مسيرة ومحكمة (1)

 

عاد الإعلام العالمي مسلطاً الأضواء نحو السودان وأحداثه بعد أن انصرف عنه لبرهة من الوقت بتشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة.. وجاءت أحداث الأمس في حيز جغرافي لا يتعدى الكيلومترات الثلاثة ما بين معهد التدريب القضائي بضاحية أركويت شرق الخرطوم وشارع الجمهورية على بعد أمتار محدودة من القصر الرئاسي في محكمة أول رئيس سوداني يمثل أمام شعبه، وعلى مقربة من القصر يستعيد الإسلاميون زمام المبادرة في الشارع السياسي بعد أن سرقها اليسار من تحت أقدامهم بإسقاطهم في الحادي عشر من أبريل الماضي..

القاضي د. الصادق عبد الرحمن الفكي قدم درساً بليغاً للقضاء الواقف والجالس وهو يقدم حيثيات تجعل الحكم بالسجن لمدة عامين للرئيس السوداني الأسبق عمر البشير مختلفاً عليه بين معسكرين أحدهما يتوق لرؤية البشير مشنوقاً في ساحة عامة وهؤلاء يمثلون تيار تحالف قوى الحرية والتغيير والغاضبين على البشير والحانقين على فترة حكمه الطويلة، وتيار آخر يحلم بعودة الرئيس البشير يهش بعصاه جموع المخاطبين ويتوعد أمريكا وروسيا معاً بعقاب شديد..

الحكم الصادر لم يجد الرضا من كلا المعسكرين وهتف بعض الحاضرين تعبيراً عن رؤيتهم للحكم الصادر “سياسياً” بامتياز يفتقر إلى دقة النظر في ما قدمه فريق الدفاع من حيثيات يعتقدون أنها كفيلة بتبرئة الرئيس البشير في مناخ سياسي يشير بوضوح إلى إدانة الرئيس السابق الذي ينظر إليه أعضاء الحكومة وأحزابها كخصم تسرهم رؤيته يرتدي ملابس السجن رغم أن عمره الذي تجاوز الـ 70 عاماً قد جعل “الإصلاحية” هي السجن الذي يليق بمن هو في عمره.. وفشلت محاولات تعديل القانون في زمن أصبحت فيه الحكومة “تفصل” القوانين على مقاس “الخصوم” إلا لإحقاق العدل!!

في الجهة الأخرى استعاد التيار الإسلامي زمام المبادرة في الشارع وقد زحفت الملايين من السودانيين من تيارات وطنية عديدة ساءتها ممارسات حكومة الدكتور عبد الله حمدوك “الانتقامية” من المخالفين له سياسياً.. والسعي الدؤوب من قبل اليسار لإقصاء الدين الإسلامي من الحياة وفرض نظام علماني على مجتمع مسلم..

المسيرة التي أطلق عليها الزحف الأخضر أعادت التوازن للشارع السياسي، وجعلت القوات المسلحة والدعم السريع ممثلين في المكون العسكري في وضع أفضل بعد أن حاول تيار قوى الحرية والتغيير أن يفرض رؤيته ومواقفه ويمارس عليهم “سيادة” بادعاء امتلاك مفاتيح الشارع..

خطاب التيار الوطني طالب بتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن الأحزاب السياسية وأن يصبح العسكريون “ضامنين” لقومية الحكم وإجراء انتخابات مبكرة ليلتقي المطلب الأخير مع سعي الإمام الصادق المهدي الباحث عن انتخابات مبكرة لقطع الطريق أمام حلفائه في اليسار واستباق عودة السيد الميرغني وحزبه الاتحادي الديمقراطي للساحة..

ومسيرة السبت لها ما بعدها على صعيد حكومة الدكتور عبد الله حمدوك وعلى صعيد المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير والتيار الإسلامي العريض، ولكل من هذه الجهات حسابه الخاص وتقديره لما يجري في الساحة خاصة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المطالب بتهدئة الأوضاع سياسياً والحيلولة دون انزلاقها لمحطة العنف والدم!!

أما المكون العسكري فإنه وجد التقدير من التيار الإسلامي ولم يتعرض للتجريح أو الإساءة ولكن قوميته تفرض عليه إعادة النظر في نظرته للقوى غير المتحالفة في الحرية والتغيير التي لا يعرف كيف تتصرف هل تمضي في طريق المواجهة؟؟ وإلى أين أم تتحسس المسؤولية الملقاة على عاتقها وتصب قليلاً من الماء البارد على النيران المشتعلة..

نواصل

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى