أيُّهُما نُصدِّق..؟

 

تلجأ الحكومات في غالب الأحوال إلى الحلول السهلة لمعالجة الأزمات الاقتصادية، فبدلاً من وضع تدابير مُحكمة وترياقٍ ناجعٍ، تهرَع إلى اتخاذ إجراءات تُسكّن الألم، وتمضي لأقصر الطُّرُق والسبُل مُتوهِّمة أن في نهاية هذا الطريق القصير الخادِع ستكون المحطة النهائية، وعندها تجد الرخاء الاقتصادي والرّفاه الاجتماعي، وتنال رضى الشعب، ويُزالُ شظف العيش  وتُملأ الأرضُ عدلاً بعد أن مُلِئت جورًا ..

حكومتُنا السَّنيّة وهي تبتدع لأول مرة في تاريخ الحكومات مسوّدتيْن مُتناقِضتيْن لمُوازَنتيْن إحداهما حكومية والأخرى أعدّتها جهة سياسية هي قوى إعلان الحرية والتغيير، لم تُفكّر هذه الحكومة إلا في الحل المُعلَّب الجاهز، وهو رفع الدعم عن السلع، ثم بَنَت معه أحلامها على السراب العريض بافتراض أن العالم الخارجي سيفتح خزائنه ويُفرِغ ما في جيوبه على بلادنا، ويدعم مُوازنة العام ٢٠٢٠، فأمس ذكَرنا أن الحل السهل الذي لجأت إليه الحكومة هو رفع الدعم عن الوقود والمحروقات، وربما يطال الكهرباء، لم يأتِ في إطار إصلاح هيكلي كُلّي للاقتصاد، ولا ضمن رؤية شاملة لإقالة عثرته، إنما جاء نتيجة حيرة وضرورة لتوفير مورد مالي لمقابلة الالتزامات الأخرى، والدليل على ذلك أن مشروع الموازنة ذو النُسختيْن المُتناقِضتيْن، لا يحمل أية مؤشرات إيجابية واقعية، وتمادت فيه الحكومة بلغو اقتصادي لا يُسمِن ولا يُغنِي عن جوع، باعتمادها على حزمة من الافتراضات تجعل من المستحيل إحداث أي اختراق يُخفّف وطأة الأزمة المعيشية والضائقة الاقتصادية الراهنة، فمشروع الموازنة لا يبعث على الأمل على الإطلاق، وما يتعجّب فيه المرء هو غياب فكرة مركزية عِلمية عَملية واحدة تقف على رجليها الموازنة الجديدة، ففي كلا النسختين يوجد اضطراب واضح في تنسيق وتبويب مشروع الموازنة وعدم ترابطه كأنها مدارس اقتصادية مختلفة أعدته ولم تَنظِم فصوصَه بدقّة ولم تُراجِع ما به وفق رؤية موحدة .

وما يثير الحيرة أكثر، أن حكومة اختارتها قوى إعلان الحرية والتغيير، لا تثق فيها الجهة التي اختارتها..! فلا يوجد أي مبرر مهما كانت الأسباب أن تتقدم جهة سياسية غير وزارة المالية بموازنة موازية وتضعها وتعرضها مع مسودة مشروع الموازنة الحكومية! وهو أمر مثير للسخرية حقاً، هل الحكومة الحالية هبطت من المريخ أم هي نفس الحكومة التي كوّنتها وأجازتها واختارتها (قحت) وتعمل على هدي وثيقة إعلان الحرية والتغيير والوثيقة الدستورية والبرنامج الاقتصادي الإسعافي الذي أعدّته الحرية والتغيير نفسها؟

وهل سيثق المواطن ويتفاعَل مع حكومة ناقَضَتْها الجهةُ التي وُلدِت من رحمها، وهل سيدعم موازنتها المُقدّمة أم يقف مع ضرّتها الأخرى المُعدّة من التحالُف السياسي الحاكم؟

نحتاج بالفعل إلى إجابات شافية، وإلى  وضوح وصراحة كاملة، حتى نفهم إلى أين تسير البلاد وسط هذا الاضطراب والفوضى وسوء التقدير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى