صراعات (الأعضاء) داخل منظمات القارة الأفريقية (2)

* تحدثت في الحلقة الأولى من هذا المقال عن الحال الذي وصلت إليه الدبلوماسية السودانية، وتناولت (الفرص) المضاعة من بين أيديها وتراجعها في ريادة القارة الأفريقية برغم ما للدبلوماسية السودانية من سبق وقدم راسخة في كثير من المنظمات الإقليمية بالقارة السمراء.. ساعدها في ذلك أن السودان من أوائل الدول التي نالت استقلالها من المستعمر، ولديها أياد بيضاء مدتها لكل حركات التحرر في أفريقيا، وبفضلها أسهمت في استقلال هذه الدول، وكان السودان من مؤسسي منظمة الاتحاد الأفريقي، وعديد من المنظمات التي انبثقت منه كالإيقاد.. وكان ينبغي بعد هذه السيرة والمسيرة العريضة التي سطرها السودان أن يكون له القدح المعلى في هذه المنظمات، لكنه للأسف تراجع عن لعب هذا الدور منذ تنازله أن يكون دولة مقر الاتحاد في منتصف العقد الماضي.

* عانى السودان كدولة رائدة في القارة الأفريقية من ضعف الحكومات التي تعاقبت في حكمه، وجميعها كان لها من (الضعف) نصيب، ليس لقلة في خبرائنا، أو ندرة في عقولنا الوطنية، ولكن ربما لسوء تقدير وعدم إحساس بمسؤولية أن تكون حاكماً للسودان بكل تنوعه وتراثه وثرائه وبنائه البشري.. وقد جرت مياه كثيرة تحت نهر الدبلوماسية الأفريقية، لم ينل خلالها السودان مبتغاه، أو أن يتبوأ مقعده المتقدم في قيادة القارة، بل تراجع عبر السنين، وأصاب عنفوانه ونضاره الدبلوماسي الوهن ولا زال.. ولم يكن ما تحقق خلال السنين الماضية بفضل أفق ورؤية واضحة، بل كان كسباً شخصياً بناه سودانيون مخلصون وكانوا كمن حفر اسمه واسم بلده على الصخر، وهم موجودون اليوم سودانيون أعلام، وخبراء يسدون عين الشمس، منهم من ظل يعمل في منظمة الاتحاد الأفريقي، أو في المنظمات الدولية الأخرى، أما على المستوى الرسمي للدولة فقد ظللنا نتحول من ضعف إلى ضعف، ولا أحد يدري حقيقة الأسباب.

* جاءت حكومة حمدوك في أعقاب ثورة أطاحت بنظام البشير الذي يتهمه كثيرون بأنه أفسد الحياة الدبلوماسية، كما أفسد الحياة المدنية وإدخاله مفاهيم المحسوبية، وأهل الولاء على أهل الكفاءة.. لذلك كنا عندما نرى ضعفاً يعتور مسيرتنا الدبلوماسية في القارة الأفريقية أو الدولية نعزو أسبابه للمنهج الذي أدار به نظام البشير الدولة ثلاثين عاماً، ولكن أن نرى ذات الضعف يتمدد ويتزايد في عهد (المدنية) وحكومة الثوار الجديدة نرفع (حاجب الدهشة) .. لأن هذه الحكومة هي التي نادت بمحاربة الفساد والمحسوبية، ورفعت شعار دولة المواطنة وإطلاق الحقوق، فكيف لها أن تفشل في قيادة مبادراتها الدبلوماسية لتستعيد دورها المفقود بين شعوب القارة الأفريقية.

* لا يزال الصراع محتدماً في ردهات المنظمات الإقليمية والسودان عنه بعيد، كل دولة تقاتل لتنال حقوقها وزيادة، إلا السودان يتنازل للآخرين بلا مقابل ويترك مقاعده ليشغلها غيره، ليس لعدم مقدرته أو قلة كفاءته، ولكنها الرؤية الغائبة والبصيرة العمياء.. ابن السودان اليوم في مواقع الاتحاد الأفريقي، وهو من مؤسسيه؟ وأين هو من منظمة إيقاد، وهو صاحب مبادرة إنشائها؟ عندما نجيل النظر لا نرى له موقعاً (مشرفاً) ما عدا النزر اليسير الذي منحوه لنا (خجلاً).

* رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك هو من الخبراء الذين ترفع لهم القبعات، وقد (صال وجال) في منظمات أممية رفع فيها اسم السودان عالياً بعلمه وخبراته وقدراته.. ومن حسن الطالع أنه قبع بالمحطات الأفريقية سنين عددا ومن بينها أديس أبابا، وهو يعلم علم (مجرب) بما يجري في دهاليز المنظمات الدولية من (صراع) بين الدول لينال كل منها نصيبه.. والصراع الدبلوماسي (صراع مشروع).. فهل سأل حمدوك نفسه أين السودان من ذلك؟؟ وماذا خقق خلال سنواته النيف والستين من استقلاله المجيد.. نطالب حمدوك وحكومته أن يعيدوا للسودان مجده في المحافل الدبلوماسية، وبالأخص على مستوى القارة الأفريقية.. وليتهم يفعلون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى