الحريات الدينية في السودان (1 ــ 3)

 

تصدرت مانشيتات أكثر الصحف الصادرة  السبت المنصرم أن واشنطن تشطب اسم السودان من اللائحة السوداء للحريات الدينية.

وجاء في تفصيل الخبر سحبت أمريكا اسم السودان من القائمة السوداء للدول التي تنتهك حرية المعتقدات الدينية. وأعلن بيان الخارجية الأمريكية عن إزاحة السودان من قائمتها السوداء حول حرية المعتقد ونقله إلى قائمة أخرى خاصة بالحكومات الخاضعة للمراقبة في مجال الحقوق والحريات الدينية.

نقول إن الخطوة في الجملة خطوة إيجابية، ولكن الذي يراقب اهتمام أمريكا بحرية الأديان في السودان واتهاماتها المستمرة للسودان، يظن كأن الأديان غير الإسلامية في السودان مكبلة بالأغلال.

نحن في السودان كمسلمين أكثر بلداً في العالم نتعايش مع الأديان الأخرى بسلام وتسامح، وحرية، قد لا توجد حتى في أمريكا أم الحريات، حتى الآن لم نسمع في تاريخ السودان اعتداء أحد من المسلمين على كنيسة من الكنائس النصرانية، وهي في  وسط الخرطوم، وفي الولايات الأخرى، ولا حتى أحد من المسلمين اعتدى على نصراني في عيد من الأعياد النصرانية، ولكن كما قال الشاعر:

عين الرضا عن كل عيب كليلة  ولكن عين السخط تبدي المساوياً

الحرية حق مكفول لجميع الناس، فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان ومنحه حرية اختيار العقيدة والدين، والتعبير عن الرأي، وحرية التصرف.

قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي … الآية البقرة) .

وقال مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين) … الآية 99 سورة يونس)  وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال (كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء رجل من أهل مصر فقال يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك أي المتظلم قال: أمير المؤمنين ومالك قال: أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل فأقبلت فرسي فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو بن العاص فقال: فرسي ورب الكعبة فقام إلي فضربني بالسوط،  ويقول خذها وأنا ابن الأكرمين، فو الله ما زاده عمر على أن قال له اجلس ثم كتب إلى عمرو بن العاص: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل معكم ابنك محمد، فأقبل في إزار ورداء فقال عمر بن الخطاب للمصري اضرب ابن الأكرمين كما ضربك.

عموماً مختصر القصة يقول: أنس بن مالك حينما كان عمرو بن العاص حاكم لمصر تسابق ابنه مع مصري بالفرس وسبق المصري ابن عمرو بن العاص فضرب ابن الأمير المصري، ولكنه حينما تظلم عند عمر بن الخطاب حكم عليه بالجلد، وقال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً . انتهى

فالحرية إذاً مطلب لا يختلف فيه اثنان. إلا إن تلك الحرية لا تؤتي ثمارها الحقيقية إلا في ظلال الممارسة الصحيحة لها بما لا يتعارض مع الدين أو الأخلاق، أو قوانين الدولة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وكما قيل (إن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين).

فلا تعني حرية الرأي ما يذهب إليه بعض المسئولين في بلادنا كحذف بعض السور القرآنية من مناهج مرحلة الأساس ولا تعني أن بعض الناس يعلن إلحاده في وسائل الإعلام العامة ويهاجم العقيدة الإسلامية بحجة تحرير الفكر من الجمود، أو التخلف أو الخرافة، ولا تعني الحرية الطعن في أئمة الإسلام الأربعة الذين هم كانوا نبراساً للفقه وأناروا طريق الأمة الإسلامية. ولا تعني الحرية التعدي على ثوابت الدين ومسلمات الشريعة .

وأنا قلت في مقال سابق: إننا  في السودان نختلف في الأديان والمذاهب والطوائف، ولكن لا يتعدى أحد على حرية الآخر بحجة تحرير الفكر أو بحجة (حرية سلام وعدالة). نواصل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى