المرحلة الانتقالية لا تحتمل شراكات بائسة

 

*إنّ الفترات الانتقالية التي تعقب تغيير النظم السِّياسيَّة، لا يكون لها لونٌ حزبيٌّ، ولا تقترب نحو الأحزاب السِّياسيَّة، بأيِّ قدرٍ حتى لا تُوصف بأنّها فترات للاستقطاب والانحياز والشحن الزائد، ليستأسد فريق على فريقٍ، ويكون الهجوم على جماعة، وبالتالي تَسُود ثقافة العنف والإقصاء، مِمّا لا يبشِّر باستقرار ولا يؤدي لطمأنينة ويحدث الاضطراب والذعر، حيث لا حكومة ولا مرجعية ولا عقل، بل هو الطيش والجهالة والحسرة والندم.

*وتاريخنا السوداني شهد فترات انتقالية كان تركيز الذين كُلِّفوا أثناءها لا يتجاوز المُحافظة على الأمن والتجهيز للانتخابات، والبقاء من قِبل السُّلطات العسكرية والأمنية والشرطية على مَسافةٍ واحدةٍ من كل كيانات السياسة وأحزابها.

*ولكن الفترة الانتقالية الحالية لا تنطبق عليها المواصفات، ويعتمد الذين كُلِّفوا بالمناصب التنفيذية فيها على شارع حسبوه أنه هو الشعب السوداني وهو الشارع الذي دمّر الطرقات، وأقام المتاريس، وشتّم القوات المسلحة، وأساء الأدب بلا ضوابط، بينما أنّ العقلاء قد صمتوا، والكبار قد أحجموا، والسياسيون بطبيعتهم كانوا يُراقبون المشهد.

*والآن ونحن في عهد الوعي وتَطوُّر الوَسائط وتَراكُم الخبرات، لا يَنبغي لنا وقد شهدنا يوم السبت الأخضر كيف كانت المسيرات العاقلة والهتافات الجادة، والنضوج السياسي، والأجيال التي تصل بعضها ببعض في عقد منظوم وأدب جم، عبّرت عنه المُطالبات والعبارات واللافتات.

*وعندما نُقارن الأخ حميدتي والأخ البرهان بين شريحة، وشريحة، وسلوك وسلوك، وحشد وحشدٍ، فإننا لسنا الذين يبالغون في الشرح والوصف، ذلك لأنّ المشهد يُفسِّر نفسه بنفسه.

*فالفرق شَاسِعٌ بين مُتظاهرين يُدمِّرون ويتعاطون ويسيئون الأدب ويغلقون الطرقات ويختلط حابلهم بنابلهم ويلبسون زيّاً غريباً ويعتمدون مُصطلحات شاذة وهتافات لا تمثل إلا من هم قد ارتضوا العيش في قاع المدينة، أو النوم ليلاً في مجاري السيول، أو تلك التي من خلالها تصرف المياه، وبين آخرين في قمة الأدب والأخلاق سمواً في العبارة ورقياً في الهتاف.

*والفرق شاسع بين أولئك والذين رأيناهم يوم أمس، رجال لا يعبرون إلا عن شيم، وعقيدة أهل السودان وتخرج الكلمات من بين أفواههم طاهرة والعبارات جزلة والهتافات مُتوجِّهةً بالنية الصادقة لرب رحيم ومُواجهة الباطل بلا تردُّد أو تماطلٍ أو انكسارٍ.

*والفرق إذن أخي البرهان وأخي حميدتي فرق واضح كالفرق بين الليل، والنهار والظلمات، والنور، والظل، والحرور

*ونقولها بملء أفواهنا بأنّ الزحف الأخضر يوم أمس قد أشار إشارات جادة، بأن ما يدور في أروقة الحكم ما هو إلا اختلال، يجب العمل على إزالته، واعوجاج يستوجب الأمر إقامته، ذلك لأن الانتقال السياسي يوجب استقلالية، ولا يحتمل شراكات بمثل هذا الذي نراه من شراكاتٍ تقود خُطانا بسُرعةٍ مُذهلةٍ نحو الإحراق والعنف والعنف المُضاد.

*ولقد آن الأوان لتصحيح المسار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى