حديث العباس

 

فُجِع  الرأي العام  والإسلاميون  بصفة خاصة بأحاديث  العباس  أحمد  البشير  الشقيق  الأصغر  للرئيس  السابق،  وهو  يبرر  أسباب  سقوط  عرش  شقيقه،  نعم  عرش  وليس  سلطة!! ويهرف  العباس  بغطرسة  وتعالٍ  ويكشف  الأسباب  الحقيقية  لسقوط  الإنقاذ  التي  جعلها  البشير  بكل  أسف  وحسرة  ملكاً  له  وضيعة  خاصة  يتصرف  فيها  كيفما  شاء.

ويقول  شقيق  الرئيس  إنهم  أي  أسرة  الرئيس  حذروه  من فلان  وعلان،  ولكنه  لم يستجب  طبعاً  لم يستجب  في بعض  الحالات  واستجاب  في أخرى  بطبيعة  الحال.

وطفق  العباس  الذي  لا صفة  له  في الدولة  إلا  صلة  الرحم  بالرئيس  البشير،  ويقول:  الفريق  صلاح  قوش  خائن  وعوض  ابن  عوف  سرق  السلطة،  ويكشف  العباس  عن عقلية  متجبرة  ومتعالية،  وهو  يتحدث  عن البادية  والبدو  ويحذر  العباس  شقيقه البشير  من الخيانة  المتأصلة في  أهل  البادية، ويشير  صراحة إلى الفريق  محمد  حمدان دقلو  قائد  قوات الدعم السريع،  ويذهب  الى  أن الرئيس  السابق عمر البشير  كان  مشغولاً  فقط  بحماية  نفسه  وملكه  ولا يفكر  في شيء  آخر  ولم  يقرأ  أو يتأمل  الأسباب  التي  دفعت  الفريق  حميدتي  لحمل  السلاح  ويحشد  أولاً  أبناء عمومته،  وبعد  ذلك  كل مكونات  غرب  السودان  للدفاع  عن دارفور  أولاً  التي  استباحها  التمرد،  ومن ثم  الدفاع  عن  السودان  كبلد  مهدد  في وجوده،  لكن  البشير كان  ينظر  إلى الفريق  حميدتي  فقط  بأنه  جاء لحمايته  والدفاع  عن سلطته  التي  كرسها  في  آخر  أيامه  لأسرته  وحاشيته  حتى  سقط.

وعندما  يتحدث  العباس  عن خيانة  أهل  البادية، إنما  يستعيد  عقله  الباطني  ورؤى  النخبة  النيلية  المتسلطة  التي  لا تنظر  إلى القادمين  من  غرب  السودان  بصفة  خاصة  بعين  الازدراء  والاحتقار  وتتقمص  هذه  النخبة  بغض  النظر  عن موقعها  السياسي  ومنصة  انطلاقتها  السياسية  روح  تعالٍ  جوفاء.

من قال  للعباس  بأن  أهل البادية  لا وفاء  لهم؟ وأهل  الحضر  أوفياء ؟ إنها  ذات  العقلية  التي  جسدها  الجمهوري  الدكتور  النور  حمد  الذي  كتب  كتاباً (تافهاً) يقطر  حقداً  وتعالياً  وازدراء  للرعاة  وأهل البادية  أطلق  ما سمي  بعد  ذلك  بالعقل  الرعوي،  طبعًا  يقابل  عقلية  ذلك  عقل  (الحواشات)، وهناك  مثقف  آخر  من السودان  النيلي  كتب  عن عنف  البادية،  ويأتي  اليوم  العباس  الذي  تحدث  لصحيفة الانتباهة  يوم  الأحد  من مستقره  بدولة  تركيا،  حيث  لاذ  بها  منذ  سقوط  عرش  شقيقه  خوفاً  على ما ملكت  يديه  من ثروة  وأطيان  في  كافوري  التي  أطلق  عليها  السودانيون  تندرًا  اسم  حوش  بانقا  سخرية  مما  يجري  أمام  أعينهم.

ويقول  العباس إن الرئيس  استبدل  الجيش  بقوات  الدعم  السريع، ولم  يستجب  لنصحهم  حتى ضحى  الحادي  عشر من  أبريل الماضي  بعيداً  عن صحة  موقف  الرئيس  من عدمه،  فقد  أوضح  العباس  أن  الإنقاذ  كانت  جديرة  بالسقوط  إذا كانت  الحركة الإسلامية  التي جاءت  بها  ورعتها  من المهد  ونافحت  عنها  بفلذات  كبدها  وقدمت  أنضر  شبابها  في سوح  القتال  من أجل  سيادة  قيم  وبعث  دين كاد  أن يندثر  تجلس  بعيداً  وتترك  لرجل  وحيد وأسرته  يفعلون بها  ما شاء  لهم يقربون  الضعاف  ويلفظون  أهل  الرأي  السديد،  السيد  العباس  يريد  حميدتي  بلا  عقل  ينافح  عن  ملك  لم يحافظ  عليه  قائده  وحاله  بات  مثل  حال  علي دينار  عندما  وصلت  طلائع  القوات الغازية  لوادي  سيلي  بالقرب  من الفاشر  أخذ  يسأل  عن القائد  فلان  وتأتيه  الإجابة  من مريم  شقيقته  سيدي  السلطان  الله  ينصرك  فلان  ما قتلته  انت  يومداك  ويسأل  عن فلان  وتأتي  الإجابة  سيدي  السلطان  فلان  مسجون  بأمرك،  وظلت  مريم  شقيقة  السلطان  تردد  (ترك  جو  في  سيلي) حتى سقطت  المملكة،  ويوم  أن حاصرت  جموع  الشباب  الغاضب  حتى بوابة  القيادة  العامة  كان  الرئيس  يسأل  نفسه  أين  نافع  علي  نافع،  أين  علي  عثمان  محمد طه،  وأين  بكري  حسن صالح،  وأين  اللواء  صديق  فضل،  وأين  الرجال  المخلصين  الأوفياء،  لقد  أبعدهم  جميعاً بالوشايات  والأقاويل،  ولم يقدر  السيد  العباس  حتى الرجال  الذين  تحملوا  مسؤولية  حماية  البلاد  من الانزلاق  لفوضى  عارمة  ويقول  على لسان  شقيقه  عن الضباط  الذين  قادوا  التغيير  بأنهم  (أولادي) تصغيراً واحتقاراً لهم  وتقليلاً  من شأنهم،  ولولا  الفريق  حميدتي  والفريق  البرهان  وشمس  الدين  كباشي  وياسر  العطا،  لحدثت  فوضى  في الخرطوم، ولأزهقت  أرواح  وكان  يمكن  أن يكون  البشير  وأسرته  في عداد  المقتولين  مثلما  قتل  الثوار  الغاضبون  في ليبيا  معمر  القذافي  حينما  سقط  حكمه  لكن  الجيش  وقادة  القوات  المسلحة  الذين  يسميهم  البشير  بأولاده  هم  من حفظوا  له  الجميل  وجنبوا  البلاد  فتنة  كانت  كفيلة  بتمزيقها  إلى أشتات  متناثرة

وصلاح  قوش  الذي  يصفه  العباس  بالخائن هو  من سعى  لإنقاذ  البشير من مصيره  الحالي، وقاد  مبادرة  شجاعة  في الثاني  والعشرين  من فيراير  الماضي  لانتقال  سلس  للسلطة  وأبرم  اتفاقاً  مع المعارضة  الرئيسية  ممثلة  في مجموعة  نداء  السودان  على تنحي الرئيس  بحلول  ٢٠٢٠ وتعيين  رئيس  وزراء  ترشحه  المعارضة ويتم  التوافق  عليه  لقيادة  الفترة  الانتقالية  على أن لا يترشح  البشير،  ولكن  أمثال  العباس  هم  من أجهضوا  تلك  المبادرة  التي  كانت  بمثابة  الفرصة  الأخيرة  لإنقاذ  ما يمكن  إنقاذه،  لكن  من حرض  البشير  وصور  له  أن الشعب  يريده  وعليه  التمسك  بالسلطة  وإبعاد  الناصحين  والمشفقين  والرجال  المخلصين  والاعتماد  على الهتيفة  وأصحاب  المصالح  والعباس  وأشقاء  الرئيس  هم من أبعدوا  الفريق  طه  عثمان الحسين  مدير  مكتب رئيس الجمهورية  الذي  كان  يجسر  علاقته  بالخليج،  ويقدم  له  الحلول  للخروج  من الأزمات،  ولكن  الوشاة  أبعدوه  وتركوه  مطية  في يد  حاتم  حسن  بخيت  الذي  كان  كل  كسبه  صلات  الرحم..  و..  و.. و.. و.. و..

والحديث  الموجع  للسودانيين  يجعل  التعاطف  الحالي  مع البشير  محدوداً  جداً،  وقد  مارس  البعض طوال  ثلاثين  عاماً  وصاية  وترهيباً  وتخويفاً  وتخويناً  لكل  من يقدم  النصح  للانقاذ  وقائدها  البشير  حتى سقطت  بسبب  أمثال  العباس  شقيق  الرئيس  الذي  يقول  عن شقيقه (البشير  أبوي)، يا راجل  استحي  في زول  يبدل  والده  بشقيقه..

الآن  حان  وقت النصح  جهراً  ومراجعة  التجربة  وتقويم  المسار  والاعتذار  عن الأخطاء  للشعب  السوداني  وإدانة  العنف الذي  مارسه البعض  ضد  الأبرياء والتبرؤ من الظلمة  والفاسدين  وإعادة  الروح  للحركة الإسلامية بقيادات  جديدة  لم تتورط  في الموبقات  السياسية  ولم  تقتل  أو  تنهب  وتغلق  صفحة  الأمس  وتخاطب  المستقبل  بلغة  ليست  مثل  لغة  العباس  التي  تفيض  تعالياً  واحتقاراً  للقيادات  واستهانة  بالرجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى