الخيار الوحيد

 

زيارات مُهمة وخاطِفة، قام بها الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس المجلس السيادي إلى إريتريا وتشاد، بغرض إطلاع القيادتين الإريترية والتشادية على جهود تحقيق السلام ووقف الحرب في البلاد، والاتفاق المُنتظر مع الجبهة الثورية وبقية الحركات المسلحة، والدور المرجو من العاصمتين أسمرا وإنجمينا في دعم العملية السلمية، وهي لا تنفصل عن انشغالات مشتركة مع هاتين الدولتين الجارتين، وهناك ارتباط عضوي بين السلام في شرق البلاد والدور الإريتري، وبين تشاد وما يجري في دارفور، وتوجد معطيات مُركّبة تتَّصِل بكل الإقليم حول السلام ذات صلة لا تنفصم بملف السلام وكيفية تحقيقه .

تزامَن مع الزيارتين وصول وفد من الجبهة الثورية وتوالي رجوع قيادات من الحركات، لابتدار صيغة أخرى من التفاوُض تتم بالداخل، وتبدو هناك إرادة وطنية تلتقي مع رغبات إقليمية ودولية لانطلاق التفاوض من الداخل لانتفاء الأسباب التي كانت تحول دون ذلك، لكن… هل يا ترى لا توجد عقبات أمام طريق السلام؟ للوهلة الأولى لا يُظَن أو يُعتقَد أن هناك عقبات، لكن الحقيقة أن بعض الجهات الخارجية ودول غربية تتشكك في قدرة السودانيين وحدهم على إتمام السلام بينهم ووقف الحرب، وتجري عمليات تحريض مستترة واتصالات مكثفة لإبطال مفعول السلام وتعويقه وإجهاض مسيرته، وتُثار قضايا لا وجود لها من أطراف غربية لتعطيل أي اتفاق يُعيد ترتيب الأوضاع الانتقالية من جديد، ويُفهَم منها عدم حماس بعض شركاء الفترة الانتقالية لما يجري من تفاهُمات وتفاوُض بقيادة الفريق أول محمد حمدان، وهو أمر على الأقل معلوم في غرضه السياسي ومعلول في خطواته لإبطاء عملية السلام ..

لا خيار أمام البلاد إلا تحقيق السلام، وهو الأولوية الأولى، فلن ينصلح حال الاقتصاد، إلا إذا توقّفت الحرب وتراضى جميع أهل السودان في ما بينهم وتوجّهت اهتمامات الدولة لمعالجة الأخطاء التاريخية وتعويض المناطق المتأثرة بالحرب ما فاتها وتمييزها إيجابياً بمشروعات تنموية وخدمية حتى تتناسى الماضي الكئيب وتلحق ببقية مناطق البلاد، وتتوارى مُسبّبات وأسباب الحروب ودواعي التمرد وحمل  السلاح .

لابد لنا جميعاً أن نعي أن السلام هو الخيار الوحيد أمامنا حتي نصل إلى مرافئ الاستقرار، وهو ليس شعاراً ولا أمنيات عاطلة، هو التحول الحقيقي للبلاد من مربع القطيعة والشقاق والتنافُر إلى باحة الوحدة والتعايش والاندماج الوطني، فالبديل هو الأسوأ في حال لم يتحقّق سلام ولم تسكُت فوّهات البنادق، فالسودان يقف فوق أرضية هشة للغاية، استسهل بعض أبنائه وخاصة المنتمين للمناطق المتأثرة بالحرب، استسهلوا الحديث عن تقرير المصير والحكم الذاتي والولوغ في بِركة الجهويات الآسنة، وهذه بالطبع توجّهات مخيفة وخطيرة وتجد من يدعمها في الخارج من قوى دولية وإقليمية، يجب أن تتوارى هذه الأصوات بالسلام الحقيقي الذي يُبنَى على الصراحة والإنصاف والعدل والتصالُح، وليس بمجرد التوقيع على اتفاقيات ثم تتخافَت الأصوات ويخمد أوار الحماس ..

إذا كان لإنجمينا أو أسمرا دور، فيجب أن تلعباه بسرعة وعلى المكشوف، وتعملان بجد واجتهاد مع الخرطوم حتى تصل العملية السلمية إلى نهاياتها، فالعاصمتان الجارتان هما أول من يستفيد من الاستقرار والسلام والأمن في السودان، سينعكس ذلك عليهما بسرعة وتتكامل الموارد وتتحقَّق مصالح مشتركة ومنافع كانت الحرب والاقتتال سبباً في توقّفها وانحسارها.. فلندعم جميعاً هذه الجهود ولا يعلو صوت فوق صوت السلام ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى