حكومة المعونات ومعوقات النهوض!!

 

عام 2010م كُنت في باكستان البلد الضّاج بالأحداث، “سيول وانزلاقات أرضية حينها”.. تاريخياً باكستان هي البلد التي انفصلت بدينها وتراثها عن الهند، لكن دعاة التفكيك والنزاعات لم يتركوها، فلاحقوها بالاتّهامات، تارةً بالإرهاب، ومرةً بالانقلابات العسكرية وحكم العشائر في بعض أقاليمها، ومع ذلك تبنّت المُؤسّسات الاستراتيجية في باكستان سياسة بناء الدولة وقدّمت أُنموذجاً ناجحاً مُمثلاً في المشروع النووي وعبرت به ووضعها مع الكبار، رغم إخفاقات الحكم وهزائم الديمقراطية المزعومة.

إنّ إسلام أباد لم تنجح في صناعة القوة والملف النووي إلا لأنها صمّمته مشروعاً استراتيجياً وقدمته أنموذجاً للقوى السياسية وأخفت كل معالمه عن السياسيين ورئيس الوزراء وقتها أصف علي زرداري لم يكن يعرف مواقع الرؤوس النووية الباكستانية ولا يدرك عددها، ناهيك عن من يتحدث عنها، وكانت الجهة الوحيدة التي تدرك ذلك جهاز المخابرات الباكستاني الذي يحكم السيطرة على المشروع النووي بالحديد والنار وهو يفعل ذلك ويدرك أن الأحزاب التي تحكم ورجالها سيقضون فتراتهم ويمضون وتبقى مُؤسّسات الوطن الاستراتيجية وما تنتجه من قوة، وبالمُحافظة على هذه المُكتسبات تُحظى الأجهزة العسكرية بتقديرٍ وسُمعةٍ طيبةٍ، لكن أنظر لحال بلادنا بالأخص القوى السِّياسيَّة الحاكمة الآن وكأنّها جَاءت لِتَدمير الوطن وهي تطرح تَجربةً فَاشلةً بكل المقاييس، حَيث تجد وزير المالية إبراهيم البدوي يتحدّث على هواه حين يقول إنّ ميزانية 2020 تعتمد على الأصدقاء والسودان يحتاج إلى (5) مليارات دولار لتجاوُز أزمته الحالية، وأنّ المخزون الاستراتيجي من الدولار لا يكفي حاجة البلاد إلا لأسابيع معدودة، ثم يأتي الناطق الرسمي باسم المجلس السيادي محمد الفكي سليمان ويُعلن إطلاق السودان للقمر الاصطناعي شراكةً مع دولة صديقة، ووزير آخر يطلق تصريحات تفيد بقُرب افتتاح المحطة النووية السودانية، والطامة الكبرى تصريحات وزير التربية والتعليم حول محصلة الشهادة السودانية ويعتبرها قائمة على الغش الجماعي وهو يقدم صورة هزيلة لمُمارسة رجل الدولة الذي يجب عليه النظر فيما يقول!! ومثل هذه المُمارسات من وزراء حكومة حمدوك لا تأتي من المُعارضة في الحكومات ونظم الحكم المُتقدِّمة، ناهيك عن وزراء الحكومة!!

إنّ الشعب السوداني لم يَكتفِ بصدمته في هؤلاء الوزراء في عدم تقديمهم مشروعاً نهضوياً كاملاً وقائماً على معايير تقوم عليها وُحدة وتماسُك المُجتمع السُّوداني وتقدُّمه، لكنه صدم في مُستوى هؤلاء الوزراء الذين خرجوا من رحم الثورة ومُتغيِّراتها النوعية التي طَالت بنية الدولة كلها، والشعب صدم في كبوات هؤلاء الكفاءات وبات البعض يشك ويتساءل: هل هذه العناصر يمكن أن تخدم الانتقال? بل وصل الإحباط بالبعض إلى يقين لا يقبل الشك بأنّ هؤلاء الوزراء جُزءٌ من منظومة مُترابطة ولديها أهدافٌ كثيرةٌ، لكن هدفها الرئيسي هو تدمير السودان والإجهاز عليه تحت غطاء الشفافية وكشف المستور!!
واضحٌ، إنها حلقات مُتلازمة ومُتراصة لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، ولذلك يتحتم على القوى السياسية العقلانية والشخصيات الوطنية الواعية أن تفطن لهذا الواقع وتعمل على تصميم مشروع لاستشراف مُستقبل السودان وفق موضوعات وقضايا الراهن، ومُعالجة أزمات السودان المُستعصية كأولوية مُقدّمة على كل التحديات الداخلية، تفاصيل المشروع مُستندة على تسوية ملف الحرب والسلام والتركيز على الجُزء المُهمل في برنامج الحُرية والتّغيير ووزرائها، وهو الترابُط الوطني الوثيق بين المركز والولايات أو بين المركز والهامش إذا جاز التعبير، هذا المشروع يجب أن يُبنى على أساس الوحدة في مُواجهة التجزئة والديمقراطية، والشورى في مُواجهة الاستبداد، والتنمية المستقلة للولايات في مواجهة طريقة القحطاويين، وهي النمو المُشوّه والتبعية المركزية العمياء، إلى جانب ذلك لا بُدّ من مبدأ العدالة الاجتماعية في مقابل الاستغلال المُتّبع حالياً.

السودان عليه أن يصمم مشروعاً سياسياً وطنياً أساسه الاستقلال الوطني بدلاً من الشحدة وطلب المعونات وطريقة حكومة الفترة الانتقالية الاستجدائية للغربيين، التي ستبعد السودان عن أصالته والتجديد الذي اتبعه في سنواته الأخيرة واعتماده على موارده ومميزاته وتعيده إلى التغريب والإغاثات والمعونات مدفوعة الثمن!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى