى  العام  الجاري،  ولكن  النخب  السودانية  مثل  قوم  “البوربون”  لا ينسون  شيئاً  ولا يتعلمون  شيئاً.

كانت  كادقلي  في ذلك  الوقت تشهد  مخاض  تمرد،  والمدرسة  الثانوية  تشهد  اصطفافاً  على أساس  الهوية  العرقية  وصراعاً  بين  ما يسمى  في ذلك  الوقت  بالكتلة  السوداء  والحزب  القومي  السوداني  والجبهة  الديمقراطية  أي الشيوعيين،  وفي الاتجاه  الآخر  طلاب  الجبهة  الإسلامية  وحزب  الأمة  القومي  والاتحادي  الديمقراطي،  وما كان  ما يحدث  في  المدرسة  الثانوية  العليا  متسقاً مع ما يجري خارجها، حيث  يحتدم  الصراع  بين  الجبهة الإسلامية  التي  يمثلها  في  ذلك  الوقت  الشيخ  ونسي  محمد  خير،  وعمر  سليمان  آدم،  والشهيد  كبي  الغزال  والمجاهد الزبير  كرشوم،  وفي حزب الأمة  كان  القاضي  أحمد  ميسو  حماد  وعبد الرحمن  أبو  البشر  وحكيم  الحوازمة  علي البولاد  والبشرى  سومي،  وكان  لحزب  البعث  العربي الاشتراكي  وجوداً  في  الساحة  ويقوده  المهندس  سعيد  المهدي سعيد،  وهو  خالي،  والأخ  المناضل  بشير  حماد،  وكان أحمد  العوض  وأبناء  الراحل  عمر  الخليفة  يمثلون  الحزب  الاتحادي الديمقراطي بزعامة  مولانا  محمد  عثمان  الميرغني،  وكان  الحزب  القومي  بزعامة  الأب  فليب  عباس  غبوش  يمثلون  الصفوة  النوبية  من الزعيم  فليب  عباس  إلى أزرق  زكريا  خريف، والراحل  محمد  إبراهيم  بلندية،  وعبد الرحمن  فلتي،  ومحمد  حماد  كوه،  وعمر  قنديل،  وعشرات  النجوم  التي  كانت  تضيء  حول  أبونا  فليب  عباس  غبوش  رحمة الله عليه.

لكن  بيت  الأمير  أبو  البشر  بيت  مختلف،  من حيث  تجمع  الأنداد وتلاقي  المختلفين،  ولكنه  بقلبه  الذي  يسع  كل  الناس  كان  إنسانا  نادراً  على طريقته  يصافحك  واقفاً  وأنت  في عمر  أحفاده  ينهض  لخدمة  ضيوف  بيته  بنفسه،  يحدثك  آخر  لقاء  بينه  والإمام  الهادي  المهدي،  وكيف  كتب  إليه  الإمام  الصديق  تزكية  ليصبح  وكيلاً  للإمام  بكل  كردفان.

ويقسم  بأن  لا  تغادر  بيته  إلا  بعد  تناول  وجبة  الغداء  والعودة  للداخلية  راجلاً،  وأنت  تمتع  نفسك  بيوم  استثنائي  في كادقلي.

المدينة  التي  عشنا  فيها  أجمل  سنوات  الصباً وثمرة  التكوين  الأولى سياسياً واجتماعياً وثقافياً.

                  (٣)

في سنوات  الفترة  التي  أعقبت  اندلاع  حرب  جبال  النوبة،  كان  الراحل  عبد الرحمن  أبو البشر  من قادة  الدفاع الشعبي  من غير  المنتمين  للحركة الإسلامية  الحاكمة  حينذاك، ولكنه  كان  منتمياً  لمنظومة  دفاعية  عن القيم  والأخلاق  والجغرافية  والهوية  والدين  الإسلامي،  كان  يحمل  بندقيته  يسهر  الليل  سداً  لثغرة  في  مدينة  كادقلي  إلى جوار  تاور  المامون،  ومحمد  أبكر،  وداؤود  حماد،  وتيه  مرمطون،  وكافي  طيارة  البدين،  هؤلاء  رجال  حينما  تحتدم  المعارك   بين  المواطنين  والحركة  الشعبية  ما كان  أبو البشر  ينافح  عن نظام  ويدافع  عن منظومة  حاكمة،  ولكنه  كان  ينافح  عن ما يؤمن  به المجتمع  الكردفاني، وكثيراً  ما وقف  الراحل  في ضفة  غير  ضفة  حزب  الأمة  الذي  كان  يقف  مركزيًا  مع التمرد من قرنق  إلى الحلو،  بينما  قواعد  الحزب  التي  يدها  في نار  الحرب  تقف  مع الدولة  وذراعها  الدفاعي،  حتى  حينما  جرت  الانتخابات  على مستوى  جنوب  كردفان  وقف  الحزب مع الحلو  وأخذ  نصر الدين الهادي المهدي  مساعد  الصادق  وابنته  مريم  المنصورة  يحملون  المباخر  للحلو،  لكن  أبو  البشر  وقف  مع مولانا  أحمد  هارون  قناعة  بدور  الرجل  الذي بنى  جنوب  وشمال  كردفان  وخرج  مرفوع  الرأس  شامخاً  مثل  جبل  الداير (الما بنطلع  لي زول ).

كان  أبو البشر  رجلاً  أمة  حينما  رحل  عن الدنيا،  ودعته  جنوب  كردفان  بالدموع،  وكان  الإمام  الصادق  آخر  المودعين  بمقابر  حمد  النيل،  ولكن  كانت  كل  جنوب  كردفان  هناك  تبكي  رجلاً  عفيفًا  شفيفاً  كبير  بيت  الأنصاري.

ربِّ  ارحم  أبو البشر، ونحن  في لحظات  الوداع  نقول

حليلك  يا زعيم  البلد  أبوكفه

حليلك  أبو  البشير  أسد  الجبال  السته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى