مأزق العلمانية

 

مرة  أخرى  تتعرض مفاوصات  السلام  الجارية  حالياً  في عاصمة  جنوب  السودان  مدينة  جوبا  لمصاعب  كبيرة  واختبار  جدي  لجدية  الحكومة  في الوصول  للسلام  (باي  ثمن)، وتقدم  الحركة الشعبية  الفصيل  الذي  يقوده  عبد العزيز  آدم الحلو  مطلبها  على ظهر  الطاولة  وفي الفضاء  الإعلامي  بوضع  الشريعة  الإسلامية  مقابل  حق  تقرير المصير  الذي  يعني  في الغالب  انفصال  المنطقتين، وتتمسك  الحركة  بإلغاء  قوانين  الشريعة  الإسلامية  وإقامة  دولة  علمانية  كاملة  الأوصاف إن كانت  الحكومة  ترغب  في  السلام.

ومطلب  الحركة الشعبية  تم طرحه  بشجاعة  ولم  تتوارَ  الحركة  وراء  المصطلحات  الرمادية  مثل  الدولة  المدنية  التي تدعو  إليها  بعض  مكونات  قوى الحرية والتغيير  مثل  حزب  الأمة  القومي،  وهو  يعلم  أن الدولة  المدنية  هي دولة  علمانية.

الحركة  الشعبية  عندما  ترفض  تطبيق  الشريعة  وتنادي  بالعلمانية  تضع  الجميع  أمام  الرأي  العام  عراة  من أي غطاء،  وجميع  مكونات  قوى الحرية والتغيير  مع الدولة  العلمانية  بل  عملياً  قطعت  الدولة  شوطاً  بعيداً  في علمنة  الحياة  العامة  من إلغاء  لبعض  القوانين  مثل  قانون  النظام  العام،  وفتح  البلاد  للمبشرين والقساوسة، وطلبت  الحكومة  من وزير  عدلها  وهو  من عتاة  دعاة  العلمانية  التوجه  إلى جوبا  لتقديم  رؤية  حول  ما ينبغي  أن تكون  عليه  القوانين  المنتظر  تعديلها، وهي قوانين  جميعها  لها  علاقة  مباشرة  بالشريعة  الإسلامية  مثل  القانون  الجنائي  وقانون  المصارف  وقانون  الأحوال  الشخصية والمدنية، وبذلك  عملياً  تتجه  الدولة  نحو  الانسياق  حضارياً  وثقافياً  في (الحاكورة) الأمريكية مع بعض  المساحيق  التجميلية. ومن شروط  الولايات المتحدة  المعلنة  لرفع  اسم  السودان  من قائمة  الدول الراعية للإرهاب  إلغاء  الشريعة  بالكامل  ودون  شروط  أو لجلجة.

والحكومة  راغبة  منذ  وصولها  السلطة  بالثورة  الشعبية  التي  اقتلعت  النظام  السابق  في إلغاء  الشريعة وجميع  مكونات الحكومة  من الأحزاب  المنادية  بالعلمانية  والمناهضة  للدين  الإسلامي،  فلماذا  التلكؤ  واللجلجة  في اتخاذ  قرار  بإلغاء  الشريعة  التي  جاء  بها  النظام  المايوي  وعجزت  الحكومات  المتعاقبة  عن إلغائها بل  عززتها  الإنقاذ  بأسلمة  الاقتصاد  وتطهير  القوانين  من الأصباغ  الغربية، وإذا  ألغت  الحكومة  الشريعة، فإنها  ستجد  دعماً  من الغرب  وتبوء  بغضب  من الله،  ولكن  الحكومات  كائن  معنوي  لا يدخل  النار  ولا  الجنة  والخوف  من الله  من سمات  الفرد  المؤمن  والحاكم  المكلف  الذي  أمره  رب  العباد  بالحكم  بما  أنزل  الله،  وإن لم يفعل  فأولئك  هم الكافرون،  وحكومتنا  ليست  من الحكومات  الثيوقراطية  كما  يدعون  ولكنها  حكومة  ثورية مدنية  موقتة  وإلغاؤها  للشريعة  الآن  يمهد  لتيار  دعاة  الشريعة  اختبار  رصيدهم  الجماهيري  ويساعدهم  في  كشف  حساب  يحدد  مؤشرات  عن دعاة  الدولة  العلمانية  وسدنة  الدولة  الإسلامية.

وفي مناخ  شيطنة  كل  إسلامي  ورميه  بكل  مستقبح  تستطيع  الحكومة  تجيير  كسبها  الشعبي  الشبابي  وتضحي  بالشريعة  من أجل  تحقيق  السلام  الذي  من شأنه  المساعدة  في تحسين  الأوضاع  الاقتصادية  الراهنة،  ولن يتحقق  السلام  إلا  بوجود  فصيلين  مهمين  أحدهما  الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو  والثاني  حركة  تحرير  السودان  برئاسة عبد الواحد  محمد  نور،  ومطالب  الحركتين  واضحة  جداً  أولها  إلغاء  الشريعة  الإسلامية،  ولذلك  تستطيع  الحكومة  أن تفعل  ذلك  دون  خوف  من التيارات  الإسلامية  التي  تستخدمها  الحكومة  كفزاعة  للحصول  على الدعم  الغربي  والعربي.

مفاوضات  السلام  الحالية  إذا  اتجهت  لمخاطبة  انشغالات  الحركات  المسلحة  الحقيقية  أفضل  من منهج  الإغراق  الحالي  حيث  زج  بقضايا  لم يحمل  أهلها  السلاح ويقاتلون  مع قوى  الكفاح المسلح، وتعددت  المسارات  من شرق السودان  إلى مسار  الشمال  والوسط،  وغداً  مسار  الخرطوم  وبعد  غد  مسار  أم درمان.

ولكن  تبقى  قضية  إلغاء  الشريعة  حجر  الزاوية  في  الوصول  للسلام،  فهل  تستطيع  الحكومة  ذلك،  وهي بالطبع  راغبة  في الإلغاء  لكنها  خائفة  مِن العباد  في الأرض لا مِن رب  العباد  في السماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى