انتقادات الشيوعي.. القفز في الظلام !

 

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

وجّه الحزب الشيوعي، انتقادات قوية لحل النقابات العمالية والاتحادات بالصورة الحالية، ووصف الخطوة بالانتهازية، وشدد على أن الحل الإداري غير مقبول، وبرر الخطوة بدفاعه عن الإرث النقابي، وطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو تقديمهم لمحاكمات عادلة. كما أشار إلى أن قرار رفع الدعم قرار اتخذه وزير المالية بمفرده ولم يكن مُجمعاً حوله.

موقف الحزب الشيوعي منذ بداية فترة الحكومة الانتقالية، حسب محللين لم يكن مستغرباً فيها، إذ أنه رغم مشاركته في الانتقالية وبأكثرية، ورغم  عضويته في قوى إعلان الحرية والتغيير، الكتلة السياسية الحاكمة، إلا أنه دائماً ما يمارس نقداً عنيفاً لممارسات هو جزء منها، بصورة مدهشة، تتنافى ربما ومطالب بعض قاعدته أو قاعدة القوى الثورية التي تطلب من الحكومة خطوات ومواقف بعكس ما يعبر عنه الحزب الشيوعي تجاه مسؤولي العهد البائد..

ولكن رغم درجة الديمقراطية العالية التي تمنح قيادات الحزب العجوز الذهاب وراء فلسفتهم السياسية، حتى وإن كانت ضد خيارات الحزب، إلا أن ذلك يضع بقوة هذه القيادات أمام واقعية الخلافات الداخلية بين تياري الإصلاح بقيادة الشفيع خضر الرجل المقرب من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك وهو الذي تم فصله من قبل من الحزب هو وآخرون من شباب الحزب، وبين التيار الرئيس الذي يقوده أحمد الخطيب رئيس الحزب الشيوعي. وهذا الأمر يشير إلى أمكانية حدوث صراعات داخلية بين القيادتين بعد أن استفحل الأمر وصار أشبه بالقطيعة السياسية.

(الصيحة) جالت في أتون الحزب الشيوعي فحصاً وتدقيقاً للوصول للحقائق الملحة ولتعرية ما يحاك من خفاء تكمن سيناريوهاته في قرارات الحزب.

ازدواجية المواقف

ويفسر أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب مواقف الحزب الشيوعي لـ(الصيحة)، بأنها مواقف غير مبدئية. مؤكداً أن الشيوعي يزايد سياسياً ويلعب بطريقة مزدوجة رغم مشاركته في الحكومة الانتقالية.

وقال محجوب إن الشيوعي يعمل بطريقة ازدواجية، بمعنى أنه موجود وينتقد في آن واحد، وبذلك هو يريد أن يسجل لنفسه موقفاً بأنه مع تأييد النقابات والاتحادات، وبالتالي هو يرتب قاعدته ويسجل في موقف عالمي، لجهة أن العالم والمجتمع الدولي لا يعترف بحل النقابات، والتدخل في العمل النقابي، ويسعى لتأكيد أن النقابات منتخبة بطريقة سليمة، وهو لا يريد أن يكون طرفاً في إجهاضها.

واشار الفاتح إلى أن هذا الموقف لا يمنعه من أن يكون الشيوعي موجوداً ومشاركاً في الحكومة وينتقد في نوع من الازدواجية ممارسة العمل السياسي، أن تتحدث بلسان وتعمل بلسان ويد أخرى. وأكد أن الازدواجية ميزت عمل الحزب الشيوعي طيلة مشاركته في الحكومة الانتقالية الراهنة منذ بداية العهد الانتقالي ظل ينتقد ويشارك ويوقع على البيان ومشارك في كل الأوراق التفصيلية، رغم وجود مندوبيه ومشاركتهم، مشيراً إلى أن هذا النوع من العمل السياسي والمشاركة يتقنها الحزب الشيوعي بجدارة .

مزايدة سياسية

وقال الفاتح محجوب، إن هذا الموقف الرافض للشيوعي لحل النقابات، ليس دليلاً على أنه ضد قرار حل النقابات، مؤكداً أنه ليس موقفاً مبدئياً. وطالب الفاتح بعدم النظر على أن مثل هذا الموقف للشيوعي ليس “مبدئياً” وإنما هو نوع من المزايدة السياسية مع وجوده في اللجان التي سوف تتكون وتشكل النقابات القادمة.

وقال إن الشيوعي والإسلاميين كانوا أكثر الفئات السياسية مشاركة في النقابات العملية والاتحادات، ولذلك يرى الفاتح أنه وبغياب الإسلاميين فإن الشيوعيين هم من يشكلون النقابات العمالية والاتحادات القادمة.

ووصف هذا الأمر بأنه شيء طبيعي يُعبر عن موقف الشيوعيين في داخل المؤسسات، وقال إن مطالبة الشيوعي بحل النقابات بطريقة إجراءات سحب الثقة قد فشلت في حل نقابة المعادن، لذلك لجأت الحكومة للقانون الذي منحها الحق في تفكيك النظام السابق، وحلت من خلاله كل النقابات والاتحادات رغم رفض المجتمع الدولي الذي لا يؤمن إلا بنقابات واتحادات منتخبة.

وقال محجوب إن العالم سوف يعترف بها عقب انتخابها من خلال لجان التسيير التي تم تشكيلها لهذه الخطوة تحديداً. مؤكداً أن لجان التسيير سوف تكون لها الفرصة في سن قوانين نقابات جديدة تسمح لها لحد كبير بالفوز مرة أخرى برئاسة هذه النقابات، لجهة أن قانون تفكيك النظام البائد يسمح لها بذلك. وأشار إلى أن الرفض الدولي والإقليمي لحل النقابات “رفض مؤقت”، مؤكداً أن هذا الرفض لا يحرم لجان التسيير من السيطرة على النقابات والاتحادات بالطريقة التي عملت بها في تفكيك ذات الاتحادات.

“يساري يميني”

ويشير الخبير الاستراتيجي والسياسي الأمين الحسن، إلى جاهزية الحزب الشيوعي لقيادة الاتحادات والنقابات العمالية التي لم يبتعد عنها طيلة حكم الإنقاذ. وقال الحسن لـ(الصيحة) إن الحزب ظل يمارس عمله من باطن الأرض قبل أن يسمح المؤتمر الوطني لقيادات بالظهور العلني والعمل المكشوف، بل وإشراكهم في إدارة هذه النقابات لجهة أنهم الأكثر دراية وخبرة بالعمل النقابي.

مشيراً إلى أن الإسلاميين استفادوا من التجربة النقابية للشيوعيين خلال فترات الحكم السابقة والتي كان للشيوعيين مشاركات خلالها أفضت إلى تكدير معظم القيادات الشيوعية واحترافهم العمل النقابي.

واتفق الحسن مع بروف الفاتح محجوب على أن قاعدتي الحزبين “الشيوعي – الوطني” هم الأكثر دراية بالعمل النقابي في الساحة السياسية اليوم، وأن غياب الإسلاميين عن الساحة السياسية افتراضياً يتيح الفرصة بحجم أكبر للشيوعيين لاحتلال هذه النقابات والاتحادات العمالية بدليل أن الشيوعي هو الأكثر مشاركة في الحكومة الحالية، ويعمل على إرضاء كل الأطراف تارة بانتقاداته اللاذعة وتارة أخرى بمواقفه المتأرجحة بين اليسار واليمين المعارض.

ويؤكد الحسن أن الفترة القادمة إذا صدقت مواقف الشيوعي ولم تكن مواقف مسرحية، فإن العمل النقابي موعود بصحوة كبيرة لما تملكه القيادات الشيوعية من تجربة ثرة خلال الفترات السابقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى